شافية المحمدي- عربي21
نشرت صحيفة "السلتو دياريو" الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن مظاهر التعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين في السنغال.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن السنغال شكّلت لعدة قرون مثالا واضحا على قابلية تحقق معادلة التعايش بين الأديان. ولعل هذا ما أكدته شهادة السنغالي المسلم علي ندور، وهو سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 44 سنة، الذي قال: "لقد نشأنا معا، وذهبنا إلى المدرسة معا، وتوجهنا إلى الحفلات معا، لماذا لا نكون أصدقاء؟". وقد أكد ندور أنه لا يجد أي مشكلة في أن يحتفل بأعياد الميلاد مع أصدقائه المسيحيين؛ لأنهم بدورهم يحتفلون معه بشهر رمضان في بيته.
وأضافت الصحيفة أن العالم السياسي الأمريكي صمويل هنتنجتون قد تنبأ باندلاع ما أطلق عليه مصطلح "صدام الحضارات" ذي الخلفية الدينية كمصدر لصراعات المستقبل، وقد أيّدت الكثير من الأطراف خطابه بشدّة في الدول الغربية. ومع ذلك، قدمت السنغال مثالا فريدا من نوعه وفي غاية البساطة على التعايش السلمي الذي تشهده منذ عقود؛ فعلى سبيل المثال، زُينت مراكز التسوق وبعض الشوارع لعدة أيام لاستقبال عيد الميلاد في بلد ذي أغلبية مسلمة بنسبة 96 بالمئة.
وأوردت الصحيفة أن العمال يرتدون قبعات بابا نويل، ويعرض الباعة المتجولون أشجار عيد الميلاد. كما عُلقت لافتة لفيلم بلاك كريسمس على واجهة إحدى قاعات السينما بجوار شجرة عيد الميلاد.
قد يفاجئ الواقع السنغالي أولئك الذين يعتقدون أن دولة أفريقية ذات أغلبية مسلمة من ذوي البشرة السوداء محكوم عليها بالعيش تحت وطأة الصدامات بسبب القضايا الدينية.
أشارت الصحيفة إلى أن وجود عدد متزايد من المتشددين الأصوليين الإسلاميين في غرب أفريقيا مسألة لا يمكن إنكارها. كما تعدّ النزاعات بين الأديان أمرا ثابتا يوميا تقريبا في النشرات الإخبارية، على غرار بوركينا فاسو أو مالي أو نيجيريا. ولكن أين يكمن السر السنغالي في هذا السلام الديني؟ يلمّح الكثير من السنغاليين إلى أن السر يكمن في كلمة "تيرانجا"، في ظل مزيج غريب من الحياة الطبيعية والشعور بالاعتزاز الوطني.
"تيرانجا" مصطلح يعبّر عن الهوية السينغالية
ذكرت الصحيفة أن هذا المصطلح يعبّر عن حسن استضافة الزوار، سواء كانوا أجانب أو أصدقاء أو أقارب أو حتى غرباء. ويتكرر هذا الشعار باستمرار في جميع المحادثات، باعتباره سرا لا يصر الشعب السنغالي كثيرا على إخفائه، أي أن الجميع مرحّب به في السنغال. بالإضافة إلى ذلك، يتعايش السنغاليون مع بعضهم البعض على الرغم من اختلاف الديانات والمعتقدات. ويرى الكثيرون أن مثل هذه المبادئ التي يعزّزها المجتمع السنغالي هي التي حالت دون وجود نزاعات دامية لأسباب دينية.
وأفادت الصحيفة بأن الإطار التاريخي نفسه يؤكد مسألة التعايش بين الأديان في السنغال. خلال العقدين الأولين من الاستقلال، ترأس الأديب والشاعر الكاثوليكي ليوبولد سيدار سنغور السنغال، وهي دولة ذات أغلبية مسلمة. منذ تلك الفترة، سارت السنغال على المنوال ذاته، حيث يمكن أن يعتنق أفراد العائلة الواحدة ديانات مختلفة دون أن يسبب ذلك أي نوع من المشاكل. فعلى سبيل المثال، يعتنق المهندس المعماري رينيه مبابو البالغ من العمر 27 سنة الديانة المسيحية مثل والديه، في حين أن خالته مسلمة.
ونقلت الصحيفة عن العالم السياسي سايبا بايو قوله: "يمكن لأي شخص أن يمتلك مسجدا صغيرا في منزله أو أن يكون لديه ركن لممارسة طقوسه الدينية بمفرده". وأضاف بايو أن "المدارس القرآنية التي يُدرّس فيها الدين هي أيضا مساحة لتعزيز مبادئ التعايش والأخلاق والعدالة والأخلاق، حيث إن المعلمين يؤثرون بشكل فعّال على التلاميذ". كما يرى بايو أن دور الخليفة أبو بكر البغدادي يختلف في حال أجرينا مقارنات بين عقائد تنظيم الدولة والإسلام المطبق في السنغال.
يعدّ التسامح أداة سياسية تقليدية في غرب أفريقيا من وجهة نظر روحية ودينية، كما يتضح من العائلات التي يمكن أن تضم فردا مسلما والآخر مسيحيا.
أوضحت الصحيفة أن العالم السياسي أكّد أن التعايش قد تم أولا بين المسلمين والوثنيين، وفيما بعد بين المسلمين والمسيحيين. وقد مثّلت المناطق التي لم يصل إليها دين الإسلام نقاط انتشار المسيحية. وقد أورد بايو أن "التعايش بين الديانتين قد استمر على الرغم من وصول معتقدات جديدة. لذلك، ما انفك المسلمون يحتفلون بأعياد الميلاد، كما أن المسيحيين تعودوا على الاحتفال بشهر رمضان وذبح الخرفان في عيد الأضحى.
المعركة بين المملكة العربية السعودية وإيران
وذكرت الصحيفة أن النموذج السنغالي لا يخلو من التهديدات الخارجية، حيث تموّل دول الخليج المراكز الدينية والجماعات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد لمدة سنوات. في هذا الصدد، يشير بايو إلى أن هذا الوضع يتفاقم منذ الثمانينيات مع وصول البترودولارات من الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، "ذهب بعض الأفارقة للدراسة في المملكة العربية السعودية، وعادوا إلى البلاد محملين بأفكار غريبة عن الدين الذي تعود عليه السنغاليون. إنهم يريدون حظر الاحتفالات الأفريقية التقليدية".