نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا، أشارت فيه إلى تغييرات في نهج السياسات الخارجية للسعودية وتوجهها نحو الحوار مع الخصوم في المنطقة، في ظل عدم وجود ضمانات أمنية من واشنطن.
وكتبت الصحيفة تقول إنه منذ الهجوم على منشآت نفطية في السعودية في سبتمبر الماضي، والذي يفترض بأن إيران هي من تقف وراءه، اتخذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خطوات دبلوماسية للتخفيف من حدة التوترات مع خصومه في المنطقة.
وتشير الصحيفة إلى أن محمد بن سلمان قام بتفعيل المفاوضات مع المتمردين في اليمن، مما أدى إلى تراجع وتائر الهجمات من الجانبين، وقام بخطوات لتخفيف الحصار المفروض على قطر وانخرط في مفاوضات غير مباشرة مع "العدو اللدود" للمملكة، ألا وهو إيران.
وعزى المحللون التحول من المجابهة إلى التفاوض إلى إدراك السعودية بأن الموقف الذي كان يمثل حجر الزاوية للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط منذ عقود، وهو حماية قطاع النفط السعودي من هجمات خارجية، لم يعد مضمونا.
وتشير "نيويورك تايمز" إلى أنه على الرغم من التوافق بين المسؤولين الأمريكيين والسعوديين حول أن إيران هي التي كانت وراء الهجمات على المنشآت في بقيق وخريص، لم يرد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على الهجوم بأي شيء ملموس.
وأدركت السعودية أنه على الرغم من إنفاقها عشرات المليارات من الدولارات على شراء الأسلحة الأمريكية (170 مليار دولار منذ عام 1973)، لم يعد بإمكانها أن تعول على المساعدة من الولايات المتحدة، أو أن الدعم الأمريكي لن يكون بتلك القوة التي تحتاجها المملكة.
وقال ديفيد روبرتس، الباحث في كلية الملك بلندن: "أعتقد أننا سننظر إلى 14 سبتمبر بمثابة لحظة مفصلية في التاريخ الخليجي"، معتبرا أن السعوديين "يدركون أنهم يجب أن يكونوا مستعدين لتنازلات أكثر".
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن التغير في السياسة السعودية يشكل مفارقة محرجة بالنسبة للولايات المتحدة، حيث كانت إدارة ترامب والكونغرس يضغطان على السعوديين من أجل إنهاء الحرب في اليمن، كما دفعتهم الإدارة الأمريكية نحو المصالحة مع قطر بدون أي نتيجة. والآن، تبين أن الهجمات الإيرانية المفترضة قد تكون فعلت أكثر لتحقيق تلك الأهداف مما فعلته الضغوطات الأمريكية.
ولفتت الصحيفة إلى أن الهجمات على المنشآت النفطية أظهرت سهولة تعرض القطاع النفطي السعودي للأذى، وذلك مع وصول النزاع في اليمن إلى مأزق، ترافقه أزمة إنسانية، وتمكن قطر من الصمود أمام الحصار بفضل ثرائها وعلاقاتها الخارجية.
واعتبر روب مالي، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد باراك أوباما، والمختص بشؤون الشرق الأوسط، أن توجه السعودية نحو الدبلوماسية مع قطر وفي اليمن "يعكس رغبة السعودية في تعزيز موقفها في المنطقة في زمان الغموض والضعف".
ولاحظ المحللون أن غياب رد قوي من قبل الولايات المتحدة يشكل ضربة إلى السياسات المعروفة بـ "عقيدة كارتر" التي تعود إلى عام 1980، حين تعهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر باستخدام القوة من أجل ضمان حرية توريدات النفط من منطقة الخليج. وكان الرؤساء الأمريكيون بعد كارتر يتمسكون بهذه العقيدة.
وقال الباحث في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك: "منذ بداية عملي على دراسة الشرق الأوسط، كان سبب وجودنا هناك حماية حرية توريدات النفط". وأضاف: "ما لم يفهمه السعوديون هو أن دونالد ترامب أقرب بكثير من رؤية باراك أوباما للعالم، مما كانوا يعتقدون. وموقفه يتلخص في مغادرة الشرق الأوسط".
وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن السعوديين يدركون أن مواصلة دعم السعودية بقوة قد تكون صعبة لترامب على ضوء الحملة الانتخابية، وأن الرئيس الأمريكي الجديد قد يتخذ موقفا مغايرا تماما تجاه الرياض.
المصدر: RT