توزيع القهر

توزيع القهر… حصاد حقوق الإنسان في اليمن 2019

تمر السنوات، ويتقدم التاريخ، لكن اليمن لا يتقدم فيها شيء؛ إلا زيادة انتهاكات حقوق الإنسان وارتفاع معدلاتها، مع ظهور أصناف جديدة منها، وتنويعات على منهجيتها.


وشهد العام 2019 تطورات ومستجدات عديدة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، وجميع هذه التطورات أثرت بشكل واضح وملموس على حالة حقوق الإنسان، بل إن الكثير من هذه التطورات كانت انتهاكاً مباشراً لحقوق الإنسان، وماتزال الحرب القائمة منذ أكثر من 5 أعوام، هي العنوان الأبرز لهذه الانتهاكات، بانفلاتها من ضوابط القانون الدولي الإنساني، واستهداف مختلف الأطراف المشاركة فيها للمدنيين والمنشآت المدنية والحيوية، وحصار المدن والأرياف وقطع الطرقات، والتسبب بأزمات إنسانية ومفاقمة الفقر وانتشار الأوبئة، إضافة إلى الاختطاف والاعتقال والإعدام خارج القانون، والتعذيب وتجنيد الأطفال والنساء واللاجئين.

طرفا الصراع شركاء بالانتهاكات الحقوقية

تتوزع الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان في اليمن، منذ سنوات طويلة، بين أطراف عدة داخلية وخارجية، وعلى رأسها جماعة الحوثي المسيطرة على أكثر المحافظات اليمنية سكاناً؛ إذ تنتهج سلوكاً خارجاً على القانون والدستور وكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؛ وتصعد من ممارساتها المنتهكة لحقوق الإنسان يومياً؛ حتى وصل بها الحال مؤخراً إلى التضييق على الحريات الشخصية والتضييق على المواطنين حتى في مظاهرهم الشخصية.
بالمقابل، تعمل أطراف أخرى متعددة تسيطر على محافظات جنوبية ومحافظة مأرب وأجزاء من محافظات “تعز، الحديدة، والجوف”، أغلبها موالية للحكومة، على ارتكاب أعمال منافية للقانون، وتمارس بحق المواطنين انتهاكات متعددة، تتنوع بين الممنهجة والعشوائية.
ويؤكد مدير مركز الدراسات في وزارة حقوق الإنسان، وليد الأبارة، أن غياب الدولة في ظل سيطرة الجماعات المسلحة؛ وعدم جدية المجتمع الدولي في التعاطي مع انتهاكات حقوق الإنسان من ناحية، أو حل الأزمة السياسية الناجمة عن الانقلاب من ناحية أخرى؛ يجعل المواطن اليمني عارياً في مواجهة الانتهاكات، وعرضة للمزيد منها، كما يقول لـ”المشاهد”.


ويضيف: “لكي أكون دقيقاً، قبل استعادة الحكومة لحكم القانون من خلال استعادة العاصمة وإنهاء حكم جماعة الحوثي؛ فإن الحديث عن حقوق الإنسان يبدو غير ذي جدوى من الناحية العملية، وستستمر الجرائم والانتهاكات على ما هي الحال عليه، لاسيما وقد فشل المجتمع الدولي في توفير الحماية للمدنيين من هجمات وبطش الحوثيين طوال سنوات الحرب”.

قيامة حجور

باءت جماعة الحوثي بالنصيب الأكبر من انتهاكات حقوق الإنسان، سواء في المناطق التي تسيطر عليها؛ أو في مناطق أخرى تحاصرها أو تقصفها بمختلف أنواع الأسلحة، أو حتى تتحكم اقتصادياً ومالياً بعمل المؤسسات العامة فيها.

منظمة رايتس رادار، في تقرير لها حول أحداث حجور ومديرية كشر، صدر منتصف العام؛ اتهمت الحوثيين بارتكاب 20561 انتهاكاً ضد أبناء قبائل حجور، خلال الربع الأول من العام، تنوعت بين القتل والاعتداءات الجسدية والاختطافات والإخفاء القسري والتهجير، إضافة إلى تدمير المنازل وقصفها ونهب المنشآت. 


وشهد الربع الأول من العام 2019، افتتاح الحوثيين جبهات حرب داخل مناطق سيطرتهم، وكانت منطقة حجور ومديرية كشر في محافظة حجة (شمال غربي اليمن)؛ مسرحاً لعمليات عسكرية للحوثيين، استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، وفرضت على أهاليها الحصار والقصف المدفعي والصاروخي، وتسببت في نزوح مئات الأسر منها، وذلك بعد تمرد قبائل المنطقة على سلطة جماعة الحوثي .
منظمة رايتس رادار، في تقرير لها حول أحداث حجور ومديرية كشر، صدر منتصف العام؛ اتهمت الحوثيين بارتكاب 20561 انتهاكاً ضد أبناء قبائل حجور، خلال الربع الأول من العام، تنوعت بين القتل والاعتداءات الجسدية والاختطافات والإخفاء القسري والتهجير، إضافة إلى تدمير المنازل وقصفها ونهب المنشآت.
وفي تقرير يتألف من 33 صفحة، أوردت “رايتس رادر” تفاصيل العديد من الانتهاكات الجسيمة وعمليات القتل الوحشي والاعتقالات التعسفية وحالات التعذيب، التي وصل بعضها حد الوفاة، والحرمان من الحق في الحياة، وإجبار السكان على مغادرة قراهم وتهجيرهم قسراً، إضافة إلى الانتهاكات التي طالت النساء والأطفال وأرباب الأسر وقطاعات التعليم والصحة والزراعة والاقتصاد.

إهانة المجتمع الدولي

أدان مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، منتصف يوليو، قرار جماعة الحوثي بإعدام 30 رجلاً، بعد تعرض كثير منهم للتعذيب خلال احتجازهم على مدى 3 سنوات، لدوافع سياسية.
وقالت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان رافينا شمدساني: “إن معظم الرجال الـ30 أكاديميون وطلاب وسياسيون، ولم يحصلوا في أي مرحلة على فرصة ملائمة لعرض دفاعهم، وإنهم اعتقلوا في 2016، ووجهت لهم اتهامات بدوافع سياسية”، مؤكدة وجود أدلة تثبت وقوع عمليات تعذيب وإساءة المعاملة، الأمر الذي كشفته فرق تابعة للأمم المتحدة تحدثت مع أسر المعتقلين.


وأدانت جهات أخرى، بينها الخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية، هذه الأحكام، إلا أن مليشيات الحوثي هددت بطرد المنظمات الدولية العاملة في المناطق اليمنية التي مازالت خاضعة لسيطرتها، وذلك عقب إصدارها حكماً بإعدام 4 من المختطفين في سجونها، منتصف ديسمبر.
وردت جماعة الحوثي على مواقف المنظمات الدولية من أحكام الإعدام التي تصدرها بحق المختطفين لديها، بحملة تهديدات وتنديدات واسعة تبناها قياديون عدة في الجماعة يتولون مناصب مختلفة في حكومتها غير المعترف بها.
وتضمنت تلك التهديدات طرد المنظمات الدولية العاملة في اليمن، وإغلاق مكاتبها، وعدم التعاطي معها، الأمر الذي لم ترد عليه منظومة المجتمع الدولي بأي رد.
ويستغرب مراد الغاراتي، عضو التحالف الدولي للسلام والتنمية، تزايد الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي برغم اتفاق السويد الذي يفترض أنه بداية لوقف تلك الانتهاكات.
وطالب الغاراتي، في حديثه لـ”المشاهد”، بالتركيز على ملف الاختطافات والاعتقالات التي تمارسها جماعة الحوثي، والتي قال إنها أصبحت تمتلك وتدير أكثر من 700 سجن في مختلف مناطق سيطرتها، وأنها تستخدم المنازل والمؤسسات التي تحتلها للاحتجاز، مشيراً إلى أن عدد المختطفين غير معروف بدقة، وهناك تضارب كبير في المعلومات عن أعدادهم.
كما استغرب من عدم إيلاء ملف المحاكم غير القانونية الاهتمام الكافي، إضافة إلى الجرائم ضد النساء اللواتي وصف أوضاعهن في السجون الحوثية بالمرعبة، وواصل استغرابه من عدم قدرة كافة المنظمات الدولية على وضع حد لتلك الانتهاكات.

التنكيل بالنساء أقصى درجات إهانة المجتمع

برزت الانتهاكات الموجهة ضد النساء، كسلوك جديد أثار فزع اليمنيين المعروفين بالمحافظة والحساسية الشديدة تجاه المساس بسمعة النساء، حيث لم يسبق حدوث مثل هذا السلوك طوال العقود الماضية، برغم امتلائها بالانتهاكات.
وتقول تقارير إعلامية وحقوقية إن عدد النساء المختطفات لدى جماعة الحوثي، ما بين 100 و300 فتاة وامرأة، وأن 80 امرأة يُحتجزن في السجن المركزي في صنعاء.

بدأت عملية الكشف عن الانتهاكات بحق النساء والناشطات، بشهادة صحفي موالٍ لجماعة الحوثي؛ بادر بالكشف عن هذه الانتهاكات، وكشف عن اسم أحد المتهمين بهذه الجرائم، وهو القيادي سلطان زابن. وتوالت عقب ذلك الشهادات التي كشفت عن مزيد من الأسماء، وفي يناير 2019، أصدر فريق اليمن الدولي للسلام، بياناً كشف فيه أسماء عدد من القيادات الحوثية التي ارتكبت جرائم اختطاف وتعذيب النساء 


وذهب تقرير فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن، الصادر أواخر سبتمبر، إلى أن جماعة الحوثي تعمل على اتهام المختطفات بارتكاب أفعال الفجور لتغطية بعض القضايا ذات الدوافع السياسية؛ لإلحاق وصمة العار الاجتماعية بهن، ما يجعلهن عرضة للضغوط الاجتماعية والعائلية وللإقصاء.
وسرد فريق الخبراء وقائع وحالات اختطاف استخدمت فيها النساء كرهائن لابتزاز أهاليهن مالياً، أو لإجبار ناشطين أو منشقين هربوا من بطش جماعة الحوثي؛ على تسليم أنفسهم، وبحسب شهادات نساء في عدة مناسبات، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، فإن عدداً من المختطفات بتهم سياسية يتعرضن لعمليات اغتصاب تحت مسمى التطهير، تليه محاضرات دينية، وأكد تقرير الخبراء حدوث واقعة اغتصاب بحق إحدى المختطفات في عدة مناسبات أعقبتها تلك المحاضرات.


وبدأت عملية الكشف عن الانتهاكات بحق النساء والناشطات، بشهادة صحفي موالٍ لجماعة الحوثي؛ بادر بالكشف عن هذه الانتهاكات، وكشف عن اسم أحد المتهمين بهذه الجرائم، وهو القيادي سلطان زابن. وتوالت عقب ذلك الشهادات التي كشفت عن مزيد من الأسماء، وفي يناير 2019، أصدر فريق اليمن الدولي للسلام، بياناً كشف فيه أسماء عدد من القيادات الحوثية التي ارتكبت جرائم اختطاف وتعذيب النساء، وهم: أحمد مطر، أبو رائد وهاس، وحسن بتران.

إعلام في العتمة

واستمر الحوثيون باستهداف الصحافة والصحفيين بانتهاكات تتنوع من المنع من مزاولة المهنة إلى الملاحقة والاختطاف والتعذيب والقتل والمحاكمات غير العادلة في محاكم غير دستورية.
وتعيش الصحافة في اليمن وضعاً سوداوياً تختلف قتامته من منطقة إلى أخرى؛ غير أن أكثرها مأساوية تأتي في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يقع الصحفيون تحت طائلة القتل والاحتجاز التعسّفي، واستخدامهم كدروع بشرية، والإخفاء القسري، ووقف الرواتب، والطرد من العمل أو منعهم من العمل تماماً.
وأغلق الحوثيون، منذ العام 2014، كافة وسائل الإعلام والصحافة المحلية ومكاتب وسائل الإعلام الخارجية، مع الإبقاء على بعض تلك الوسائل لاعتبارات تخص خطابها الذي لا ينتقد ممارساتهم، واختطفوا عشرات الصحفيين، في يونيو 2015، وعرضوهم لمحاكمات استثنائية بتهمة “التخابر مع العدوان”، في إشارة إلى الحكومة اليمنية المعترف بها، والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية، كما حجبت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التي يسيطرون عليها؛ عشرات المواقع الإليكترونية.
وتجري المحكمة الجزائية المتخصصة التي يسيطر عليها الحوثيون، جلسات محاكمة لعدد من الصحفيين، دون أية إجراءات قانونية تضمن، ولو صورياً، قانونية المحاكمة وعدالتها.
وشكت أسر عدد من الصحفيين المختطفين، من تعرضهم للتعذيب وللضرب من قبل ضباط الأمن السياسي ومسؤول السجن، ومن هؤلاء: “عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، أكرم الوليدي، صلاح القاعدي، هشام طرموم، هيثم الشهاب، عصام بلغيث، الحارث حميد، هشام اليوسفي، حسن عناب، وصلاح القاعدي”.
ودعت لجنة حماية الصحفيين في مدينة نيويورك، إلى الإفراج الفوري عن الصحفيين المختطفين، مستنكرة استمرار تعذيبهم وسوء التعامل معهم.
وتواصل رابطة أمهات المختطفين، فعالياتها ونشاطها للفت أنظار العالم إلى الانتهاكات التي يتعرض لها المختطفون في سجون ومعتقلات الحوثيين منذ 4 أعوام ونصف. وبرغم شهرة هذه الرابطة، وتعاطي الكثير من وسائل الإعلام معها؛ إلا أن الجهات الرسمية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة وهيئاتها المختصة؛ مازالت تتجاهل هذه الرابطة، ولا تولي مناشداتها ومطالبها أية اهتمام.
وأعلنت نقابة الصحفيين اليمنيين، في نوفمبر الماضي، رصد 25 انتهاكاً ضد الحريات الإعلامية في البلاد، خلال الربع الثالث (من يوليو وحتى سبتمبر)؛ منوهة إلى أن هذا العدد من الانتهاكات هو “مؤشر يوضح استمرار حالة الحرب والعدائية ضد الصحافة والصحفيين من قبل كافة الأطراف المتنازعة”.
فيما ارتكب مسلحو وأنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً 8 حالات، في حين ارتكبت جماعة الحوثيين 5 حالات، وارتكب مجهولون 3 حالات أخرى.
ولفتت نقابة الصحفيين اليمنيين إلى أن 17 صحفياً مازالوا “مختطفين”، أغلبهم منذ أكثر من 4 أعوام، منهم 15 صحفياً لدى جماعة الحوثي، وتنظيم القاعدة بحضرموت.

حصاد الجوع والمرض

يصف الناشط والباحث خالد عائش، رئيس الملتقى الوطني لحقوق الإنسان، الوضع الحقوقي في اليمن، في حديثه لـ”المشاهد”، بالتحدي الأبرز الذي يواجه كافة اليمنيين في كافة المحافظات والمناطق اليمنية.
ويتوقع أن يصل عدد وقائع الانتهاكات المرتكبة خلال العام 2019، إلى أكثر من 9000 واقعة انتهاك وفقاً لنتائج أعمال الرصد الميداني التي قام بها الملتقى الذي يترأسه.

تم توثيق 179 من السجون والمعتقلات غير القانونية تحت إدارة جماعة الحوثي وبعض الفصائل المسلحة التي تتحالف مع الحكومة وقيادات عسكرية فيها. 


وطالت الوقائع قيد الرصد والتوثيق، أغلب الحقوق الأساسية للإنسان، وتوزعت بين الحرمان من الحياة على نحو تعسفي، وأعمال القتل غير المشروع أو ذات الدوافع السياسية، وانتهاك الحق في السلامة الجسدية والأمان الشخصيّ، والحقّ في الحرّية، والتمييز والانتهاكات المجتمعية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى أثر الحرب على الفئات الأشد ضعفاً، كالأطفال، والنساء والنازحين واللاجئين، بالإضافة إلى السجون والمعتقلات غير القانونية، حيث تم توثيق 179 من السجون والمعتقلات غير القانونية تحت إدارة جماعة الحوثي وبعض الفصائل المسلحة التي تتحالف مع الحكومة وقيادات عسكر

تفاقم الأوضاع الإنسانية

ويقدر الأبارة عدد النازحين، بحسب الإحصائيات الرسمية، بـ4 ملايين و200 ألف نازح، خلال سنوات الحرب، وجميعهم يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة للغاية، مشيراً إلى أن قرابة نصف مليون نازح خلال العام 2019، من مناطق الحديدة وإب والضالع وحجة، جراء اجتياح الحوثيين لتلك المناطق وتهجير سكانها أو هروبهم خوفاً من الحرب أو بطش الجماعة، ويفتقد هؤلاء أبسط مقومات البقاء، ويحتاجون لمساعدات إيوائية وطبية عاجلة.
ويشير الأبارة إلى أن السواد الأعظم من المواطنين اليمنيين يفتقرون للغذاء والدواء والسكن والتعليم، بسبب انهيار المؤسسات الخدمية أو توقفها، حيث انخفضت الطاقة الإنتاجية لهذه المؤسسات، كما هو الحال في المنشآت الصحية التي توقف 50% منها، بحسب إحصاءات وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية. كما أثر انقطاع المرتبات على شريحة كبيرة من السكان، مؤكداً أن النزوح مايزال مستمراً.

بلغت الأزمة الغذائية في البلاد أقصاها في نهاية العام 2019، من ناحية أخرى ازداد معدل سوء التغذية الحاد الوخيم، ومعدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي خلال أشهر العام، كما زادت معاناة نحو نصف سكان اليمن من النساء والفتيات، من جراء تلك المعدلات، كونهن يتحملن آثار انعدام الأمن الغذائي في أحيان كثيرة. 


وفي مجال الصحة، تم الإبلاغ عن أكثر من مليون حالة يشتبه إصابتها بالكوليرا في اليمن، منذ بداية العام 2018 وحتى نوفمبر 2019. ويعاني القطاع الصحي في اليمن، من تدهور حاد جراء الصراع المتفاقم، الذي أدى إلى تفشي الأوبئة والأمراض، وإغلاق عدد كبير من المرافق الصحية، بحسب عائش.
وبلغت الأزمة الغذائية في البلاد أقصاها في نهاية العام 2019، من ناحية أخرى ازداد معدل سوء التغذية الحاد الوخيم، ومعدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي خلال أشهر العام، كما زادت معاناة نحو نصف سكان اليمن من النساء والفتيات، من جراء تلك المعدلات، كونهن يتحملن آثار انعدام الأمن الغذائي في أحيان كثيرة، ويتخلين عن طعامهن لتمكين أفراد الأسرة الآخرين من تناول حصص من الغذاء. كما تتضاعف حالات سوء التغذية الناتج بصورة أساسية عن استمرار انقطاع الدخل والرواتب، والارتفاع الكبير في الأسعار، بالإضافة إلى استمرار الصراع والجوع في الشريط الساحلي الغربي الأكثر فقراً في البلاد، حيث الكثافة السكانية المرتفعة جداً، إضافة إلى تزايد عدد القتلى بسبب الصراع الدائر في البلاد، ما أدى إلى زيادة في عدد الأسر التي تعيلها نساء.
وبحسب الملتقى الوطني لحقوق الإنسان؛ فإن هنالك ما يقارب 3.7 مليون طالب بحاجة ماسة للمساعدة ليتمكنوا من العودة لمدارسهم في اليمن، وأن عدداً كبيراً من الأطفال لم يتمكنوا من العودة إلى المدارس، إضافة إلى أنه، ومع بداية العام الدراسي؛ هنالك أوضاع أمنية تقلق الأهالي، وارتفاع أسعار مستلزمات المدرسة يضاعف من معاناة الأسر.

الحديدة خارج النص

مر أكثر من عام منذ اتفاق السويد الخاص بمحافظة الحديدة وموانئها، وهو الاتفاق الذي لم يجد أي بند من بنوده مساحة للنفاذ، برغم أن حل الأزمة الإنسانية كان هو المبرر الأهم لحدوث هذا الاتفاق، إلا أن المجتمع الدولي والأطراف المتصارعة غرقوا في تفاصيل البحث عن فرصة لتنفيذ الاتفاق، فغابت الأزمة الإنسانية في الحديدة عن الحضور حتى في تقارير المنظمات والهيئات الأممية.
تصدرت محافظة الحديدة، خلال الأعوام السابقة؛ قائمة المحافظات من حيث عدد وقائع الانتهاكات المرصودة لدى الملتقى الوطني، وسط القتال الذي اشتدّ في المحافظة على الساحل الغربي، خلال عامي 2018 و2019.
وكنموذج للأزمة الإنسانية في الحديدة، ينقل رئيس الملتقى الوطني لحقوق الإنسان خالد عائش، بعض التفاصيل، كوفاة أكثر من 60 مواطناً في مديرية الجراحي، بينهم 46 طفلاً دون سن 12 عاماً، خلال أقل من شهرين، وإصابة أكثر من 7 آلاف حالة بالملاريا وحمى الضنك، غالبيتهم من الأطفال، بالإضافة إلى وفاة عشرات الحالات في عدد من مديريات المحافظة كمديريتي زبيد وبيت الفقيه.
وبلغ عدد النازحين في الحديدة أكثر من 278.000 شخص، منذ يونيو 2018 حتى نهاية العام 2019، ويعيش غالبيتهم ظروفاً بالغة الصعوبة في مناطق النزوح، سواء تلك التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، أو المناطق المحررة.
ويقع المواطنون في محافظة الحديدة، تحت طائلة المواجهات وتداخل خطوط التماس بين أطراف الصراع المتمثلة في الحوثيين من جهة، وقوات أخرى تتبع أطرافاً عدة مؤيدة للحكومة، حيث تحاصر الجماعة المناطق والقرى والأحياء التي تم طردها منها، وتتعمد قصفها بالأسلحة الثقيلة أو إطلاق نيران القناصة عليها، كما تزرع الألغام في الطرقات، وتؤدي الاشتباكات المسلحة إلى قطع المزيد من الطرقات والتضييق على حركة المواطنين، أو تعرضهم لنيران مباشرة.

تعز.. عاصمة الانتهاكات

ظلت تعز المدينة والريف محور الصراع والسياسة طوال الأعوام الماضية، وهو ما جعلها الأكثر عرضة للانتهاكات من الحصار المطبق الذي يمنع وصول المواد الأساسية إليها، بما في ذلك المياه والأدوية والمستلزمات الطبية والأكسجين للمستشفيات. وإن كان الحصار أصبح أخف وطأة بعد تحرير المنفذ المؤدي إلى المناطق الجنوبية من المحافظة، وبالتالي إلى محافظة عدن ومينائها؛ فإن الانتهاكات لم تتوقف، ولم تتراجع حدتها، بل إن المدينة والمحافظة شهدتا استقطابات حادة بين مختلف الأطراف الموجودة في المشهد؛ وهي غالباً تمتلك قوات مسلحة تتشابه أغلبها مع الجماعة الحوثية من حيث التكوين، وتتقاطع معها في الممارسات، وإن كانت تحمل صفة الجيش، وأدى هذا التنافس والاستقطاب إلى حدوث صراعات عدة في أكثر من منطقة، لكن أعنفها حدث في حي المدينة القديمة، وأسفر عنه الكثير من الضحايا التي لم يتم رصدها بشكل دقيق من أي طرف محايد.
وبسبب الاستقطاب الحاد في تعز؛ فإن انتهاكات الجماعات المسلحة المختلفة لحقوق الإنسان في تعز، لا تحظى بالرصد والتوثيق الجادين، ولا يمكن الاعتماد على أغلب ما يتم رصده وتوثيقه.
وأثَّر الحصار، بحسب تقرير الفريق، بشكل كبير على تعز، وتسبب بانعدام السلع الغذائية والمياه، وبندرة الأدوية وانعدام الخدمات الصحية وتراجع التعليم، وغيرها من أشكال الحياة، مقسماً الحصار إلى مرحلتين استمرت الأولى من مارس 2016، حيث قال إن “نقاط التفتيش التي سيطر عليها الحوثيون كانت تغلق المنافذ بشكل اعتباطيّ”، كما تم في هذه النقاط “إيقاف الناس لعدة ساعات، وتم تفتيشهم ومصادرة البضائع التي كانوا يحملونها بما فيها الخضروات والمواد الغذائية الأخرى”.
استمرت جماعة الحوثي في قصف الأحياء السكنية في تعز بشكل متعمد واعتباطي، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يسقط قتلى وجرحى، أغلبهم من الأطفال.
وتتعمد جماعة الحوثي استغلال المناسبات لارتكاب انتهاكاتها، ففي ثاني أيام عيد الفطر قتل القناصة الحوثيون في حي عصيفرة شمال ‎المدينة، الطفل عمرو يعقوب علي محمد (13 سنة)، ومحمد عماد عبدالجبار (3 سنوات)، غرب المدينة بالقرب من تبة السلال، وأصابت والديه وهما يحاولان إنقاذه.
وفي أبريل مثلاً، رصد مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، مقتل 33 مدنياً، بينهم 13 طفلاً وامرأتان، سقط 9 منهم بقذائف مليشيا الحوثي، وطفلان بنيران القناصة التابعين لجماعة الحوثي، بينما قتل الباقون بنيران مسلحين خارج نطاق الدولة، ويتبعون التشكيلات التي يُزعم موالاتها للجيش، في حين أصيب 64 من المدنيين، بينهم حالات خطرة، بنفس الأسباب السابقة، إلا 4 منهم بسبب الألغام التي زرعتها الجماعة في أغلب المناطق التي تواجدت أو مازالت تتواجد فيها، وتعدّ الألغام أحد أكثر أسباب تعرض المواطنين للقتل أو الإصابات الخطيرة، والتي تكون أغلبها بتر الأطراف.
وفي الـ30 من يونيو؛ قُتل 5 مدنيين، بينهم طفل، بقذيفة أطلقتها جماعة الحوثي على حي حوض الأشراف.

صيف السياسة ولهيب القهر

كانت أحداث أغسطس في عدن، هي الأبرز في اليمن خلال العام 2019، وهي الأحداث التي تمثلت في مواجهات بين القوات الحكومية والجماعة المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات، وأسفر عنها احتلال المؤسسات الرسمية من قبل قوات “الانتقالي”، وطرد ممثلي الحكومة منها، وإجبار الحكومة نفسها على مغادرة مقر إقامتها في عدن إلى العاصمة السعودية الرياض، ومن ثم وسع المجلس الانتقالي انتشاره ونفوذ إلى محافظة أبين المجاورة، مع سيطرته على محافظتي الضالع ولحج مسبقاً، في طريقه للسيطرة على كامل المحافظات الجنوبية؛ قبل أن يتعرض لهزيمة في محافظة شبوة، الأمر الذي أجبره على الدخول في مفاوضات سياسية مع الحكومة، انتهت باتفاق الرياض، مطلع نوفمبر الماضي، وهو الاتفاق الذي مايزال قيد التنفيذ، مع شكوك كبيرة في إمكانية نجاحه، حيث ماتزال أهم بنوده خارج إطار التنفيذ، برغم تزمينها، وهو ما يجعل إمكانية فشله قائمة.
تسببت تلك الأحداث في الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان في عدن والمحافظات المجاورة. بدأت الأحداث باغتيال قائد عسكري في ما يُعرف بالحزام الأمني لمحافظة عدن، ترافق مع تفجير عبوة ناسفة داخل سيارة أمام مقر شرطة الشيخ عثمان، مطلع أغسطس الماضي؛ وأسفر عن العمليتين سقوط قتلى وجرحى أمنيين وعسكريين، ليتبع ذلك عمليات تهجير قسري للمئات من أبناء المحافظات الشمالية، واعتقالات شملت أبناء محافظات مختلفة شمالاً وجنوباً. وبلغ التصعيد ذروته بإعلان هاني بين بريك، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، ما سماه النفير العام لمواجهة القوات الحكومية، متهماً إياها بموالاة الإرهاب، وحدثت المواجهات التي أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، وتسببت في حصار آلاف المواطنين في عدد من الأحياء السكينة، وعدم مقدرتهم على النزوح أو الحصول على المواد الغذائية والمياه. ووجه أهالي حارة القطيع، القريبة من قصر معاشيق الرئاسي الذي شهد أبرز المواجهات؛ نداءات استغاثة لوقف القتال أو السماح لهم بالنزوح، في حين ناشدت وزارة حقوق الإنسان اليمنية، جميع الأطراف، الابتعاد عن المناطق السكنية، وإخراج المعسكرات من عدن.


بيد أن الانتهاكات لم تتوقف عند توقف الأعمال القتالية في عدن؛ فعند توسع وانتقال المواجهات إلى محافظة أبين المجاورة، ارتكبت عدة انتهاكات، كان أبرزها الإعدامات الميدانية.
وذكر “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، أنه وثّق إفادات لشهود عيان أن قوات الحزام الأمني أعدمت 4 أسرى من القوات الحكومية، داخل مستشفى في حي الصرح بمدينة زنجبار مركز محافظة أبين، كانوا نقلوا إليه بعد إصابتهم في غارة لطيران الإمارات على أحد مواقعهم في المدينة، وجنوداً جرحى آخرين لم يحدد عددهم؛ كانوا يتلقون العلاج بمستشفى الرازي بمدينة جعار التي شهدت معارك عنيفة بين قوات الطرفين.
وأضاف المرصد أنه تحقق من اعتقال مسلحي “الانتقالي” أكثر من 40 شخصاً، خلال يوم الـ30 من أغسطس الماضي، مشيراً إلى انتهاكات بحق المواطنين بحسب هويتهم الجغرافية، حيث داهمت قوات الحزام الأمني منازل عسكريين ومدنيين ينتمون إلى المحافظات الشمالية كافة، وآخرين ينتمون إلى محافظتي شبوة وأبين.
وجاء اتفاق الرياض ليضع حداً للتصعيد العسكري؛ إلا أنه لم يولِ اهتماماً لجانب انتهاكات حقوق الإنسان، فبرغم تشديده على وقف كافة أعمال التحريض والتصعيد؛ إلا أنه لم يعالج قضايا الانتهاكات السابقة عليه، ولم يضع بنوداً تخص تلك الانتهاكات سواء بمعالجة آثارها أو محاسبة مرتكبيها أو الإفراج عن المعتقلين والمخفيين وتعويض الجرحى وأهالي القتلى، بل أيضاً الانتهاكات التي حدثت خلال المفاوضات وبعد الاتفاق، وهو ما أشارت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش، التي اتهمت قوات المجلس الانتقالي باختطاف ما لا يقلّ عن 40 شخصاً، بشكل تعسفي، من ضمنهم طفل، في محافظة عدن، وأطلقت سراح بعضهم؛ مطالبة قوات الأمن التابعة للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، وقوات الأمن التابعة للمجلس والمدعومة من الإمارات، والتي ستدمج بحسب اتفاق الرياض، بالإفراج فوراً عن الأشخاص المحتجزين تعسفاً أو المختفين قسراً، وشددت على أنه يتعين عليها أيضاً تعويض الضحايا، ومعاقبة المسؤولين الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات أو أشرفوا عليها، حسب الاقتضاء.