اليمن

هذه الدروس التي تعلَّمها الشعب اليمني من الحوثيين.. لكن بعد فوات الأوان

منذ نشأت حركة الشباب المؤمن التي تطورت لاحقاً لتصبح ميليشيا تسيطر على العاصمة صنعاء وبعض المدن اليمنية، فإنه لم يحدث حتى الآن أن كان هناك تغير داخلي لها في التصورات والأفكار، بحيث نقول إن هناك تغيراً عميقاً بنيوياً حدث داخل هذه الحركة.

إذن على ماذا نعول في هزيمة هذه الميليشيا؟

بعد السيطرة على صنعاء في أواخر عام 2014، تعامل قادة الجماعة مع هذا التوسع والانضمام المتزايد بطرق ضمنت سلامتها، استطاعت ابتلاع تيار صالح والمؤتمر الشعبي العام.. ما تبقى من الجيش والجماهير استطاعت صهرها داخل مشروعها عبر تغذية فكرية متواصلة ضمنت فيه لدى أتباعها الحد الأدنى من التزام السلوك واكتساب الخصائص الجديدة لهذه الجماعة الطارئة.

لن يكون هناك انقسام في حركة كهذه، حتى مع تقدم الزمن. من طبيعة هذه الحركة أنها قادرة على ابتلاع كل نتوءات صغيرة.. من سينشق فإنه سيختفي من المشهد تماماً حتى دون تصفية جسدية لأن هذه الحركة لم تتح لأحد إمكانية الظهور سوى للرأس الأوحد، قائد الميليشيا عبدالملك الحوثي.

الأوامر في هذه الميليشيا تسير من الأعلى نحو الأدنى، من الرأس إلى الجسد، وليست هناك مطالب تصعد من الأسفل إلى الأعلى، الجماهير هي قوة لتنفيذ الأوامر وليس لها وظيفة أخرى.

بقية القيادات المتوسطة والصغيرة تتحرك في الهامش، أما المتن فلا يسمح لأحد بالاقتراب منه أو صناعته، لأن الخصائص النفسية لهذه الجماعة هي من تحركها لا المنطق العقلي، الذي هو أبعد ما يكون عنها.

فعلى ماذا نعول في هزيمة هذه الميليشيا حتى بعد هزيمتها عسكرياً إن تحقق ذلك؟

مثقفون وسياسيون ذوو أحقاد أكثر مما هم ذوو أطماع قادوا دبابات الميليشيا الفتية من صعدة حتى صنعاء، وكانوا يؤدون دور الطريق السالك لإزالة كل عثرة وعائق أمام سير تلك الأقدام الحافية والمغبرة، التي جاءت لإنقاذ الشعب من الجرعة وتنفيذ حلم الدولة المدنية كما كانت تصريحاتهم تقول.

أنا لا أتحدث عن الجماهير التي ابتلعت هذا الوهم، فالجماهير تجذبها الأوهام دائماً وتعشق الحياة في الكلمات الرنانة والجمل الساحرة المفرغة من المعنى، أو حتى من ليست معانيها واضحة بالنسبة لها، لكنها قادرة على التضحية من أجل تلك المعاني المبهمة، وقادرة على التضحية من أجل مفهوم الخلاص الذي عثرت عليه يوماً ما في الكتب الدينية المقدسة، دون أي إدراك لما يحتويه هذا المصطلح «الخلاص» من مفردات ومعانٍ داخلية.

هل كان ذكاؤنا غائباً لدرجة أننا احتجنا لأن نسلم البلد كله للميليشيا، وأن يصل سعر الدولار إلى أكثر من 600، وإلى أن ندخل ملايين المواطنين في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأن يموت عشرات الآلاف، ويُعاق مئات الآلاف، ويجرح كذلك مئات الآلاف أو الملايين، ويهجر الملايين بين نازح داخلي وخارجي.

هل كان علينا أن نقترف هذه الخطيئة، وننقسم اجتماعياً على هذا النحو الخطير لنتأكد أن أولئك القادمين بالأسلحة من صعدة كانوا ميليشيا سيقودون البلاد إلى دمار واسع؟

هل كان علينا أن ندمر القوة الصاروخية والعسكرية للبلاد، ونصبح على هذا النحو من الشفقة، لنعرف مؤخراً أن جماعة الحوثي كانت ميليشيا، وأن نعتقد مؤخراً أننا وقعنا في الفخ؟

هل كان علينا أن ندفع كل هذه الآلام والتعاسة في الحاضر وإلى مستقبل ليس محدداً حتى الآن، ولا يمكن إدراكه زمنياً لنصل لقناعة أن دولة هشة وضعيفة ستبقى أفضل آلاف المرات من ميليشيا مسلحة، وأن نفكر ألف مرة قبل أن نقرر تحريك حجر النرد مرة ثانية.

هل كان علينا أن نفعل كل ذلك لنتأكد أنه من الصعب إدماج ميليشيا مسلحة ضمن العمل السياسي بعد أن نعطيها من المساحة السياسية والنفوذ الكافيين للإعراض عن كل فكرة ستجتزئ من مكانتهما الكاملة.

هل يُعقل أننا راهنا بكل شيء وغضضنا الطرف عن المخاطر لنصحو على هذا الواقع؟

نعم كان علينا أن نتلطخ في المأساة لنعرف ماذا يعني أن لا نراهن مرة أخرى على ميليشيا مهما كانت الظروف مأساوية، لأن الشعوب لا تتعلم بالأدلة والبراهين والمنطق، بل يلزمنا الدخول في تجارب مؤلمة لتبقى الآلام حية وقريبة من الذاكرة.

نقلا عن: عربي بوست