شهدت اليمن، في 2019م، تفشياً مخيفاً للأمراض والأوبئة، وهو العام الذي شرعت فيه دول الشرق الأوسط، بتنفيذ اتفاقية تحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول 2030م، والتزمت اليمن، نظرياً، بتنفيذها.
تحول اليمن إلى مستنقع للأمراض والأوبئة، والتي باتت تتهدد حياة اليمنيين، وسط تحذيرات دولية من تدهور الأوضاع الصحية في بلدِ أكثر من نصف مرَافقه الصحية لا تعمل، وثلثا السكان بحاجة لرعاية صحية، وفقاً لأحدث البيانات.
لا توجد إحصائيات دقيقة وشاملة لضحايا الأوبئة، في 2019م، وهو انعكاس للوضع العام الذي تعيشه البلد نتيجة الإنقلاب والحرب التي نتجت عنه والدائرة منذ أكثر من خمس سنوات.
أبرز الأوبئة التي انضمت الى الحرب في حصد أرواح اليمنيين كانت الكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا وانفلونزا الخنازير والحمى الفيروسية.
وفي هذا الحصاد، حاول "المصدر أونلاين" تتبُّع الإحصاءات المعلنة للوقوف على المشهد الصحي الكارثي في اليمن خلال عام كامل.
* الحصانة للكوليرا
عانى اليمن في 2019م من الانتشار الثالث لوباء الكوليرا، الذي يسبب إسهالاً حاداً يمكن أن يودي بحياة المريض خلال ساعات إذا لم يتلق الرعاية الصحية اللازمة، ويعتبر الأسوأ في التاريخ.
قالت الأمم المتحدة إن المرض ينتشر كالنار في الهشيم، ومن ضمن ضحاياه طبيب يمني يدعى "محمد عبدالمغني"، عمل في مكافحته بمركز مؤقت لعلاج حالات الإسهال في فناء مستشفى بصنعاء ومات وهو يواجه "الطاعون".
مطلع العام المنصرم، نشرت دراسة لباحثين في معهد "ويلكام سانجر" البريطاني ومعهد "باستور" الفرنسي، توصلوا فيها إلى أن سلالة الكوليرا التي تفشت في اليمن، جاءت من شرق أفريقيا، ويرجح أنها وصلت عن طريق المهاجرين.
والأخطر هو تطور مقاومة بكتيريا الكوليرا لعدد ست عائلات من المضادات الحيوية، بحسب تقرير رسمي صدر عن المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة بصنعاء، في أبريل الماضي.
التقرير الذي حصل عليه "المصدر اونلاين"، أوضح أن بكتيريا الكوليرا أصبحت خلال 2019م، مقاومة للمضادات الحيوية بشكل كامل، وهو ما اعتبره أطباء تطورا خطيرا حول مدى فعالية الأدوية في مكافحة الوباء.
وقال أطباء لـ"المصدر أونلاين"، إن استمرار التعامل مع الكوليرا بهذه الطريقة، سيزيد من مقاومتها، وربما تصبح مستقبلاً مقاومة لجميع المضادات الحيوية ما يعني كارثة قد تودي بعشرات الآلاف.
وانتشرت الكوليرا في اليمن أواخر 2016م، بعد توقف عمال النظافة عن رفع أكوام المحلفات من الشوارع احتجاجاً على عدم دفع سلطات الحوثيين رواتبهم.
بالإضافة إلى أن الجماعة منعت تدخل المنظمات الأممية لمكافحة الوباء.
ففي أبريل الماضي، قال تحقيق لوكالة "أسوشيتد برس"، إن الحوثيين عرقلوا توزيع لقاح الكوليرا في اليمن مما تسبب في تفشي الوباء، ولم تتمكن الأمم المتحدة من توزيعها إلا في مايو 2018م.
كان يمكن تجنب هذه الكارثة لو وزعت اللقاحات في وقت مبكر، لكن الحوثيين اشترطوا لتوزيعها أن تقدم لهم الأمم المتحدة، سيارات إسعاف ومعدات طبية، فقدمت لهم 45 سيارة إسعاف، أرسلوها إلى الجبهات لاستخدامها في القتال، حسب الوكالة الأمريكية.
وفي يناير الماضي، كشفت مصادر في صنعاء لـ"المصدر أونلاين" عن قيام نافذين حوثيين ببيع كمية من مادة (الكلور) مقدمة كمساعدة من منظمات دولية لمكافحة الكوليرا، بمبلغ 60 مليون ريال يمني.
* احصاءات
رصدت منظمة الصحة العالمية، 913 حالة وفاة بالكوليرا في اليمن، و696 ألفا و537 حالة يشتبه إصابتها بالوباء، منذ مطلع 2019م وحتى نهاية سبتمبر الماضي.
وقالت المنظمة، في تقرير لها، إن "الأطفال دون سن الخامسة يشكلون 25.5%، من إجمالي الحالات المشتبه بها، وأن 305 مديريات من أصل 333 مديرية في اليمن، تم الإبلاغ عن وجود الوباء فيها".
وبالنسبة لإحصاءات الحوثيين، فقد بلغ عدد المصابين بالمرض والمشتبه في إصابتهم، منذ مطلع العام المنصرم وحتى سبتمبر الماضي، (654747) شخصاً، وعدد الوفيات 872، بحسب وزارة الصحة في حكومة صنعاء (غير معترف بها).
وبحسب إحصاءات متفرقة صادرة عن مكاتب الصحة في المحافظات تصدرت ذمار وتعز عدد الوفيات خلال النصف الأول من العام، ومن ثم ريمة والمحويت.
جماعة الحوثيين، التي تنهمك في إدارة الحرب ضد الحكومة الشرعية وحليفتها السعودية لم تبدِ اكتراثاً لانتشار الكوليرا، ففي ذروة انتشار هذا الوباء الفتاك، اكتفت الجماعة بكتابة عبارات على الشوارع العامة نصها "الكوليرا هدية أمريكا للشعب اليمني"، واكتفت وزارة الصحة التابعة لها بإقامة دورات ثقافية طائفية للكادر الطبي، بحسب عاملين في القطاع الطبي.
• الضنك.. التحدي الكبير
كان الوباء الثاني القاتل في اليمن خلال 2019م، هو حمى الضنك، التي تنتقل إلى الإنسان عبر البعوض المتكاثر في المياه الراكدة، وهو مرض فيروسي.
يقول أطباء في اليمن إن المرض ينتشر وسط التجمعات المزدحمة بالسكان الذين شردتهم الحرب، وأصبحوا أكثر ضعفا وأقل مناعة، ويعيشون في ظروف غير صحية.
في نوفمبر الماضي، أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن قلقها إزاء ورود تقارير عن آلاف الإصابات بحمى الضنك في اليمن، وقال روبير مارديني، رئيس بعثة اللجنة الدولية، إن هناك تقارير عن إصابة أكثر من 3500 شخص.
وأضاف: "يعتقد أن 50 شخصا في مدينة الحديدة قضوا بهذا المرض بين أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر، وأكثر من ألفي شخص مصاب"، وتابع مارديني "إن السيطرة على هذا الوباء يشكل تحديا كبيرا".
وكان القسط الأكبر من حمى الضنك من نصيب محافظة تعز، التي انتشرت فيها بشكل كبير، وسط حصار حوثي جائر منذ سنوات على المدينة التي تفتقر إلى أبسط الإمكانات والمستلزمات الطبية.
فقد بلغ إجمالي عدد المصابين بحمى الضنك في تعز، منذ مطلع يناير وحتى نوفمبر الماضيين، 7990 شخصاً، توفي منهم 10 أشخاص، بحسب تيسير السامعي، نائب مدير إدارة الإعلام والتثقيف الصحي في مكتب الصحة بتعز.
وفي مارس الماضي، قال مصدر طبي إن 11 شخصوا توفوا في عدن بسبب حمى الضنك، وحاول "المصدر أونلاين" حينها التواصل مع المسئولين في وزارة الصحة للوقوف على هذا الوباء، فكانت النتيجة هي ترجيح مصدر طبي بأن الوزارة لا تملك معلومات.
ومطلع نوفمبر الماضي، قال عوض الرملي، منسق الترصد الوبائي في مكتب الصحة بمديرية الجوبة، التابعة لمحافظة مأرب، في تصريح لـ"المصدر أونلاين"، إنه تم تسجيل 486 حالة إصابة مشتبه بها بحمى الضنك في المديرية منذ مطلع 2019م.
وقال مصدر طبي في محافظة شبوة، في منتصف ديسمبر الماضي، في تصريح لـ"المصدر أونلاين"، إن عدد الوفيات بسبب حمى الضنك في مديرية بيحان ارتفع إلى 8 حالات، بينهم 3 أطفال، خلال أسبوعين.
وأشار إلى أن عدد الحالات التي رصدها مكتب الصحة بالمديرية خلال الثلاثة الأشهر الماضية، بلغت أكثر من 224 حالة مصابة بالضنك، وتم تأكيد 81 حالة منها عبر فحوصات في محافظة حضرموت.
ومطلع الشهر المنصرم، أعلنت السلطة المحلية بمديرية ناطع في محافظة البيضاء، حالة الطوارئ بعد تسجيل 30 إصابة بحمى الضنك وحالة وفاة واحدة خلال أسبوعين، بحسب تصريح مدير المديرية مسعد الصلاحي، لـ"المصدر أونلاين".
* الحوثي والضنك.. توأمان
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أعلنت السلطات الصحية، في منتصف نوفمبر الماضي، حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي حمى الضنك والملاريا في محافظات (الحديدة، حجة، ريمة، المحويت، تعز، إب، صعدة).
وقبل أيام، قدم مسئول حوثي عرضا لاجتماع رسمي، ونشر في وسائلهم الإعلامية، يؤكد أن حالات الاشتباه بحمى الضنك خلال 2019م، بلغت 65 ألفا و747 حالة توفيت منها 245 حالة، خلال الثلاثة الأشهر الماضية "أكتوبر ونوفمبر وديسمبر".
وكانت السلطات الصحية في محافظة الحديدة، قد أعلنت مؤخرا، عن وفاة 33 شخصاً بحمى الضنك وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين، منذ مطلع أكتوبر وحتى 18 نوفمبر الماضيين.
واللافت أن هذا الإعلان جاء متناقضاً مع تغريدة لمنظمة الصحة العالمية على حسابها في "تويتر"، في منتصف نوفمبر الماضي، قالت فيها إن حالة وفاة واحدة جراء حمى الضنك تم إثباتها في الحديدة منذ مطلع 2019م.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود، في أكتوبر الماضي، في بيان لها، عن ارتفاع عدد الحالات المشتبه بإصابتها بحمى الضنك في مدينة عبس بمحافظة حجة، حيث تم تسجيل 900 حالة خلال 6 أسابيع.
والمدهش فعلا، أن مليشيا الحوثي أغلقت، مؤخرا، مستشفى أطباء بلا حدود في مدينة عبس أمام المرضى المصابين بحمى الضنك، وأخلت المستشفى لجرحاها، بحسب مصادر محلية لـ"المصدر أونلاين".
* التضليل الحوثي
توالت الأوبئة والأمراض في 2019م، ومنها وباء (إنفلونزا الخنازير– H1N1)، الذي يصيب الجهاز التنفسي، وتزداد خطورته في موسم الشتاء، وهو فيروس سريع الانتشار.
ولم تنشر إحصاءات عن عدد ضحايا هذا الوباء في المناطق المحررة، باستثناء ما كشفه مكتب الصحة العامة في محافظة تعز، في بلاغ رسمي حديث، عن تسجيل 5 وفيات خلال الأسبوع الأول من الشهر المنصرم.
بينما حاولت جماعة الحوثي التضليل بنشر إحصائيات غير دقيقة عن ضحايا هذا الوباء، حيث قال مسئول حوثي في وزارة الصحة بصنعاء "يوسف الحاضري"، نهاية الشهر المنصرم، إن عدد حالات الوفاة بهذا الوباء فقط 42 حالة خلال الشهرين الماضيين، وأن ما ينشر "مبالغ فيه وتهويل أكثر من الواقع".
وخرج مصدر طبي في صنعاء يتهم الحوثيين بـ"التضليل والتقليل من خطورة الوباء الخطير"، وقال لـ"المصدر أونلاين" إن إحصائيات مكاتب الترصد الوبائي، تؤكد أن عدد الوفيات خلال أسبوع واحد من شهر ديسمبر المنصرم، 39 حالة وفاة في أمانة العاصمة وحدها.
وهناك إحصاءات حوثية تكذب رواية الحوثيين، ففي نهاية يناير من العام الماضي، أعلن مكتب الصحة بأمانة العاصمة، عن إصابة 107 أشخاص بأنفلونزا الخنازير توفى منهم 22 شخصاً خلال ذات الشهر.
وفي فبراير الماضي، أفاد سكان محليون في صعدة، معقل الحوثيين، بتوقف الدراسة في مدارس عدد من مديريات المحافظة إثر تفشي إنفلونزا الخنازير، وفق ما قال السكان لـ "المصدر أونلاين".
وقال مصدر طبي في محافظة إب، لـ"المصدر أونلاين"، إن السلطات الطبية سجلت خلال العام المنصرم 149 حالة اشتباه بوباء إنفلونزا الخنازير، توفي منها 48 حالة، وسط تخاذل سلطات الحوثيين.
وفي آخر يوم من أيام 2019م، اعترفت حكومة الحوثيين بصنعاء بذلك، حيث عقدت اجتماعا، وقالت إنها استمعت لتقرير من وزير صحتها "طه المتوكل"، أكد فيه تسجيل ألفين و371 حالة اشتباه بإنفلونزا الخنازير و134 حالة وفاة بسببه خلال أكتوبر وديسمبر الماضيين.
وقبل هذا الاجتماع بثلاثة أيام، كانت جماعة الحوثيين قد عقدت اجتماعاً ضم كبار مسئوليها، وقالت إن 94 شخصا توفوا بوباء (H1N1) وأن حالات الاشتباه بلغت ألفا و952 حالة خلال الثلاثة الأشهر الماضية "أكتوبر ونوفمبر وديسمبر".
وهذا التفاوت في الإحصائيات خلال أيام قليلة يؤكد أن جماعة الحوثيين ليست مهتمة بمكافحة الأوبئة، وتعتبرها فرصة لجلب المساعدات الخارجية والإستفادة منها.
* الاستغلال الحقير
تستغل جماعة الحوثيين الأوبئة لتحقيق مكاسب سياسية وتعاطف دولي ضد دول التحالف العربي، ويخرج المسئولون الحوثيون بين الحين والآخر بتصريحات صحفية تعتبر هذه الفيروسات "ضمن عمل عدائي ضد الشعب اليمني".
الأسبوع الماضي، قال القيادي الحوثي ضيف الله الشامي (وزير الإعلام في حكومة الحوثيين) إن "تزايد الأوبئة والأمراض مقارنة مع العام الماضي دليل واضح أن للأسلحة الجرثومية والغازية على المحافظات دور كبير في انتشارها".
أمعنت جماعة الحوثيين في استخدام الأوبئة إلى درجة أنها استخدمت مرض "السل"، كنوع من التعذيب الجسدي للمخطوفين والمخفيين قسراً في سجونها.
وينتشر مرض السل بشكل كبير في سجون مليشيا الحوثي في محافظة ذمار، حيث سجلت عدد من الحالات، بحسب تصريح أدلت به أمة السلام الحاج، رئيس رابطة أمهات المختطفين والمخفيين، في وقت سابق، لـ"المصدر أونلاين".
* فيروسات جديدة
لم يرحل 2019م، من اليمن إلا بعد تسجيل ظهور فيروسات لم تعرفها البلد من قبل، مثل فيروس "غرب النيل"، الذي ينتقل عن طريق لدغات البعوض، وقد يتسبب بمرض عصبي.
ففي ديسمبر المنصرم، رصدت أكثر من 300 حالة يشتبه بإصابتها بهذا الفيروس في تعز، بينها 24 حالة مؤكدة مخبريا، بحسب تيسير السامعي، نائب مدير إدارة الإعلام والتثقيف الصحي بمكتب الصحة في المحافظة.
وإلى جانب هذه الفيروسات والأوبئة، فقد تفشى مرض الدفتيريا في اليمن بإصابة 1600 مواطن يمني، ووفاة 95 آخرين منذ بداية 2019 وحتى 27 أكتوبر الماضي، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن هناك قرابة 15 ألف طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد، وحذرت من مخاطر المزيد من تدهور الوضع الصحي.
وأعلنت منظمة "اليونيسيف"، في يونيو الماضي، أن امرأة وستة مواليد يموتون كل ساعتين في اليمن بسبب مضاعفات الحمل أو الولادة، وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن 7 من كل 10 يمنيين لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية.
وأكدت مصادر محلية لـ"المصدر أونلاين"، وفاة 5 مواطنين بوباء الحمى الفيروسية، الأسبوع الماضي، في مديرية شرعب السلام بتعز، وغيرها من الوفيات التي لم تشمها الإحصاءات بفعل انهيار المؤسسات الصحية.
ورغم هذا الوضع المأساوي والكارثي، قررت جماعة الحوثيين مؤخرا، فرض 4% ضريبة جديدة على العمليات الجراحية في المستشفيات الخاصة، وكأن هذه الأمراض والأوبئة لم تشف غليلها من اليمنيين.