سامي عبد العالم- المشاهد
بعد توقف الهجمات الحوثية بصواريخ باليستية، منذ سبتمبر 2019، عاودت الجماعة استهداف المملكة العربية السعودية، نهاية ديسمبر الماضي.
وأعلن المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، أن جماعته استهدفت معسكراً في نجران بالسعودية، بصاروخ “بدر 1”.
وجاء القصف بعد يوم واحد من لقاء لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، في مسقط، مع عبدالسلام، سبقه لقاء وزير الدفاع الإيراني، في طهران، مع ممثل جماعة الحوثي الذي اعتمدته إيران سفيراً لليمن لديها، بشكل مخالف للأعراف والمواثيق الدولية.
متغيرات إقليمية
لم يعد الحوثيون وإيران على يقين أنهم لازالوا المتحكمين بخيوط اللعبة في المنطقة، فالأرض تميد تحت أقدام النفوذ الإيراني في العراق ولبنان؛ أهم بلدين اعتبرا لسنوات تحت عباءة خامنئي. وكان هذا أبلغ تعبير عن قلق النظام الإيراني مع اندلاع تظاهرات في المدن الإيرانية، إذ صرح أحد قادتها: “إيران ليست العراق أو لبنان”.
ودخل الحوثيون في حالة ارتياب مع تراجع الثقة بثقل النظام الإيراني في المنطقة، على وقع الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان، وتفاقم الصراع الدولي مع إيران.
ولا يستطيع كبار مسؤولي جماعة الحوثيين، السيطرة على تصريحاتهم التي تظهرهم في عجلة من أمرهم، يلهثون وراء اتفاق مع السعودية، يأملون أن يمنحهم صفة شرعية ومكاسب كبيرة يتطلعون إليها، على رأسها إنهاء التحالف ورفع الحصار عن السواحل والأجواء.
ووسط استعجالهم، أعلنت البحرية الأمريكية القبض على قارب كان على متنه أسلحة إيرانية مهربة في طريقها للحوثيين.
هجوم “أرامكو” يفوق مقدرة الحوثيين
في أحدث تقرير لها قالت الأمم المتحدة إن الهجمات على ارامكو السعودية تمت بأسلحة تفوق مقدرة الحوثيين، وألمحت إلى احتمال تورط طرف ثالث ليس إيران. الأمريكيون في آخر المعلومات الصادرة عنهم، رجحوا الأهواز في إيران، كقاعدة استهداف انطلقت منها الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت “أرامكو”, بتدبير وتنفيذ من النظام الإيراني.
وهناك تغير لمواقف دول مثل ألمانيا وفرنسا، تجاه إيران وحزب الله، وحتى روسيا اتخذت مؤخراً موقفاً غير مؤيد للتحركات الإيرانية نحو رفع تخصيب اليورانيوم.
تحت تأثير شعور متزايد لدى الحوثيين أنهم باتوا عرضة للتلاعب بهم على خلفية ضعف النفوذ الإيراني في المنطقة، عادت جماعة الحوثي لتهديد السعودية ودول خليجية باستهدافها بأسلحة متطورة، مطالبة الرياض بإنهاء التحالف ورفع الحصار الجوي والبحري والبري.
يتغير جوهر التعامل الدولي مع إيران، بعد القصف الذي استهدف منشآت “أرامكو”، وبات ما بعده شأناً دولياً بامتياز، فقد اعتبر أقوى تهديد للتجارة الدولية والأمن النفطي العالمي.
ودون رغبة بإعلان أي تغيير في سياسات دول كبرى تجاه طهران، هناك توجه يمكن تلمسه، يهدف لوضع النظام الإيراني في كماشة على طريق التخلص منه، وتحجيم نفوذه في المنطقة.
وتحت تأثير شعور متزايد لدى الحوثيين أنهم باتوا عرضة للتلاعب بهم على خلفية ضعف النفوذ الإيراني في المنطقة، عادت جماعة الحوثي لتهديد السعودية ودول خليجية باستهدافها بأسلحة متطورة، مطالبة الرياض بإنهاء التحالف ورفع الحصار الجوي والبحري والبري.
غير أن دول مجلس التعاون الخليجي أكدت من جديد، في قمة بالرياض، على المرجعيات الثلاث، وأبرزها القرار الدولي 2216، الذي ينص على إنهاء انقلاب الحوثيين كأساس للحل في اليمن.
استمرار تهديد الحوثيين للملاحة الدولية
لبت إيران أخيراً مطلباً قديماً لجماعة الحوثيين، فقد اعترفت بهم رسمياً، بعد تردد طويل، وسلمت لهم مقار البعثة الدبلوماسية لليمن في طهران.
جاء ذلك مع إعلان واشنطن ولندن سعيهما لإقناع جماعة الحوثيين بالتخلي عن إيران.
وجاء الإعلان من طهران، وعبر رئيس البرلمان، عن ضرورة المشاورات بين السعودية وجماعة الحوثيين، من أجل التهدئة في اليمن.
لكن التهدئة على الحدود السعودية – اليمنية لم تصمد طويلاً، حيث تشهد تصعيداً عسكرياً بصورة متكررة يومياً.
وشنت جماعة الحوثي، في ديسمبر الماضي، قصفاً استهدف مستشفى أاعياناً مدنية في جيزان بالمملكة، وقبل ذلك نفذت عملية قرصنة في البحر الأحمر، قبالة سواحل الحديدة، استهدفت سفينة كورية جنوبية و”لانش” سعودياً كان يقطر سفينة جانحة في المياه الإقليمية لليمن. وتوالت أعمال التصعيد طيلة فترة التهدئة الاختبارية.
وقال قائد قوات تحالف دعم الحكومة في اليمن، فهد بن تركي، إن جماعة الحوثيين أداة إيرانية صرفة.
واستأنفت جماعة الحوثي إطلاق صاروخ باليستي على السعودية في الـ27 من ديسمبر الماضي، والذي قد يكون نهاية التهدئة بين الطرفين.
وشككت الصحافة الأمريكية بإمكانية زوال خطر الحوثيين وإيران، وتهديداتهما للملاحة الدولية، حتى في حال إنهاء الحرب باليمن.
ويبدو أن المجتمع الدولي سيصل إلى حالة يأس تجاه الحوثيين، ففي نهاية ديسمبر الماضي أمرت السويد وسويسرا كل مواطنيها العاملين في البعثة الأممية بالحديدة، ولدى المنظمات الدولية بمغادرة اليمن، مع اتساع التنسيق الدولي ضد إيران، والتحركات العسكرية البحرية في المنطقة.
نسخة ثانية من حزب الله في اليمن
على الرغم مما أشار إليه تقرير الأمم المتحدة حول احتمال وجود طرف ثالث غير إيران وراء هجمات “أرامكو”، تدرك السعودية خطورة تثبيت الحوثيين، وهم النسخة الإيرانية المكررة من حزب الله، في شمال اليمن، على حدود المملكة.
ما تطلبه جماعة الحوثي وإيران من السعودية، يعني بالضبط قبول الرياض بتثبيت نموذج آخر من حزب الله في اليمن، في خاصرة المملكة، وعلى حدودها، ومنح الحوثيين الشرعية والاعتراف، وهو ما يعني تثبيت النفوذ الإيراني.
فيما يطمح الحوثيون لنيل اعتراف سعودي وإنهاء التحالف رسمياً.
ويريد الحوثيون التوصل بأسرع وقت إلى تفاهمات مع الرياض، تعجل بإضفاء شرعية على انقلابهم وتحقيق مطالبهم، أبرزها رفع الحصار الجوي والبحري والبري، وهو ما يعني إنهاء التحالف كلياً.
ولعل تهديدات وزير دفاع جماعة الحوثي، في مطلع ديسمبر الماضي، باستهداف السعودية ودول المنطقة بأسلحة حديثة، شاهد على تعثرات تواجه الحوثيين وطموحهم لنيل الاعتراف وتكريس وجودهم على غرار حزب الله في لبنان.
وقد بات مفهوماً أن تهديدات الحوثيين تصدر بلسان إيران، وترجمة لسياسة وأهداف طهران.
ما تطلبه جماعة الحوثي وإيران من السعودية، يعني بالضبط قبول الرياض بتثبيت نموذج آخر من حزب الله في اليمن، في خاصرة المملكة، وعلى حدودها، ومنح الحوثيين الشرعية والاعتراف، وهو ما يعني تثبيت النفوذ الإيراني.
ومعلوم أن إضفاء أية شرعية على انقلاب الحوثيين، يتيح لهم بالتالي مقدرة أكبر على مهاجمة السعودية وتهديد الأمن الإقليمي بصورة أكبر مما هو عليه الوضع في حالتهم كجماعة انقلابية غير معترف بها.
ويندفع الحوثيون في مناوراتهم بين التهديد والترجي، على إيقاع مخاوف مستجدة لديهم من انحسار هيبة النظام الإيراني، وتراجع نفوذ طهران في المنطقة، مما سيلقي بتبعات على وضع الحوثيين في اليمن.
كما تحركهم مخاوف جديدة من اندلاع تظاهرات شعبية في صنعاء ومناطق سيطرتهم، ضد النفوذ الإيراني، على غرار لبنان والعراق، دفعتهم إلى عملية خلط أوراق متعددة، أبرزها إشعالهم حرباً حول العملة الوطنية.
تحرك دولي مقلق للنظام الإيراني
تشهد المنطقة تحركاً دولياً عسكرياً وسياسياً، ومزيداً من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني، الذي بات أكثر قلقاً مما مضى.
ولمواجهة مخاوفها، يكثر قادة الحرس الثوري الإيراني من إطلاق تهديدات للعالم برمته، وهم يقولون إن إيران باتت قوة لا تستطيع أي جيوش في العالم قهرها.
وتبدو النغمة الإيرانية مفرطة في الغطرسة، وتغضب كثيرين، بمن فيهم حلفاء لإيران، كروسيا التي سبق لها أن قالت إن إيران تصنع صواريخ باليستية، لكنها غير دقيقة.
تأمل طهران من وراء التهدئة مع السعودية في اليمن، تخفيف الضغوط الدولية عليها، وحماية الحوثيين الموالين لها، ومحاولة الوصول لمكسب سياسي يلغي الصفة الانقلابية عن الحوثيين، ويجعلهم أهم جزء في اتفاق سياسي في اليمن، على غرار حزب الله في لبنان.
وواصلت إيران الإعلان عن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، إلى حد أن روسيا أوقفت عملها في إحدى المنشآت الإيرانية النووية، اعتراضاً على موقف طهران القلقة.
القلق الإيراني من وجود تحركات دولية وتفاهمات مناوئة لها، هو ما دفع إيران لإبداء مرونة غير حقيقية للتهدئة مع السعودية، سرعان ما انكشفت بمعاودة جماعة الحوثي استهداف السعودية بالصواريخ الباليستية.
وكان رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، قال في ديسمبر الماضي، خلال زيارته لسلطنة عمان، إن التهدئة في اليمن ضرورة، وإن الملف اليمني يشهد تقدماً.
تأمل طهران من وراء التهدئة مع السعودية في اليمن، تخفيف الضغوط الدولية عليها، وحماية الحوثيين الموالين لها، ومحاولة الوصول لمكسب سياسي يلغي الصفة الانقلابية عن الحوثيين، ويجعلهم أهم جزء في اتفاق سياسي في اليمن، على غرار حزب الله في لبنان.
كما أن أي استئناف جاد للعمليات العسكرية والضربات الجوية في اليمن ضد الحوثيين، في هذه الفترة الحرجة، ينطوي على خطورة سقوط وانهيار جماعة الحوثي بالكامل. وليس من مصلحة إيران حالياً أي تهديد أو إضعاف لذراعها في اليمن، يمكن أن يؤجج ثورتي العراق ولبنان. تصعيدها الراهن ضد السعودية انطلاقاً من الأراضي اليمنية، محاولة للضغط لإثناء السعودية عن دعم تظاهرات العراق ولبنان، بحسب تصور النظام الإيراني. كما تأمل طهران أن تتمكن أذرعها المسلحة في العراق ولبنان، وعبر اللعب على الوقت، من إفشال الانتفاضات الشعبية هناك باستخدام القمع والقوة المميتة. وإذا ما شعرت طهران أن سياستها تؤتي ثمارها في لبنان والعراق، متوقع عودة استهدافها للملاحة الدولية والسعودية مجدداً.
من الرابح؟
أية تهدئة بين السعودية والحوثيين، لا تتضمن مكاسب حقيقية ومضمونة للسعودية، في وقت باتت مخاوف النظام الإيراني أكبر.
وبالنسبة لوقف استهداف السعودية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، يظل أمراً مؤقتاً، ويمكن استئناف الاستهداف الإيراني الحوثي للسعودية في أية لحظة، إذ لايزال الغضب الدولي قائماً تجاه الاستهداف السابق الذي مثل تهديداً للاقتصاد العالمي برمته، ودفع إلى تحركات دولية عسكرية وسياسية غير مسبوقة، لتقويض نظام إيران، وتحجيم نفوذها فيالمنطقة.
كما أن تحركات دولية وأوروبية جديدة، بدأت، نحو تحجيم أذرع إيران، وعلى رأسها حزب الله.
ويبقى خطر النفوذ الإيراني عبر الحوثيين، قائماً في البحر الأحمر، وتهديداً للأمن الإقليمي والدولي والملاحة.
ولكن ليست المشاورات مع جماعة الحوثيين الموالية لإيران، أو القبول بتثبيتهم، هي الوسيلة المثلى لمواجهة هذا الخطر، إذ إن ذلك سيشجع الحوثيين وإيران على التمادي أكثر فيما إذا تم تمكينهم من شرعنة ما قامت به جماعة الحوثي.