شهد العام الماضي 2019 تطوراً بارزاً في العلاقة بين إيران وجماعة الحوثيين تمثل باعتراف طهران بالحوثيين سلطة شرعية في اليمن والقبول بتعيين سفير لهم هناك، في خطوة يعتقد محللون أنها تعكس متانة التحالف بينهما، وصعوبة نجاح أي محاولة لفصل الحوثيين عن حليفهم الإقليمي في المدى البعيد.
عام التطور في العلاقة
مثّل الاعتراف الإيراني بالحوثيين سلطة شرعية في صنعاء واعتماد إبراهيم الديلمي سفيراً لهم في طهران ذروة تطور العلاقة في العام الماضي، وكان من مظاهر ذلك أيضاً أن العاصمة الإيرانية تحوّلت إلى قبلة شبه دائمة لوفدهم الذي يتخذ من العاصمة العمانية مقراً له، والذي تردد على زيارتها أكثر من أي عام آخر، بجانب شخصيات أخرى من الداخل والتي كانت تذهب إلى هناك في إطار التنسيق وتبادل الرسائل وبحث أمور مختلفة.
وفي المقابل، تفاخر المسؤولون الإيرانيون بدعمهم للحوثيين وكثفوا من تصريحاتهم بشأن اليمن، وكانت مجمل تلك المواقف تؤكد على أمر واحد وهو دعوة السعودية لوقف الحرب وربط أمنها بذلك، مع تحميلها تداعياتها الإنسانية والدمار إلى جانب الدول الغربية الكبرى التي تدعمها وتبيع لها الأسلحة وفي مقدمتها أالولايات المتحدة.
كانت إيران تصعّد باتجاه حلفاء أمريكا في الخليج وأولهم السعودية التي تعرضت لهجمات صاروخية وعبر طائرات مسّيرة استهدفت منشآتها الاقتصادية وخاصة الهجوم على معمل شركة أرامكو النفطية، بمحافظة بقيق، الذي تبناه الحوثيون رغم أن التحقيقات الأمريكية وجهت أصابع الاتهام لإيران، ليقرأ محللون في إعلانهم استجابة لطلب إيراني يجنبها المسؤولية.
وفي هذا السياق، تقول الصحافية والمحللة في الشؤون اليمنية، هانا حنا، ومقرها واشنطن HANNAH PORTER ، (JOURNALIST AND YEMEN ANALYST IN WASHINGTON, D.C) في تصريحات خاصة لـ"المصدر أونلاين" إن "العام الماضي شهد الكثير من التطورات المهمة في العلاقات بين الحوثيين وإيران وفي الصراع بشكل عام" لكنها في نفس الوقت تعتقد أن "العلاقة بين الطرفين في نقطة التحول الآن. يبدو أن الحرب ذات البعد الخارجي في اليمن قد تنتهي قريبا، والمفاوضات بين الحوثيين والسعوديين مستمرة".
من جانبه يؤكد الكاتب والباحث في الشؤون الخليجية والإيرانية، عدنان هاشم، أن مظاهر تطور العلاقة يمكن رؤيتها في "التنسيق العالي بين الطرفين بشأن الضربات الجوية التي استهدفت السعودية، وعلى المستوى الدبلوماسي والسياسي اعترفت إيران بالحوثيين للمرة الأولى بقبول تعيين سفير في طهران".
لكن ماذا تريد إيران من الحوثيين وماذا يريدون منها؟ يجيب هاشم في تصريحات خاصة لـ"المصدر أونلاين" "إيران ترى في الحوثيين أقل تكلفة وأكثر تأثيراً في عدوها التقليدي السعودية. وخلال العام الماضي أظهر مجدداً أنها تستخدمهم كأداة لمهاجمة الرياض دون أن تتحمل اللوم والمسؤولية".
أما الحوثيون فيعتبرونها برأيه "مصدراً مهماً للحصول على تكنولوجيا سلاح نوعية، كما أن الارتباطات الفكرية والالتزامات السياسية -وربما العسكرية- ضمن محور المقاومة التابع لإيران يدعم الحوثيين من أجل البقاء والحصول على المشورة العسكرية والسياسية إضافة إلى الدعم المادي".
وعلى العكس من ذلك، تقول هانا "أولا، أعتقد أن اليمن ليس مهماً جداً لإيران مثل العراق أو سوريا أو لبنان، فلو فقدت إيران اليمن فهذا ليس كارثة بالنسبة لها. ثانيا أقول - وأنا لست متأكدة من هذا- قد نرى انقساماً داخلهم حول مسألة إيران. يبدو أنه يوجد فيهم أكثر من طرف، فبعضهم يفضلون التفاوض مع السعودية والبعض الآخر يفضل البقاء مع إيران وهذا سيسبب مشاكل كثيرة للجماعة، لكن من الصعب أن نعرف ذلك في الوقت الراهن".
وتربط المحللة الأمريكية الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه طهران للحوثيين بكونهم يشكلون خطرا على السعودية، لكن في حال زال هذا التهديد بتوقيعهم اتفاقا مع المملكة فلم يعد هناك حافز لتقديم هذا الدعم، حسب قولها.
من جانبه، يرى د. محجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، والخبير بتاريخ الشرق الأوسط المعاصر وايران، أن طهران "تحاول فرض قواعد للعبة في اليمن للرد على السعودية بعد عاصفة الحزم. هذه القواعد تعتمد على تعزيز الاعتراف بالحوثي. وجعله ينفتح على الحوار مع كل القوى والدول بما فيها أميركا".
ويضيف في تصريحات خاصة لـ"المصدر أونلاين" "هذا الأمر وفق إيران سيدفع إلى اعتراف تدريجي بالحوثي كحقيقة لا سيما مع التدمير الذي تم للقوى السياسية الأخرى ومع تجميد مشروع الدول ككل في الرياض. هي تبني موقفها مع الحوثي وفق تطورات الأحداث ومواقف اللاعبين. لذلك تركز على أن تكون علاقة الحوثيين مع عُمان جيدة وتدفعهم لمراعاة هذه العلاقة ومحاولة البناء عليها".
يعتقد الأكاديمي الزويري أن "الاستراتيجية النهائية لإيران تسعى لأن ترى الحوثيين في موقع الصدارة في المشهد السياسي اليمني لكن هذا المشهد لم يتشكل بعد بل أنه آخذ بالتشكل وكل طرف يسعى لوضع حقائق على الأرض".
ويتابع "المشكلة أن هذا المشروع يواجه تحدياً كبيراً وهو أن الحوثيين عائلة وأن التيار الأقرب لها هو مكون داخل هذه العائلة، لذلك تسعى للخروج من ذلك عبر استخدام تسمية أنصار الله بدلاً من الحوثيين وتقديمهم على الأقل داخل إيران وفي محادثاتها مع الأطراف المختلفة باسم أنصار الله. هذا له علاقة بخلق صورة عن الحوثي أن له عُمقاً اجتماعياً وهوية عابرة للمذهب داخل اليمن وأنه مُمثِل لمعظم اليمنيين".
وبالنسبة للحوثي فهو "يحاول إعادة التموضع داخل المشهد السياسي اليمني بطريقة جديدة لتقديم نفسه تيار سياسي يمني والابتعاد تكتيكيًا عن إيران. وما دفعه لهذه الاستراتيجية هو الحوارات مع دول متعددة إقليمياً ودولياً" كما يقول زويري.
على أن هذه المحاولة تواجه تحدياً يتمثل "في تطور التوتر في اليمن إلى مرحلة الحديث عن مستقبل البلد هل سيكون دولة واحدة أم لا. هذا التحدي يزيد الضغوط على الحوثي ويحرمه من مصادر الثروة وهذا ما لم يكن في الحسبان كما أنه لا يستطيع إيقافه. في هذا السياق ظهر له عدم وجود تصور إيراني أو خطة عمل عن كيفية التعامل مع هذا التغير".
ولدى سؤال هانا عن توقعاتها بشأن محاولة السعودية إبعاد الحوثيين عن إيران، تقول "أعتقد أن الحوثيين يسعون للعلاقة مع السعودية. هم يدركون أن تواجدهم في السلطة (بعد انتهاء الحرب) غير ممكن بدون موافقة الرياض. لذلك، نرى أنهم دائما يلومون أمريكا وإسرائيل (وليس السعودية) في أغلبية المشاكل باليمن".
أما زويري فيقول إن هذه المحاولة "لم تنجح ولن تنجح على المدى البعيد وهذا له علاقة بضحالة التجربة السياسية ككل عند الحوثيين".
بدوره، يقول هاشم إن "من الصعب إيجاد أداة يمكن من خلالها قياس مدى ارتباط الحوثيين بإيران، وإذا ما افترضنا أن علاقة الحوثيين بإيران قبل 2014 5% فإن هذه العلاقة تضاعفت عدة مرات خلال الحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين. طهران تمثل عائقاً أمم الحل السياسي وتقارب الحوثيين مع الرياض".
تسلسل زمني للزيارات والتصريحات
أغسطس، زار الناطق باسم الحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي، محمد عبدالسلام طهران وألتقى المرشد الإيراني علي خامنئي الذي كسر بروتوكولاته الخاصة باستقبال الزائرين. وصفت تلك الزيارة بالأكثر أهمية، حيث نقل الوفد الزائر رسالة من زعيمهم عبدالملك الحوثي للمرشد ومضمونها تجديد البيعة له والتي أداها قبل سنوات، بحسب رجل الدين الإيراني المقرب من بيت المرشد كميل باقر زاده. وقال ناطق الحوثيين للمرشد "إننا نعتبر ولايتكم امتداداً لخط نبي الإسلام (ص)، وولاية أمير المؤمنين (ع)".
أغسطس، أعلنت الخارجية الإيرانية أنها نظمت اجتماعًا ثلاثيًا ضم وفد الحوثيين وسفراء أربع دول أوروبية، هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا إضافة إلى الحكومة الإيرانية.
في سبتمبر، أكد رئيس هيئة الأركان للجيش الإيراني اللواء محمد باقري في حوار مع قناة "فينكس الصينية" أن الحرس الثوري يقدم الدعم الاستشاري لمن سمّاه "الجيش اليمني" في إشارة إلى قوات الحوثيين.
أكتوبر، ذكرت قناة العالم أن الناطق باسم الحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي، محمد عبدالسلام زار طهران والتقى المرشد الإيراني علي خامنئي ووزير الخارجية، محمد جواد ظريف، لبحث القضايا المشتركة.
فبراير، أكد أمين لجنة حقوق الإنسان بالسلطة القضائية، محمد جواد لاريجاني، أن إيران تفتخر بدعم "الشعب اليمني" حتى عسكرياً، واستخدام عبارة الشعب هي السائدة غالباً في تصريحات الإيرانيين والمقصود بها الحوثيين، ويتم اللجوء لها للتهرب من اتهامات التدخل في الصراع ودعم طرف رئيسي فيه.
نوفمبر: إيران توافق على تعيين إبراهيم الديلمي، سفيراً ومفوضاً للحوثيين في طهران، واعتبرتهم السلطة الشرعية في اليمن.
ديسمبر، اعتبر رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، أن "اليمن قضية إيران الكبرى".
ديسمبر وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي يلتقي الديلمي، ويتحدث عن "ضرورة تعزيز وتمتين العلاقة بين الجيشين الإيراني واليمني (مسلحي الحوثي).
تاريخ العلاقة ومراحلها
ترجع العديد من المصادر التاريخية العلاقة، إلى تسعينات القرن الماضي، عندما زار حسين بدر الدين الحوثي أبرز مؤسسي الجماعة لطهران بمفرده أو مع والده، وتدريجياً بدأ التأثير الإيراني يظهر على حسين الحوثي برفع شعار الثورة الإيرانية لأول مره في مسجد الإمام الهادي بمحافظة صعدة شمالي البلاد، وبهذا انتقل لمرحلة الاقتراب أكثر من إيران مذهباً وفكراً.
في غضون ذلك كانت إيران تسعى لهذا التوجه وتعززه بمزيد من استقطاب الشخصيات الزيدية وتخصيص المنح الدراسية للطلاب اليمنيين لدراسة الشريعة الإسلامية في حوزاتها مثل "قُم" وبعد إكمال تعليمهم يعودون لنقل ما درسوه وتشجيع غيرهم، وبعضهم اختار البقاء هناك حتى صار مدرساً في الحوزة مثل عصام علي العماد.
في 23 يناير 2013، انتقلت العلاقة إلى مرحلة متقدمة، بعدما أعلنت الداخلية اليمنية ضبط سفينة إيرانية تحمل اسم "جيهان 1" محملة بـ48 طناً من الأسلحة والقذائف والمتفجرات كانت في طريقها إلى ميناء ميدي الذي كان تحت سيطرة الحوثيين.
ومع سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، كانت العلاقة أكثر قوة وعلانية، ويكفي الإشارة إلى تصريحات مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، الذي قال إن صنعاء "أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي التحقت بالثورة الإيرانية".
وفي منتصف مارس 2015 قام وفد حوثي برئاسة صالح الصماد، بزيارة طهران والتوقيع على عدة اتفاقيات منها تسيير 28 رحلة جوية بين صنعاء وطهران أسبوعياً، وتطوير وتوسعة ميناء الحديدة.
وفي نفس الشهر، أعلنت إيران أن قوة خاصة من وزارة الأمن الإيرانية تمكنت من تنفيذ عمليات معقدة وشاقة في منطقة صعبة باليمن أسفرت عن تحرير الدبلوماسي المختطف نور نكبخت. وحاول الحوثيون النفي لتجنب الإحراج قائلين إن العملية تمت خارج اليمن، لكن هذه العملية أعطت رسالة بأنهم مستعدين للسماح للإيرانيين لفعل ما يريدون رغم أنه لم يمض على سيطرتهم سوى بضعة أشهر.
وبعد تدخل التحالف العربي يوم 26 مارس 2015، أصبحت العلاقة أقوى وزاد الدعم الإيراني سواءً من حيث السلاح والتكنولوجيا المتطورة لتطوير مديات الصواريخ والطائرات المسيرة أو القوارب بلا ربان، أو المستشارين العسكريين والدعم المالي والسياسي والإعلامي.
المصدر أونلاين