بعد تحرير المناطق الجنوبية أصبح الجنوبيون على قلب رجل واحد ضدّ المدّ الحوثي، واستبشر المواطنون بعودة الدولة إلى عدن، باعتبارها عاصمة البلاد الجديدة، لكن حرب الإرهاب حالت دون ذلك لسنوات، بسبب وفرة السلاح بفعل الحرب السابقة، التي جعلت الأسلحة بجميع أنواعها في متناول الجميع، فاستغلّت الجماعات الإرهابية الانفلات الأمني الموجود، ووسّعت نفوذها، واستقطبت مؤيدين لأفكارها، ودارت حرب أخرى ضد الإرهابيين، أطالت من مدة اغتراب الحكومة في الرياض.
خلال هذه الفترة صدرت توجيهات رئاسية باستيعاب المقاومة الجنوبية ضمن إطار الجيش المنظم، وفتحت المعسكرات أبوابها للتسجيل، واستبشر المواطنون بعودة الدولة من جديد، وتسرّبت ضمن تلك التشكيلات العسكرية قوة أمنية جديدة لا تخضع للقيادة الشرعية اليمنية تحت مسمى «ألوية الدعم والإسناد»، وسُميت فيما بعد بقوات الحزام الأمني، أو النخب الأمنية، ورغم أنها شُكلت بقرار رئاسي وغُلفت بغلاف شرعي في بادئ الأمر فإنها سرعان ما خرجت عن إطار الشرعية، وذلك برعاية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تكفَّلت بدعم هذه الأحزمة والنخب من جميع الاتجاهات، وكان دعمها لا محدوداً، يصل إلى أضعاف دعم الحكومة اليمنية للقوات النظامية الاعتيادية.
ظلّ التعاون مشتركاً بين القوات النظامية الخاضعة لوزارتي الجيش والأمن مع الأحزمة الأمنية، وخاضوا حرباً شرسة ضد الإرهاب في المناطق المحررة، وكوفئت القيادات الجنوبية التي شاركت في حرب الحوثيين والإرهاب بمناصب رفيعة في السلك العسكري والمدني، وظلت القضية الجنوبية لا يعرف منها إلا العلم الجنوبي الذي يرفرف على أسطح العربات العسكرية وبعض المرافق الحكومية، في ظل صمت مطبق من قبل معظم القيادات الجنوبية، المنخرطة في إطار الشرعية اليمنية، لعلمهم أن التحالف العربي جاء مشروطاً باستعادة الدولة المختطفة وفق المرجعيات الثلاث، وهي قرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وكذلك مخرجات الحوار الوطني الشامل.
اعتبر القيادي الجنوبي أبومشعل الكازمي الذي تقلّد منصب مدير أمن محافظة أبين مؤخراً أول مَن تصدى لقوات الحزام الأمني المشكّلة منذ نشأتها الأولى، حيث انتقد دور الإمارات في المناطق المحررة، وانخرطت بعده قيادات أخرى تنتقد سياسة الإمارات، وتلقوا جميعاً هجوماً شرساً من قبل حلفاء الإمارات.
في الإطار المدني كان محافظ عدن الأسبق الدكتور عبدالعزيز المفلحي أول من انتقد قوات الحزام الأمني، حيث ظل عاجزاً عن إدارة أعماله، ورفض الوصاية الإماراتية على البلاد بكل وضوح، ووصفها بالميليشيات، وحارب الفساد حتى في إطار الحكومة نفسها، إلى أن قدّم استقالته لعرقلة أعماله من قبل معارضيه.
حاربت الحكومة اليمنية بكل ما أمكن القوات التي لا تخضع لسيطرتها، وكان جزء منها ولاؤه للإمارات، منهم وزير الدولة الشيخ هاني بن بريك، ومحافظ عدن الأسبق اللواء عيدروس الزبيدي، وكذلك محافظا حضرموت وشبوة اللواء أحمد سعيد بن بريك، والأستاذ أحمد حامد لملس، وكانت هذه الأسماء تتهم حزب الإصلاح بالسيطرة على الحكومة، وتحرض الشعب على إسقاطها ليل نهار، علماً أن الحكومة كانت في تلك الفترة تلقي تهمة التقصير بالواجبات على الإدارة المحلية الموالية للإمارات، وقواتها، في حين تتهم الإدارة المحلية الحكومة وتحملها مسؤولية تردي الخدمات كاملة، وعاش المواطنون دوامة تراشق الاتهامات بين الحكومة والإدارة المحلية، حتى صدرت قرارات رئاسية بإقالة المحافظين الثلاثة الموالين للإمارات مع الشيخ هاني بن بريك، الذي كان وزير الدولة، وكانت ضربة قاسية وجهها هادي للموالين لدولة الإمارات.
كوّن المقالون المجلسَ الانتقالي الجنوبي، وترأسهم اللواء عيدروس الزبيدي، وينوب عنه الشيخ هاني بن بريك، وتقاسم بقية المقالين المقاعدَ في الكيان الجديد، وأُسس ككيان موازٍ للحكومة الشرعية، ينضوي تحت لوائه جمعية عمومية ودوائر مختلفة، وتخضع تحت سيطرته جميع قوات الأحزمة الأمنية في محافظات عدن وأبين ولحج، مع النخبة الحضرمية والشبوانية، حتى أصبح كياناً سياسياً متكاملاً ينضوي تحته ذراع عسكري مكتمل الأركان.
ادعت قيادات المجلس الانتقالي منذ التأسيس حمل القضية الجنوبية التي تنصلوا منها فترة بقائهم مع الحكومة الشرعية، ووصفوا أنفسهم بالحامل الشرعي والوحيد للقضية الجنوبية، متجاهلين كل فصائل الحراك الجنوبي الذي انطلقت شرارته منذ ما يقارب عشر سنوات مضت، وهو ما أثار حفيظتهم، فحدث انشقاق كبير بين الجنوبيين بشأن مسألة التفويض للقضية الجنوبية، وانقسم الشارع الجنوبي ما بين معارض ومؤيد للمجلس الانتقالي، وأيضاً من هو محايد.
كانت العلاقة متوجسة بين الحكومة والمجلس الانتقالي، ففي كل مرفق حكومي تجد من يتلقى أوامره من الحكومة الشرعية، أو من يصغي للمجلس الانتقالي الذي حظي برعاية وحماية ودعم لا محدود من دولة الإمارات المتحدة، وظلت الأجواء متوترة فيما بينهم إلى أن حدثت محاولة إسقاط للحكومة، في يناير/كانون الثاني 2018، ولولا تدخل التحالف العربي، لاسيما المملكة العربية السعودية، التي عملت على تلافي الصدام لفترة وجيزة، وظل بعدها كل طرف يتوقع معركة قادمة بين قوات الشرعية والانتقالي، إلى أن أعلن وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء المهندس أحمد بن أحمد الميسري، وذلك في مؤتمر عدن التشاوري الأول الذي نظمته الحركة المدنية الديمقراطية قبل الاحتدام الأخير، وقالها بكل صراحة، إن على التحالف العربي الزحف نحو الشمال، ويقصد الحوثيين، وليس نحو الشرق، ويقصد بذلك آبار النفط والغاز في محافظتي شبوة وحضرموت، التي كان الانتقالي وقواته يطمحون إلى لسيطرة عليهما، وصرح بأن الشراكة مع التحالف العربي في الحرب وليس في إدارة المناطق المحررة.
بعد استشهاد أبواليمامة، قائد الحزام الأمني، حدثت تراشقات بين جميع الأطراف، وتبادلوا الاتهامات رغم تبني ميليشيات الحوثي العملية، وأعلن الشيخ هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي النفير العام نحو القصر الرئاسي، ودارت رحى الحرب رسمياً بين قوات الشرعية وقوات الانتقالي، واتهمت جميع معسكرات الشرعية بالإرهاب، وزحفت قوات الانتقالي إلى الشرق حسبما توقع وزير الداخلية الميسري حتى توقف المد في محافظة شبوة، من ثم قويت الشرعية قليلاً، واستعادت جزءاً كبيراً من محافظة أبين، فأصبحت ثلاث محافظات في قبضة الانتقالي، وهي لحج وعدن والضالع، بينما ظلت محافظات شبوة وحضرموت والمهرة تابعة للحكومة الشرعية، وتقاسم الطرفان محافظة أبين التي تتوسطها، ورغم توقيع اتفاقية الرياض منذ شهرين فإن التوتر مازال قائماً بين الطرفين، ولم يُنفذ شيء من بنوده حتى اللحظة الراهنة.
نقلا عن "عربي بوست"