قاسم سليماني

المتغيرات في إيران… هل بدأ العد التنازلي لإسقاط أذرعها في اليمن والمنطقة؟

دخلت إيران مرحلة خطرة بعد مقتل سليماني، واستهداف الحرس الثوري الإيراني لطائرة أوكرانية، قالت طهران إنه تم قصفها بالخطأ، ظناً أنها صاروخ كروز أمريكي.
أخذت الأحداث منذ مطلع يناير 2020، منحى غير متوقع، فالقدرة العسكرية الإيرانية انكشفت، والداخل الإيراني اشتعل مجدداً بتظاهرات تنبئ بمتغيرات غير مسبوقة قد تعجل بسقوط المرشد خامنئي، وانهيار الحرس الثوري.
فلأول مرة، وعلى عكس التوقعات، اندلعت تظاهرات نددت بخامنئي وسليماني، أمام حالة من فقدان النظام لاستغلال مقتل الأخير سياسياً لتهييج الشارع الإيراني ضد العدو الخارجي كعادته.
عودة التظاهرات هذه المرة تأتي مع مؤشرات عن تبلور موقف داخلي مدعوم من جزء من القومية الفارسية وقوميات أخرى، نحو إزاحة خامنئي، وتحجيم الحرس الثوري الإيراني، بعد أن باتوا بنظر معارضيهم عبئاً ثقيلاً، ضرر وجودهم أكبر من رحيلهم.
هذا المنحى يجعل مستقبل جماعة الحوثيين في اليمن، في مهب الريح، بخاصة مع استشعار الحرس الثوري الإيراني، المخاطر المحدقة به، وإمكانية التخلص منه في عملية تفاهم بين الداخل الإيراني ودول كبرى، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا.
مشاركة السفير البريطاني في تظاهرات طهران التي خرجت للمطالبة برحيل خامنئي، وللتنديد بقصف الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية، إضافة إلى إقرار الحرس الثوري نفسه بالواقعة، كلها أمور توحي بتغير جذري لقواعد اللعبة ما بعد سليماني.
وتأتي التظاهرات التي تجددت في إيران، كما في العراق ولبنان، بمثابة إعلان سقوط مخطط تصفية الثورات، الذي أوكل خامنئي إلى سليماني القيام به، إذ تشير كثير من المواقف إلى تنسيقات مختلفة في العمق الإيراني.
حذر الرئيس الأمريكي عشية الـ12 من يناير 2020، النظام الإيراني، من قمع التظاهرات في البلاد، مشيراً إلى توجه جديد لتقييد مقدرة نظام خامنئي على قمع الشعب الإيراني.

عودة التظاهرات الغاضبة

وعادت التظاهرات، بصورة لافتة، مركزة على مطلب رحيل خامنئي، وتمزيق صوره مع سليماني، إضافة للتنديد بالحرس الثوري الإيراني.
من جانبه، يستشعر الحرس الثوري هذه البوادر، ويدرك أنه الهدف التالي، ليس فقط للقوى الخارجية، وإنما بات إسقاطه هدفاً للداخل الإيراني، إذ باتت كلفة صراعاته باهظة، وفوق مقدرة إيران على تحمل هذا النظام ومجازفاته.
كما أن قيام الدفاعات الأرضية بقصف طائرة أوكرانية، ظناً أنها صاروخ كروز أمريكي، يوحي بحالة الرعب والفزع التي يعيشها الحرس الثوري والنظام الإيراني.
يتفاقم هذا الخوف في ظل انكشاف تدني مقدرة الأسلحة الإيرانية، وسقوط الهيبة التي لطالما عمل النظام الإيراني على ترويجها، وترهيب الخارج منها.
ولم يعد بحوزة نظام خامنئي وحرسه الثوري، ما يهدد به، سوى ظهور المتحدث باسم الحرس الثوري، ومن خلفه أعلام التشكيلات العسكرية الإيرانية، وإلى جانبها أعلام مليشيات حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي العراقي، ولواءي فاطميون وزينبيون اللذين يتبعان إيران ويقاتلان لمصلحتها داخل سوريا.
إن نظام خامنئي والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، وباقي التشكيلات العسكرية التابعة له في لبنان واليمن والعراق، مهددة بصورة غير مسبوقة، وانهيارها قد ينفجر على نحو مفاجئ من الداخل الإيراني نفسه.
الهلع الذي اعترى الحرس الثوري الإيراني، من الرد الأمريكي، وضع الشعب الإيراني في حالة ذعر مضاعفة، وذلك كفيل بتحرك مراكز قوى وقوميات في الداخل الإيراني، باتجاه التخلص من جذر المشكلة نفسها، ممثلاً بخامنئي والحرس الثوري اللذين ورطا إيران في مواجهة انتحارية مع المجتمع الدولي.
إن الطريقة التي تم بها دفن قاسم سليماني، أكبر قادة إيران وأخطرهم، وطبيعة الرد الإيراني نفسه، إضافة إلى طي صفحته وتلاشي ذكره أمام الحدث الجديد، وهو قصف طائرة أوكرانية ومقتل 170 راكباً على متنها، من جنسيات مختلفة، ثم اندلاع تظاهرات غاضبة ضد خامنئي وسليماني والحرس الثوري… كلها متغيرات ترشدنا إلى أن إيران مقبلة على مرحلة جديدة، ربما تنتهي قريباً بطي صفحة خامنئي كلياً، ووضع الحرس الثوري في حالة من التصفية ونزع مخالبه.
وربما كانت حركة الحرس الثوري المتصلة بإظهار أعلام أذرعه في المنطقة، كجزء من قواته، بمثابة تهديد للداخل والخارج، على وقع تقدير للحالة الداخلية التي وصلت إلى ذروة ضيقها وانفجارها، بسبب سياسات خامنئي والحرس الثوري، التي جعلت إيران أشبه ما تكون بقنبلة موقوتة في قبضتهم في وجه العالم.

احتراز إيراني عبر الحوثيين

هذا الوضع لا يمكن للشعب الإيراني التعايش معه طويلاً، بما في ذلك جزء من القوى السياسية المشاركة لتيار المحافظين في حكم البلاد، إذ إن مصرع الرجل القوي في تيار خامنئي، سيحفز قوى كثيرة على السير في طريق مختلف، والحد من هيمنة خامنئي، وربما الإطاحة به.
وليس اليمن ببعيد عما يدور في إيران، فقد باشرت إيران، وعبر جماعة الحوثي، ترتيبات نقلت بموجبها قيادات من الحرس الثوري من داخل مدينة الحديدة إلى مناطق محيطة، تحسباً من استهداف تلك القيادات بغارات جوية. جاء ذلك بعد إعلان السعودية عن ترتيبات مع أطراف دولية احترازية لاستهداف جميع قيادات جماعة الحوثي، تحسباً لأي أعمال معادية قد تقدم عليها الجماعة انتقاماً لمقتل سليماني. أما قيادات الحرس الثوري في اليمن، فقد بدأت واشنطن في ترصدهم والبحث عن ذراع سليماني في اليمن، قبل استهدافها سليماني نفسه.
وكانت جماعة الحوثي وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، توعدت جميعها بعمليات انتقامية، غير أن الأخير تراجع عن تهديداته، وقال إن الصواريخ التي أطلقت نحو مقر السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد، وسقطت على مقربة منها، تصرفات فردية، وليس الحشد مسؤولاً عنها.

هل هي بداية النهاية؟

وهدد زعيم حزب الله اللبناني، وتوعد دون أي إقدام على الفعل، كما توقع وضاح خنفر، رئيس مركز الشرق للدراسات، في ندوة في مدينة إسطنبول.
الندوة التي عقدت عقب مقتل سليماني، رجحت جهتين فقط يمكن أن تتورطا وتنفذا عمليات انتقامية لمقتل سليماني، هما جماعة الحوثي في اليمن، وطالبان في أفغانستان، وذلك لأن سليماني له فضل على هاتين الجماعتين، كما قال خنفر الذي استبعد قيام حزب الله أو الحشد الشعبي في العراق بأي أفعال انتقامية.
غير أن الوقت ينفد بالنسبة لمرشد إيران علي خامنئي، واستهداف قيادات الحرس الثوري وقادة أذرعه في المنطقة، قد يحظى بنوع من الإجماع والتوافق الدولي، بالنظر إلى الخطورة التي باتوا يمثلونها، وإمكانية اصطيادهم بعد نجاح عملية اصطياد الرأس الكبيرة التي دبرت لخلق أذرع مقاتلة في المنطقة، وهندست لمد نفوذ إيران، وهو ما يفترض فرصة أكبر لإعادة تحجيم الدور الإيراني بعد مقتل مهندسه، واستهداف آخرين على لائحة الأهداف المحتملة في قادم الأيام، خصوصاً من يمثلون أذرعة لسليماني في دول المنطقة.
من بين هؤلاء ذراع سليماني في اليمن، القيادي في الحرس الثوري الإيراني، “شهلائي” الذي كشفت تقارير استخباراتية عن تواجده في اليمن على رأس قوة مؤلفة من 400 من عناصر الحرس الثوري الإيراني. وأعلنت الخارجية الأمريكية جائزة مقدارها 15 مليون دولار، لمن يدلي بمعلومات عن مكان تواجده في اليمن.
إعلان قد يحفز البعض من المطلعين، وربما المقربين، للتعاون، بخاصة في وجود علاقات لكثيرين بدول عدة، وفي ظل سباق بين قيادات جماعة الحوثي للإثراء أو حيازة الأموال من أي مصدر كان، وشعور بعض القيادات أن ما يجنونه من مكاسب أقل مما يحصل عليه قادة آخرون في المليشيا يؤدون أدواراً أقل.

المصدر: المشاهد