أصدر مجلس الأمن، قراراً جديداً بشأن اليمن، مدد بموجبه ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديد، إلى منتصف العام، فيما شكا المبعوث الأممي مارتن غريفيث، القيود التي يفرضها "الحوثيون" دون أن يسميهم بشكل مباشر، على موظفي البعثة الأممية ودورياتها وانشطتها في مدينة الحديدة الساحلية الواقعة غرب البلاد.
ونص القرار رقم (2505) الذي تقدمت به المملكة المتحدة (بريطانيا)، وأقره مجلس الأمن بالإجماع يوم الاثنين الماضي، على تمديد مهمة بعثة (أونمها) لدعم تنفيذ الاتفاق المتعلق بمدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى وفقاً لاتفاقية ستوكهولم، لمدة ستة أشهر تنتهي في منتصف يوليو القادم.
واحتفظ القرار الذي اطلع المصدر أونلاين على مضمونه، بالمهام الرئيسية الأربع للبعثة الأممية، وهي: قيادة ودعم عمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار (تتكون من ممثلين للحكومة اليمنية والحوثيين ويرأسها الجنرال الهندي أبهيجيت جوها)، للإشراف على وقف إطلاق النار بالحديدة. كما تشرف على "إعادة انتشار القوات وعمليات إزالة الألغام على نطاق المحافظة".
وكذلك رصد امتثال الطرفين لوقف إطلاق النار وإعادة الانتشار المتبادل للقوات في مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة، إضافة إلى ضمان أمن المدينة والموانئ، وتسهيل وتنسيق دعم الأمم المتحدة لمساعدة الطرفين على التنفيذ الكامل لاتفاق الحُديدة.
وتأسست بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة في اليمن، بموجب قرار المجلس 2452، بعد فترة وجيزة من التوقيع علي اتفاق ستوكهولم في ديسمبر/كانون أول 2018 بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، ولم يكن أنشاء البعثة قد اتفق عليه الطرفين.
وفي هذا التحليل يعيد المصدر أونلاين قراءة المشهد العام في الحديدة، بعد عام واحد من قرار إنشاء البعثة، وتولي ثلاثة جنرالات رئاستها، وأكثر من عام على اتفاق ستوكهولم المتعثر، ونحاول الإجابة على السؤال: أين تقف البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة اليوم؟ ماهي المرحلة المهمة التي يجري الحديث عنها أممياً ودولياً؟
ستوكهولم
في أواخر العام الماضي، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الجنرال الهندي المتقاعد أبهجيت جوها رئيسًا للجنة تنسيق إعادة الانتشار (RCC)، وقائداً لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاقية الحديدة (UNMHA) ، وذلك للإشراف على اتفاق ستوكهولم المبرم أواخر العام قبل الماضي.
وجوها ثالث جنرال توكل إليه قيادة البعثة الأممية، ويبدو أنه يواجه تحدياً كبيراً في انجاز المهمة، وعين خلفاً للدنماركي "مايكل لوليسغارد" الذي قاد البعثة رسمياً خلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى يوليو/تموز 2019. وغادرها بحفل توديع ودرع تذكاري من سلطات الحوثيين بصنعاء، خلافاً لسلفه الهولندي الذي أًجبر على الاستقالة بعد محاولات اغتيال وسلسلة من الإساءات والاتهامات والحجز والتهديد والشتائم.
الهولندي كاميرت
خلال الفترة 26 إلى 28 ديسمبر/ 2018 ترأس الجنرال باتريك كاميرت اجتماعات متتالية للجنة المشتركة لتنسيق إعادة الانتشار في الحديدة بحضور ثلاثة ممثلين عن الحكومة وثلاثة ممثلين عن الحوثيين، وجاء الاجتماع بعد سلسلة لقاءات عقدها كاميرت وفريقه (يضم 8 شخص) مع قيادات الحكومة في عدن وسلطات الحوثيين في صنعاء وزيارة الموانئ ومناطق الاشتباك بعد لقاء مسؤولي الحوثيين في الحديدة.
طرح الجنرال الهولندي على الطرفين ثلاثة مجالات ذات أولوية وفق اتفاق ستوكهولم وهي وقف إطلاق النار وآلية مراقبته، وتدابير بناء الثقة لتقديم المساعدة الإنسانية، وإعادة الانتشار.
واتفقت اللجنة على أن تعقد الجلسة الثانية في أول يوم من العام 2019، على أن يقدم كلا الطرفين خططاً تفصيلية ورؤية تنفيذية لعملية إعادة الانتشار القوات بشكل كاملة.
وكتدبير لبناء الثقة، اتفق الطرفان في الاجتماع على فتح ممرات إنسانية، كخطوة أولية خط صنعاء-الحديدة، على أن يتم تسيير أول قافلة إنسانية تضم مساعدات غذائية ودوائية، من ميناء الحديدة ومنه عبر الطريق الجنوبية الشرقية للمدينة والمعروفة بـ(كيلو 16) وذلك في الساعة 10 صباح يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2018م، وتضمن الاتفاق الحماية العسكرية من الحوثيين المرافقة للقافلة ومسؤولي تيسير عبورها من الجانبين والحماية من جانب قوات الحكومة والمرافقة الأممية.
وفيما باشرت القوات الحكومية ازاحة الحواجز وفتح طريق كيلو16 من صباح اليوم التالي، كان الحوثيون ينفذون عملية انتشار من ميناء الحديدة الذي سلموه لمسلحين أخرين يرتدون زي قوات خفر السواحل، واضطر الجنرال الهولندي المتفاجئ من الترتيب، للمشاركة وإلقاء كلمة بالمناسبة.
وعقد الاجتماع الثاني لمناقشة مرور قافلة المساعدات المحتجزة في الحديدة، وعملية إعادة الانتشار، لكنه انتهاء في الثالث من يناير/كانون الثاني 2019 دون أحراز أي تقدم، حيث أصر الحوثيون على تنفيذهم أولى عمليات إعادة الانتشار متهمين كاميرت بالانحياز للحكومة، وتحدث مصدر عسكري مقرب من الفريق الحكومي عن تهديد الحوثيين للمسؤول الأممي واتهامه بالانحياز.
مبعوث في مرمى التهديد
فتحت المليشيات الحوثية نيرانها على الجنرال المتقاعد كاميرت، وقال متحدث الجماعة محمد عبدالسلام إن "عدم إحراز أي تقدم في الحديدة على صعيد تنفيذ اتفاق ستوكهولم، يعود بالأساس إلى خروج رئيس لجنة التنسيق الأممية (الجنرال باتريك كاميرت) عن مسار الاتفاق، بتنفيذ أجندة أخرى".
وطالبت الجماعة بإقالته وفي منتصف يناير 2019، تعرض موكب المسؤول الأممي لوابل من الرصاص على خطوط التماس جنوب شرق الحديدة، وحمل الحوثيون - حينها- قوات الحكومة المسؤولية، لكن وفد الحكومة كان في ذلك الحين في رفقة كاميرت اثناء الهجوم، وهو ما دفع الأمم المتحدة لإعلان عدم معرفتهم مصدر النيران.
وقال مصدر مقرب من البعثة الأممية في الحديدة، إن كاميرت أوصى في تقاريره مجلس الأمن بتوسيع بعثة الأمم المتحدة، مشيراً إلى عرقلة الحوثيين وصول كامل فريقه الأولي والمكون من30 عنصراً بعضهم عسكريون سابقون.
ووفق المصدر الذي تحدث لـ"المصدر أونلاين" شريطة عدم كشف هويته كونه غير مخول، فإن مجلس الأمن الدولي تبنى مقترحات كاميرت، من خلال القرار رقم 2452 الصادر في 16 يناير كانون الثاني، والذي قرر بموجبه، إنشاء بعثة سياسية خاصة لدعم اتفاق الحديدة، وهو ذات القرار الذي رحبت به الحكومة ورفضه الحوثيون واعتبروه انتهاكاً للسيادة، وابلغوا المبعوث الأممي استحالة تعاونهم إذا ظل الهولندي في قيادة اللجنة المشتركة.
ورأى مسؤول حكومي، فضل عدم كشف هويته كونه غير مخول بالحديث للإعلام، أن مهاجمة الحوثيين لكاميرت ومحاولة اغتياله المتكررة، لم تكن بغرض إخافته فقط بل محاولة لتصفيته وتحميل الحكومة المسؤولية. لكن ذلك لم يتحقق وتحقق الغرض الثاني وهو دفعه للاستقالة وطلب الاعفاء من مهمته.
وأفاد مصدر حكومي مقرب من فريق الحكومة لـ"المصدر أونلاين" أن كاميرت أبلغ المبعوث الأممي استقالته يوم 21 يناير/كانون، ورغم نفي الأمم المتحدة عبر متحدثها الاستقالة، عين الأمين العام للأمم المتحدة في 31 من الشهر ذاته، الجنرال الدانماركي مايكل لوليسغارد، رئيساً جديد للجنة إعادة الانتشار ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة.
تمكن كاميرت لاحقاً من عقد اجتماع ثالث للجنة المشتركة، على ظهر سفينة في عرض البحر، وتحدث عن ذلك، لصحيفة De Volkskrant الهولندية، قائلاً إن "الطرفين لم يعودا يقبلان بالاجتماعات، ولذلك اخترعت حيلة، بعد أن رأيت سفينة للإنقاذ تابعة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، كانت راسية في الميناء".
أكد باتريك أن الحوثيين لم يجرؤوا على الذهاب للاجتماع في مناطق سيطرة الحكومة، وكانوا يخشون من دخول وفد الحكومة إلى مدينة الحديدة بأن تكون كـ"حصان طروادة"، مشيراً إلى أن السفينة الأممية التي تم الاجتماع فيها "كانت فرصة ذهبية، فالطرفان بقيا فيها وكانت النقاشات مستمرة، ولا يمكن الابتعاد عنها.. ورأيت الأطراف معا يمضغون القات على سطح السفينة، لكن لم يسفر ذلك عن نتائج ملموسة. ولم نتمكن من التوصل إلى اتفاق، واتفقنا على الحفاظ على الوضع الراهن مؤقتاً".
وقال باتريك للصحيفة الهولندية بعد شهر من مغادرة اليمن، إن فريقه أُصيب ست مرات بالرصاص الحي، وإنه "كل مساء كنا نسمع القصف، وأحيانا كان الفندق يهتز"، مشيراً إلى تعرضه لتهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي برسائل منسوبة لتنظيمي الدولة الاسلامية "داعش"، والقاعدة.
وكان الحوثيون رفضوا عقد اجتماع للجنة المشتركة في مناطق سيطرة القوات الموالية للحكومة، رغم الاتفاق المسبق على أن تعقد الاجتماعات بشكل متساوي في مناطق سيطرة الطرفين تعزيزاً للثقة، وهو ما لم يتم.
نهاية الفترة المحددة التنفيذ
من المفترض أن يعيد الحوثيون نشر قواتهم من موانئ الحديدة الثلاثة ومن المرافق الحساسة ذات الطابع الانساني في غضون أسبوعين من دخول الاتفاق حيز التنفيذ حسب ما نصت عليه اتفاقية ستوكهولم. بمعنى أن تنتهي المرحلة الأولى من عملية إعادة الانتشار بحلول الثاني من يناير. على أن يتم استكمال عملية إعادة الانتشار المشتركة لكامل القوات من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة ومحيطها في مدة أقصاها 21 يوماً من دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ.
وفق تقرير الفريق الحكومي المعروض على مجلس النواب في سيئون، فإن قبول الحكومة والرئاسة تمديد فترة تنفيذ اتفاق ستوكهولم، يمثل كارثة سياسية وعسكرية، حيث اتاح للحوثيين التلاعب واستغلال الاتفاق لصالح تعزيز مواقعهم في الحديدة.
وكشف التقرير –أطلع المصدر أونلاين على مضمونه – عن جملة من الاستحداثات والانشاءات التي شرع الحوثيون في تنفيذها بعد إلغاء الفترة المزمنة لتنفيذ الاتفاق، حيث استحدثوا العشرات من الانفاق في مطار الحديدة وحصنوا مناطق سيطرتهم جنوب وشرقها ونصبوا المدافع ومضادات الطيران على مباني المواطنين واستخدموا المنازل وسكانها كدروع بشرية.
وطالب تقرير فريق الحكومة، المجلس بالتصويت على إلغاء اتفاقية ستوكهولم واستئناف عملية التحرير، لكن المجلس اكتفى بتوصية الحكومة بتحديد فترة زمنية للأمم المتحدة كمهلة أخيرة لتنفيذ الاتفاقية من جانب الحوثيين، أو استئناف عملية التحرير، وجاءت كتوصية غير ملزمة لم يلتفت لها أحد ولم يعد مجلس النواب للإجتماع مرة أخرى بعد اجتماعه اليتيم.
الدانماركي مايكل لوليسغارد
نجح المبعوث الأممي مارتن غريفيث في فبراير، في تمديد فترة تنفيذ اتفاق ستوكهولم إلى أجل غير مسمى، وذلك بعد عقد سلسلة لقاءات مع قيادات المليشيات والحكومة الشرعية في صنعاء والرياض، وهو ما اتاح الوقت أمام الجنرال لوليسغارد لمناقشة واسعة مع طرفي الصراع.
بدأ لوليسغارد مهمته في فبراير/ شباط، كرئيس للجنة المشتركة والبعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة، طرح خطط دمج المراحل منهياً بذلك، التنفيذ التدريجي والمتزامن الذي كان اعتمده كاميرت سابقاً.
وفي الفترة من 16 إلى 17 فبراير لعام 2019، تركز النقاش على إعادة الانتشار بغية الاتفاق على أساليب إعادة انتشار وتشكيل قوات الأمن المحلية المكلفة بتأمين المدينة، والموانئ الثلاثة المذكورة، وذلك بمجرد استكمال عمليات إعادة الانتشار.
وقد أسفرت الاجتماعات عن موافقة الأطراف المعنية على إطار المرحلة الأولى من إعادة انتشار القوات من الموانئ الثلاثة المطلة على البحر الأحمر، والمرافق الإنسانية الحيوية.
بحيث تشمل المرحلة الأولى انسحاب قوات الحوثيين من موانئ المدينة مسافة خمسة كيلومترات، في مقابل تراجع القوات الحكومية في المدخل الشرقي للمدينة بمسافة ما يقرب من كيلومتر. وهي المرحلة التي كان من المفترض أن تؤدي إلى تأمين الممرات الإنسانية للمساعدات والشحنات التجارية، على أن تشمل المرحلة الثانية بقية الخطوات العسكرية التي يتطلبها الاتفاق، ولا سيما بشأن إكمال "إعادة الانتشار" من قبل الطرفين في مواقع متفق بشأنها خارج مدينة الحديدة.
وللتغلب على الخلافات بشأن المرحلة الثانية والتي تمثل أهمية بالغة لكلا الطرفين عرضت الأمم المتحدة رؤيتها لإخلاء الحديدة بشكل كامل من المسلحين، لكن الخلاف بشأن تفسير عملية الانتشار الكاملة من المدينة، وهوية قوات الأمن المحلية وخفر السواحل عرقلت التنفيذ، إذ إنّ "إعادة الانتشار" كما يراها الحوثيون، عملية لسحب جزء من قواتهم لتبقى المناطق التي ينسحبون منها تحت سيطرتهم من خلال تسليمها لقوات تديرها الجماعة أساساً.
في حين تتمسّك الحكومة اليمنية بضرورة أن يتم تسليم المواقع التي ينسحب منها الحوثيون إلى القوات الأمنية والسلطة المحلية التي كانت قائمة في الحديدة قبل اجتياح الحوثيين لصنعاء في العام 2014، وبالتالي عدم بقاء العناصر الأمنية والقيادات المحلية المعيّنة من الجماعة. وهو الأمر الذي يمثّل العقدة المحورية في الخلافات المرتبطة بتنفيذ اتفاق ستوكهولم.
ومنتصف مايو/أيار 2019 أعلن الحوثيون والأمم المتحدة البدء بتنفيذ عملية إعادة انتشار أحادية الجانب لقوات الحوثيين، وقالت الأمم المتحدة في بيان عن بعثتها في الحديدة برئاسة لوليسغارد، أن انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، تم وفق المتفق عليه في ستوكهولم. وهو الأمر الذي فجر أزمة بين البعثة الأممية والحكومة اليمنية الشرعية، التي اعتبرت اعتراف الأمم المتحدة بما سمّته "مسرحية" تسليم الحوثيين موانئ الحديدة إلى قوات تابعة لهم، بأنه يمثّل تماهياً مع موقف الحوثيين، وقدمت على إثر ذلك شكوى رسمية ضدّ مارتن غريفيث إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
وتم تجاوز الأزمة، بعد تقديم الأمين العام، ضمانات شفوية للرئاسة اليمنية. وقالت الحكومة اليمنية إنها منحت غريفيث فرصة أخيرة لتصحيح مسار تنفيذ اتفاق الحديدة، وعلى إثر ذلك التطور اجتمعت اللجنة المشتركة للمرة الخامس بحضور وفدي الحوثيين والحكومة، وذلك قبيل إصدار مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2481 في 15 تموز/يوليو 2019، وذلك بتمديد مهمة البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة إلى غاية 15 كانون الثاني/يناير 2020.
وأثبتت تلك الاحداث أن لوليسغارد نسج علاقة جيدة مع الحوثيين، وبدا ذلك واضحاً من خلال حفل توديع ومنحه درع تكريمي ورحلة ترفيهية في صنعاء يوم 23 يوليو 2019. وامتداح مسؤولي الحوثيين الجنرال الدنماركي بعبارات قوية، على غرار تصريح رئيس فريقهم باللجنة المشتركة علي الموشكي، الذي قال إنّ "الجنرال لوليسغارد قائد عسكري ذو ضمير حي، لم تستطع دول العدوان أن تشتري ضميره كما اشترت ضمائر الكثير من الناس"، في إشارة إلى دول "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية.
ومع تجديد الأمم المتحدة مهمة البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة، أنهى الأمين العام عمل الدنماركي كخطوة لاستعادة الثقة مع الحكومة اليمنية. لكن إنهاء مهمة لوليسغارد، أفضى إلى رحلة بحث شاقة عن بديل، خاصة بعد اعتذار الادميرال الأمريكي "تيموثي جيمس كيتنغ" عن المهمة، ورفض جنرال نيوزلندي لخلافة مايكل لوليسغارد، في رئاسة البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة .
الجنرال جوها
انتهى الاجتماع الخامس للجنة المشتركة لتنسيق إعادة الانتشار بالحديدة، منتصف يوليو/تموز الذي جاء بعد شهرين من الانقطاع، دون إحراز أي تقدم بشأن الانسحاب وإعادة تموضع القوات، حيث أحالت اللجنة ملفات إعادة الانتشار والتحقق والسلطات الأمنية والمحلية للمبعوث الأممي مارتن غريفيث للبت فيها بالتشاور مع قيادات الحوثيين والحكومة، ما يعني أن تنفيذ اتفاق الحديدة يحتاج إلى اتفاقية جديدة بشأن قوات الأمن والسلطة المحلية التي ستتسلم المدينة والموانئ وتديرها بعد الانسحاب.
وفي 9 سبتمبر/أيلول الماضي، عقدت اللجنة المشتركة اجتماعها السادس برئاسة نائب رئيس البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة، ومشاركة وفدي الحوثيين والحكومة، حيث تركز الاجتماع على مناقشة تنشيط آلية وقف إطلاق النار وإيقاف التصعيد التي تم الاتفاق عليها مبدئياً في منتصف يوليو/تموز.
وافق الطرفان على أن يتم إنشاء وتفعيل مركز العمليات المشتركة (مراكز مراقبة) في بعثة الأمم المتحدة في منشأة الحديدة، ويضم المركز ضباط الاتصال والتنسيق من كلا الطرفين، بالإضافة إلى ضباط الاتصال والتنسيق التابعين للأمم المتحدة.
ومنذ دخول اتفاق وقف اطلاق النار في الحديدة حيز التنفيذ، ظلت تلك الهدنة تترنح وتخترق من جميع الاطراف، وتقول الأمم المتحدة بأنها هدنة هشة جداً. وينذر انهيارها في أي وقت بانهيار اتفاق الحديدة، وتجددت المعارك المتقطعة منذ يناير، لكنها شهدت في سبتمبر واغسطس عام 2019م، تصعيداً كبيراً جاء بالتزامن مع أحداث التمرد المدعوم من الإمارات في عدن.
ومنذ تسلم الجنرال الهندي "أبهيجيت جوها" مهامه رسمياً، أوائل أكتوبر/تشرين الأول الفائت، وبعد عقد سلسلة لقاءات مع قيادات الحوثيين والسعودية والحكومة في صنعاء والرياض، ولقاءات ثنائية مع فريقي الطرفين في لجنة إعادة الانتشار، أفشلت مليشيات الحوثيين محاولتين له، لعقد اجتماع مشترك ومنعت الجماعة، الفريق الحكومي من الوصول إلى السفينة وفق تصريح وضاح الدبيش المتحدث باسم القوات في الساحل الغربي.
لكن الجنرال الحالي سارع في قطف الثمرة الوحيدة لقرابة عام من اتفاق ستوكهولم، والمتمثلة في آلية تثبيت وقف إطلاق النار، حيث تمكن من الاشراف على نشر 5 نقاط اتصال ومراقبة على طول جبهات القتال في الحديدة، قبل أن يواجه ذلك الانجاز بتصاعد عمليات القصف المتبادل والخروقات التي لم تتوقف منذ سريان الهدنة قبل نحو عام.
وعبر الجنرال جوها في ثلاثة بيانات أصدرها باسم البعثة الأممية لدعم الحديدة في نوفمبر/تشرين الثاني أواخر العام الفائت، عن قلقه من تصاعد الخروقات واستمرار وصول البلاغات بذلك، رغم نشر نقاط المراقبة، داعياً الاطراف إلى ضبط النفس وعدم التصعيد والالتزام باتفاق ستوكهولم. وندد البيان الأخير لجوها بتصاعد الغارات في الحديدة.
وعقب صدور تلك البيانات التي تحدث في أحدها عن استحداثات من جميع الاطراف وتصعيد كبير في الحديدة، تعرض الجنرال الهندي للاحتجاز من قبل الحوثيين عدة ساعات.
وأكتفى المبعوث الأممي مارتن غريفيث في إحاطته لمجلس الأمن يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بالتعبير عن قلقه "بشأن القيود المتزايدة المفروضة على تحركات موظفي البعثة في الحديدة. هذه القيود لا تعرقل العمليات اليومية للبعثة فحسب، بل تهدد أيضاً تنفيذ مهام البعثة".
وفي ديسمبر أواخر العام، استهدفت صواريخ باليستية وطائرات مسيرة مواقع مدنية وعسكرية في مديرية المخا الخاضعة للقوات الموالية للحكومة والتحالف، وفيما نددت القوات المشتركة بالهجوم واعتبرته خرقاً لاتفاق السويد وتصعيداً خطيراً، قال الحوثيون إن الهجوم لا يناقض اتفاق ستوكهولم، على اعتبار أن المخا ليست تابعة للحديدة، بينما الاتفاق ينض على خفض التصعيد في محافظة الحديدة فقط.
وكان رئيس اللجنة المشتركة وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، جوها، قام بزيارة خاطفة للمخا وأفادت مصادر عسكرية أنه اطلع على اثار القصف الصاروخي على المدينة، قبل أن يتوجه إلى عدن ويلتقي مع رئيس الوزراء معين عبدالملك.
وعقد مجلس الأمن في الثاني عشر من الشهر جلسة "سرية" بشأن اليمن، قدم فيها البعوث الأممي إحاطة عن حصاد عام من اتفاق ستوكهولم، ومن المؤكد أن غريفيث ساق للمجلس الكثير من التبريرات عن تعثر تنفيذ الاتفاق وطالب المجلس بدعمه، محذراً من خطورة انهيار اتفاق الرياض بعد تجاوز فترة التنفيذ المزمنة المقررة، وهذا ما أكده في حوار مع موقع أخبار الأمم المتحدة بشأن عام من انجازاته في اليمن.
في الحوار، الذي يبدو أنه تضمن إحاطته السرية. أقر المبعوث الأممي ضمنياً بالفشل وقال إن التعثر في التنفيذ "خيبة أمل من نواح كثيرة"، مستدركاً "هناك إنجازات"، وكانت أبرز الانجازات التي أشار إليها في حواره "أن ما تعلمته حقا بقوة أن هناك بعض القضايا التي لن يتم حلها عن طريق الاتفاقات على المستوى دون الوطني - اتفاقيات محددة في أماكن مختلفة. علينا أن نعالج القضايا الأساسية المتمثلة في السيادة والشرعية من خلال اتفاق لإنهاء الحرب".
العودة إلى الوراء
في مثل هذا اليوم، الشهر الماضي، غادر فريقا الحكومة والحوثيين في اللجنة المشتركة، السفينة الأممية بعد عقد الاجتماع السابع للجنة، وهو الاجتماع الأول برئاسة الجنرال الثالث "جوها" وحضور ممثلي الطرفين. وكالعادة لم يخرج الاجتماع بأي نتيجة ملموسة.
وأكد رئيس الفريق الحكومي في اللجنة المشتركة، اللواء الركن محمد عيضة، أن البعثة الأممية في الحديدة، لم تتقدم خطوة، واحدة خلال الفترة الماضية.
وأوضح عيضة في تصريح نشرته وكالة "شينخوا" الصينة، إن البعثة الأممية اتت لتنفيذ اتفاق ستوكهولم والذي يتضمن اخراج القوات من الحديدة خلال 21 يوما، لكنها لم تتقدم خطوة واحدة خلال عام كامل. مضيفاً "جاءت البعثة لمنع تدمير الحديدة، فأصبحت مباني المدينة آيلة للسقوط.."، مشيرا إلى تصعيد المليشيات واستمرار محاصرتها للمدنيين وتدميرها للمدينة، وهي الاسباب التي جاءت البعثة الأممية لمنعها وفق تصريحه.
والخميس الماضي، أبلغ مارتن غريفيث، مجلس الأمن باستمرار القيود المفروضة على تحركات موظفي بعثة الأمم المتحدة في الحديدة، موجها اتهامات مباشرة للحوثيين بالوقوف خلف ذلك، "كنت قد أثرت ذلك قبل أعياد الميلاد". كان المبعوث الأممي قد زار صنعاء قبل نهاية العام، وبعد تعرض عدد من موظفي الأمم المتحدة للاحتجاز والمنع من الوصول إلى مناطق عملهم، إضافة إلى مصادرة الجماعة الاجهزة والمعدات التي كانت معهم.
وقال رئيس فريق الحكومة محمد عيضة لـ"شيخنوا" إن البعثة الأممية "جاءت بهدف فتح ممرات إنسانية، إلا أن المعاناة الإنسانية تضاعفت".
ويعيدنا حديث غريفيث عن فتح الممرات الإنسانية، إلى تاريخ 31 ديسمبر 2018م، وهو التاريخ الذي أقرته اللجنة المشتركة برئاسة الهولندي كاميرت وبموافقة الحوثيين، لتسيير قافلة إنسانية من موانئ الحديدة عبوراً عبر المدينة ومناطق الاشتباك في كيلو 16 (خط صنعاء - الحديدة).
المادة خاصة بموقع "المصدر أونلاين"