تخوض قوات الجيش اليمني معارك طاحنة منذ أيام مع مسلحي جماعة الحوثي في جبهة نهم، شرقي العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الأخيرة، منذ خريف 2014، وسط تساؤلات حول سيناريوهات هذه المعركة في أهم جبهة قتال بين الطرفين.
وتكتسب مديرية "نهم" أهميتها الاستراتيجية من موقعها الذي يبعد عن قلب العاصمة صنعاء حوالي 50 كلم، بالإضافة إلى كونها البوابة الشرقية للعاصمة، فضلا عن ارتباطها بمحافظات تشكل ثقل الحكومة الشرعية في الشمال مثل الجوف، أكبر محافظات الشمال، والتي تشترك بحدود مع السعودية.
كما أنها تمتد جغرافيا إلى محافظة مأرب، الغنية بالنفط، والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش اليمني.
وكان قائد العمليات المشتركة بوزارة الدفاع اليمنية، اللواء صغير بن عزيز، قال إن المعركة القادمة "حاسمة"، معربا عن ثقته بتحقيق انتصار فيها على الحوثيين.
"سيناريوهان"
وفي هذا السياق، يرى الخبير اليمني في الشؤون الأمنية والعسكرية، علي الذهب، أن العمليات التي تقودها القوات الحكومية في نهم تمثل استجابة مضادة لهجوم قاده الحوثيين على جبهات في هذه المناطق، وليس خطوة تصعيد من قبل الجيش، ترمي إلى تطوير المعركة في العمق الحوثي.
وقال في تصريح لـ"عربي21" إن أي "عملية واسعة تقرأ من تفاعلاتها، التي تشي بأنها معركة حاسمة أهدافها استراتيجية".
وأضاف: "لم نشهد تحركا واسعا للجيش في اتجاهات أخرى نحو صنعاء، أو في الجبهات الأخرى بقصد إضعاف الحوثيين في جبهة نهم، في الوقت الذي لم نلحظ عملا نشطا لطيران التحالف، ولا تمهيدا ناريا، ولو على الأقل ليوم أو يومين".
وتابع الخبير اليمني الاستراتيجي: "ليس ذلك فحسب، بل هنالك ضغوط دولية لحمل الحكومة الشرعية على التحرك باتجاه السلام غير المشروط".
وبحسب الخبير الذهب، فإنه يمكن النظر إلى ما حدث بأنه "رد ميداني على هذه الضغوط".
أما سيناريوهات المعركة الجارية، فقد أورد الخبير اليمني في الشؤون العسكرية سيناريوهين الأول: "التوقف المفاجئ لهذه العمليات، تحت تأثير الخسائر الفادحة للطرفين وعدمية جدوى مثل هذه المواجهة، وهو ما أرجحه".
وعزز ذلك بالقول: "لأن منطقة نهم باتت بؤرة استنزاف للطرفين، والقتال فيها إجباري، بحكم ما تمليه الظروف والأطراف الخارجية للحرب".
أما السيناريو الثاني، فيكمن وفقا للمتحدث ذاته في "تحقيق الحوثيين اختراقا في هذه الجبهة وفصل شرقها عن غربها، والسيطرة على الطريق الرئيس المؤدي إلى مأرب والجبال المطلة عليه، نتيجة لحسابات تتعلق بالتحالف (تقوده السعودية) والقوى الدولية التي توجه عملياته في اليمن".
وأوضح أنه هنا "سنكون أمام حالة مشابهة لأحداث آب/ أغسطس بعدن عام 2019؛ حيث ستتدخل الأمم المتحدة، وتضع الجميع أمام واقع جديد، واتجاهات تتطلبها الصيغة الجديدة للسلام التي كانت الحكومة الشرعية ترفضها من قبل".
"ثلاثة سيناريوهات"
من جانبه، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، عبدالسلام محمد، إن الحرب في نهم جاءت "ضمن استراتيجية الحوثي لاستعادة السيطرة على مناطق صنعاء المحيطة بالعاصمة، حتى تكون المرحلة الثانية من الاستراتيجية السيطرة على مأرب النفطية".
وأضاف في تصريح لـ"عربي21" أن من أسباب تحريك الحوثي لجبهة نهم جاء بعد تصعيد أمريكي إيراني في المنطقة، مشيرا إلى أنه "يبدو أن إيران ترى في تحرك الحوثي إلى باب المندب أمر مهم في حال حصلت مواجهة محتملة، لتتمكن طهران من إغلاقه بالتوازي مع مضيق هرمز، وتهديد ممر الملاحة الدولية ولذلك سارع الحوثي لتأمين ظهره، ومحاولة إسقاط أهم جبهة للحكومة اليمنية قريبة منه، وهي نهم".
وأكد محمد أن التحالف الذي تقوده الرياض، "سيوازن بين منع جبهة نهم من السقوط وضمان عدم ذهاب الجيش الى صنعاء، وهذه استراتيجية استنزاف لطالما مكنت الحوثي أكثر".
ولفت إلى أن هناك ثلاثة سيناريوهات لجبهة نهم، الأول أن "تتوقف المعارك دون خسارة أي من الطرفين للمناطق التي يسيطر عليها، موضحا أن هذا السيناريو هو الأقوى".
أما السيناريو الثاني، فيوضح رئيس مركز أبعاد للدراسات، أنه "ربما يحقق الحوثي هدفه في السيطرة على جبهة نهم، وإزاحة الجيش إلى مأرب، وبالتالي تكون صنعاء صافية له، ثم يسهل له ذلك مهاجمة مأرب والتمدد إليها".
فيما يكمن السيناريو الثالث في "عدم اتخاذ التحالف العربي والشرعية قرارا بدعم الجيش للتقدم إلى أرحب، كون ذلك يفرض على التحالف تقديم دعم لوجستي ومالي ومعلوماتي، وهو ما لم يتحقق إلى الآن".
وتخوض قوات الجيش الوطني أعنف معاركها في بلدة نهم، حيث المناطق شديدة الوعورة، ويغلب عليها السلاسل الجبلية والشعاب الطويلة التي تشكل عامل إنهاك لها، فيما يتحصن الحوثيون وينشرون سلاح القناصة على طول تلك المناطق، لإعاقة القوات الحكومية.
وتعدّ مديرية نهم من أكبر مديريات العاصمة صنعاء، حيث تبلغ مساحتها أكثر من 1800 كلم، فيما تمكن السيطرة عليها القوات الحكومية من الاقتراب أكثر نحو عمق صنعاء، وإحكام قبضتها على المناطق الشرقية ذات الطبيعة القبلية، أهمها مديرية أرحب المطلة على مطار صنعاء الدولي.
كما ستمكنها من تأمين شبكة الطرق الرئيسة والفرعية الرابطة بين صنعاء والمحافظات الشرقية، ويضاف إلى تلك الأهمية أن المنطقة تقع ضمن خطوط التحصين الطبيعي للعاصمة وأكثرها تهديدا لها.
المصدر: عربي21