لاحظنا مؤخراً تحركات حثيثة من السفير الصيني لدى اليمن والمقيم في الرياض. تهدف هذه التحركات إلى خلق تواصل للصين مع العديد من مكونات الشعب اليمني والإعلاميين وأصحاب القرار والمؤثرين على الرأي العام وغيرهم.
أثمرت هذه الجهود التي تبنتها الصين عبر فريقها الدبلوماسي توقيع اليمن عبر وزير الصناعة والتجارة على مذكرة تفاهم مع الصين في أبريل عام 2019 للإنضمام إلى مشروع طريق الحرير الجديد الذي تعتبر اليمن أحد المحطات المهمة جداً فيه.
يركز مشروع طريق الحرير الجديد الذي أعلنته الصين في نهاية عام 2013 على الإستثمار في البنية التحتية والسكك الحديدية والطرق السريعة.
ويعزز مواقع ونفوذ الشركات المتمركزة في الصين بشكل أساسي ونفوذ الصين السياسي. وسيتيح للصين إستثمار المزيد من احتياطاتها الضخمة من العملة، وخلق فرص عمل وتحقيق دخل إضافي يرفع من الناتج القومي الصيني لتصبح في نهاية المطاف القوة الإقتصادية وبالتالي السياسية الأقوى في العالم.
يصب ذلك في مصلحة اليمن ويتيح لها الإستفادة من الإستثمارات الضخمة التي يمكن للصين ضخها في مشاريع البنية التحية في اليمن ما سيمكنها من استئناف إعمار اليمن في وقت أقل، ويضمن حماية هذه المشاريع بحكم النفوذ الصيني الذي سيجعل الكثير من القوى في المنطقة والعالم التي سبق وعاثت في اليمن فساداً عبر تعطيل التنمية فيها للحفاظ على مصالحها.
لكن يجدر الإشارة أنه يجب الحذر كل الحذر من الموبقات التي تشوب الإتفاقيات والقروض التي توفرها الصين للدول ولا تستطيع سدادها.
يجب على اليمن تجنب أي قروض صينية في هذا الجانب خصوصا ً أن أغلب المشاريع التي مولت سابقاً بقروض في اليمن تعرضت للفشل بسبب سوء الإستخدام والفساد، كما يجب الحرص على عدم التورط في فخ الديون الصيني الذي وقعت فيها دول مثل سيريلانكا وباكستان والسودان وجيبوتي وسلمت على أثره موانئها وثرواتها للصين.
ويمكن مثلا اللجوء إلى نظام B.O.T الذي يخفف الأعباء التمويلية ومخاطرها على الدولة.
يتميز نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية أو (B.O.T) بأن لا تضطر البلد للإقتراض من الدول أو البنوك الأجنبية لإنشاء مشاريع البنى التحتية، وإنما تتكفل الشركات بالتمويل والجدوى الاقتصادية والتأكد من ربحية المشروع.
وبالتالي تحول كل مخاطر المشروع من الناحية المالية والتشغيلية على القطاع الخاص الذي يكون حريص على الإستخدام الأمثل للموارد وإدارة العملية بكفاءة عالية، على أن يتم تشغيل المشروع واقتسام عوائده لمدة معينة تعود بعدها أصول المشروع وإدارته إلى الدولة.
لكن يظل على الحكومة مسؤولية توفير الأمن و تفعيل سلطة القانون لتجنب قيام الفاسدين من السطو على المشروع أو تغيير بنود التعاقدات ضد مصالح البلد في مقابل الحصول على منافع لهؤلاء الفاسدين دون غيرهم.
لذلك، فمشروع طريق الحرير الصيني يعتبر فرصة عظيمة لليمن للتعافي من آثار الحرب بأسرع وقت ولكن يجب العمل على تجنب الموبقات التي تشوب هذا المشروع وسيدفع ثمنها البلد على المدى القصير.
كما أنها فرصة لدخول اليمن في عقود دولية من عينة (البناء والتشغيل ونقل الملكية) مع دول أخرى وتفعيل دور القطاع الخاص لخدمة جهود إعادة التنمية، بحيث تتجنب اليمن سيطرة دولة أو قوى دولية معينة على الإقتصاد الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى السيطرة على السيادة والقرار السياسي اليمني.
المصدر: الحرف28