اليمن

جولة جديدة من انهيار الريال اليمني تُفاقم أسعار السلع

أفضى الصراع الراهن في العملة المطبوعة الذي يشهده اليمن منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى جولة جديدة من انهيار الريال مقابل العملات الأجنبية، إذ يشهد انخفاضا متسارعا في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، ليصل إلى نحو 640 ريالا للدولار في السوق السوداء، في حين يختلف الأمر في صنعاء (شمال) الخاضعة لسيطرة الحوثيين إذ يباع بأقل من 600 ريال، في الوقت الذي يبلغ السعر الرسمي نحو 250 ريالا.

وأدى ذلك إلى فارق سعري كبير في العملة اليمنية ما بين صنعاء وعدن، في ظل رفض الحوثيين العملة الجديدة المطبوعة وتنفيذهم حملة واسعة لمصادرتها ومنع انتشارها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، بينما تعتمد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية على العملة الجديدة المطبوعة في التداول النقدي.

موجة غلاء جديدة

أدى الانخفاض الراهن في الريال اليمني إلى ارتفاعات واسعة في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في عموم المناطق اليمنية، إذ ارتفعت أسعار السلع بنسبة تتجاوز 200% لبعضها، خلال شهر يناير/ كانون الثاني الجاري حسب تجار لـ"العربي الجديد" في عدن بشكل رئيسي وبقية مناطق الحكومة اليمنية مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، إضافة إلى ارتفاعات طفيفة في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين.

ويقول ناصر باشريم، متعهد تجاري في سوق كريتر المركزي وسط مدينة عدن، لـ "العربي الجديد" إن الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية يعود إلى الاضطراب الحاصل في العملة التي لم تستقر عند مستوى معين، بل تشهد اضطرابا واسعا بشكل يومي بنسب كبيرة تصل أحيانا إلى أكثر من 20%، وهو ما يضطر تجار التجزئة إلى زيادة فواتير شراء السلع والمواد الغذائية من تجار الجملة.

بدوره يعبر المواطن أنور سعيد، عن سخطه من الوضع المعيشي وتعقيداته اليومية وتأثيره على الناس.

ويقول سعيد لـ "العربي الجديد": أصبحت حياة المواطنين جحيماً نتيجة غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه الصحية وارتفاع أسعار الوقود والسلع وخصوصاً الغذائية الضرورية في ظل محدودية الدخل وعدم القدرة على الموازنة بين الدخل والنفقات المرتفعة.

طباعة العملة

أرجع خبراء وصيارفة أسباب الفارق في سعر العملة ما بين صنعاء وعدن، إلى عدة أسباب منها ضخ الحكومة اليمنية كتل نقدية من العملة المحلية المطبوعة في مناطقها، حسب الباحث الاقتصادي بلال أحمد لـ"العربي الجديد"، والذي قال إنه في المقابل تعاني مناطق سيطرة الحوثيين من شح كبير في السيولة النقدية ومنع تداول العملة المطبوعة والاعتماد بشكل كلي على العملة القديمة والتي شارفت أغلب فئاتها على التلاشي والانتهاء. 

وفي الوقت الذي أوقف فيه البنك المركزي اليمني في عدن عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية لعدة أيام، وسط توسع فارق الصرف بين صنعاء وعدن وبروز مضاربة واسعة بالعملة، يؤكد مسؤول في الحكومة اليمنية لـ "العربي الجديد" على اتخاذ إجراءات واسعة سيتم تنفيذها لكبح جماح المضاربة بالعملة ووقف الانهيار المتسارع في سعر الريال اليمني مقابل الدولار.

وحسب المسؤول، الذي فضل عدم ذكر هويته، فإن هناك موافقة سعودية على تخصيص مبلغ طارئ بنحو 200 مليون دولار ووضعها تحت تصرف البنك المركزي في عدن لتغذية احتياجات السوق المحلية من السيولة النقدية الأجنبية وتوفير الدولار لمستوردي السلع.

وفي نفس السياق، تحدث مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني في عدن لـ "العربي الجديد"، عن تعميم أصدره البنك لكافة شركات ومحال الصرافة يلزمها بهامش الربح المحدد وعدم تجاوزه، وكذلك الالتزام بالبيع لعملائهم فقط وأخذ البيانات اللازمة وتحديد الغرض من البيع والشراء بشكل تفصيلي.

من جانبه، يقول وكيل البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين في صنعاء، سامي السياغي، إن ما يحدث يؤكد صحة القرار الذي اتخذته صنعاء في مصادرة ومنع تداول العملة الجديدة المطبوعة، والذي جاء حسب تعبيره وفقاً لرؤية اقتصادية ثاقبة للحد من التداعيات الضارة للمطبوع الغزير من العملة والتي يتم ضخها إلى الأسواق دون حساب وبلا معايير اقتصادية ونقدية.

تلاشي الاحتياطي

منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن تم إفراغ البنك المركزي اليمني من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو خمسة مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف التريليون من العملة الوطنية، الأمر الذي هز السوق المصرفية التي تعاني شحا كبيرا في السيولة النقدية وانتشار عملة قديمة مكدسة وتالفه في مناطق سيطرة الحوثيين، والعملة الورقية المطبوعة في مناطق الحكومة اليمنية.

ويشبه الخبير المصرفي يوسف سعيد أحمد، في حديثه لـ"العربي الجديد" وضع انهيار سعر صرف الريال اليمني أمام الدولار بما كان عليه الحال في نهاية عام 2018 حين وصل سعر صرف العملة الأميركية فوق مستوى 800 ريال، ولم يتم حينها كبح جماح تواصل الانهيار وإعادة سعر الصرف إلى وضعة الطبيعي إلا بعد أن أعلنت السعودية عن تقديم وديعة للبنك المركزي اليمني بواقع ملياري دولار مع تقديم منحة مالية للبنك المركزي بمبلغ 200 مليون دولار ودعم لمدخلات محطات الكهرباء بواقع 60 مليون دولار وللأسف لم يتم الالتزام سوي بالوديعة فقط.

والملاحظ كما يقول أحمد، إنه مع نفاد الوديعة يتكرر هذا السيناريو وتتجدد المشكلة بسبب استمرار حالة انكشاف الاقتصاد على الخارج وبقاء الموارد العامة خصوصاً الضريبية والجمركية على حالها دون تحسن كبير، بالتوازي مع نمو الإنفاق بوتيرة أكبر وأسرع من نمو الموارد خاصة، ما تسبب في ارتفاع عجز الموازنة العامة.

ويرجع الخبير المصرفي، الانخفاض الحالي المتسارع في الريال اليمني إلى نفاذ الوديعة والاحتقان السياسي في عدن نتيجة تعثر تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، إضافة إلى الإجراءات التي أقدمت عليها صنعاء بتجريم التعامل مع الطبعات الجديدة من العملة الصادرة عن البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن بزعم أنها عملة غير قانونية.

هذه الإجراءات بطبيعتها والجهات المختلفة التي اشتركت في تنفيذها، ألحقت ضرراً بالغاً بالعملة الوطنية وبدورها السيادي، حسب أحمد.

ويشير إلى أن هذه الإجراءات أحدثت فرقا في سعر الصرف بين عدن وصنعاء وإن كان هذا الفرق غير حقيقي لأن تداول العملة في صنعاء يتم في ظل ندرة السيولة النقدية.