مدينة تعز

القفز على "ستوكهولم" وبلا شروط.. مفاوضات السلام التي ستقود إلى الاستسلام

عام كامل على توقيع الحكومة الشرعية باليمن، والمتمردين الحوثيين، على "اتفاق استوكهولم"، الذي رعته الأمم المتحدة بمملكة السويد، نهاية عام 2018، وتضمن ثلاث اتفاقيات، الأولى: اتفاق حول مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة (الحديدة، الصليف، ورأس عيسى)، والثانية: آلية تنفيذية لتفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، والثالثة: إعلان تفاهمات حول تعز.
ثم تعهَّد الطرفان على تنفيذ الاتفاق، وإزالة أي عوائق تحول دون ذلك، ووقف أي فعل أو تصعيد يقوض تطبيقه، والعمل على مواصلة المشاورات دون قيد أو شرط، بحلول يناير/ كانون الثاني 2019.
 
لم يتحقق من الاتفاق سوى ما يوافق هوى الحوثيين؛ بناء على تفسيراتهم لبعض أحكامه، لا سيما ما يتعلق بالسلطات الأمنية التي تتسلم المواني؛ حيث أصروا على فرض قوات تابعة لهم، بوصفها قوات السلطة المحلية التي كانت تسيطر على الميناء قبل عام 2014، غير أن ذلك ليس واقعياً، وإنما هي قوات أمنية تدين لهم بالولاء؛ أما ما تحقق في جانب الأسرى فأخذت الجهود والمبادرات الاجتماعية الدور الأبرز فيها، فيما ظلت تعز خارجاً عن أي حراك تنفيذي لهذا الاتفاق.
مع التصعيد العسكري الذي أحدثه الحوثيون، أواخر هذا الشهر، في منطقة نهم شرقي صنعاء، وفي مناطق عديدة من الجوف، في صرواح غربي مارب؛ كشف مبعوث الأمم المتحدة ماتن غريفيت، عن عملية سلام جديدة، عنوانها الأبرز "المفاوضات دون شروط مسبقّة"، وهي بهذا الكيف تستند إلى ما تعهَّد عليه طرفا اتفاق استوكهولم، في البند الثالث منه، لكنها تتجاهل الاتفاق إجمالاً؛ لأنه لا يزال متعثراً.
 
 والحديث عن اتفاق سلام شامل، يمثل قفزاً والتفافاً على اتفاق استوكهولم، وهو في الوقت ذاته؛ وفقاً للتوصيف "دون شروط مسبّقة"، يعني فتح نقاشات تفاوضية حول وجاهة بقاء المرجعيات التي تصر عليها الحكومة الشرعية، كأساس لأي مفاوضات، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 2216 لعام 2015.
 


في السياق، خرج السفير البريطاني باليمن، ميشال آرون، بتصريحات صحافية مفادها أن مفاوضات السلام التي يجب أن ينخرط فيها أطراف النزاع في اليمن، إنما يفرضها الأمر الواقع، وأن اتفاق استوكهولم تجُبّه وقوع تحولات سياسية وعسكرية في الساحة اليمنية، مشيراً في تصريح آخر متلفز، إلى أن مجلس الأمن سيناقش قريباً وقف التصعيد العسكري الذي شهدته منطقة نهم، وتنفيذ اتفاق الرياض، وإعادة التهدئة بين السعودية والحوثيين.
 
ما يعنيه السفير البريطاني بالتحولات الجديدة؛ بروز المجلس الانتقالي الجنوبي، كقوة ثالثة في معادلة الصراع، بعد الاعتراف به بموجب اتفاق الرياض الذي جمع بينه وبين الحكومة الشرعية، وكذا محاولة ظهور قوة رابعة يمثلها التيار المؤتمري الذي خرج منهزماً أمام الحوثيين بصنعاء، بعد أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2018، التي قتل فيها الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، وأصبح لهذا التيار قوات مسلحة تفرض نفوذها في الساحل الغربي للبلاد، بمحافظتي تعز والحديدة، وإضافة إلى اضطلاع السعودية، عملياً، بالملف اليمني، بعد الخروج الجزئي للقوات الإماراتية من اليمن.
 
التصعيد الذي قام به الحوثيون في نهم بصنعاء، وبراقش في الجوف، وأخيراً في البيضاء؛ والعمليات المضادة التي قام بها الجيش الوطني في جبل هيلان بصرواح مارب، ونهم، والجوف؛ تمثل رداً وتهميداً عملياً للقبول من جانب الحوثيين، والرفض من قبل الحكومة اليمنية، إزاء تحركات مارتن غريفيث.

لقد حاول الحوثيون بعملياتهم هذه، فرض واقع عسكري جديدة، يمهد للدخول في مفاوضات السلام التي يسعى إليها المبعوث الأممي غريفت؛ حيث كان طموحهم الانقضاض على مارب أو تهديدها بالوصول إلى أسوارها، ومن ثم محاصرتها، في محاكاة انقلابية لما قام به المجلس الانتقالي الجنوبي بعدن، في أغسطس/ آب 2019، وبما ينسجم مع توجهات المبعوث الأممي، والدور الذي تلعبه بلاده (بريطانيا)، في اتجاه إعادة اليمن، سياسياً، إلى ما قبل 1962 و1967، وجغرافياً إلى ما قبل 1990، مع تحقيق ضمانات أمنية للسعودية، وتقاسم مكاسب الحرب معها في الجنوب، إلى جانب الإمارات والولايات المتحدة.

 

هذه ليست تكهنات كما قد يتخيلها البعض، ولعل خمس سنوات من الحرب العبثية، بذريعة دحر الحوثيين المدعومين من إيران، واليافظات الخادعة التي يرفعها هؤلاء بشأن الحفاظ على وحدة اليمن، وفقاً لقرارات مجلس الأمن، ومقررات اتفاق الرياض 2015؛ في وقت ازداد فيه الحوثيون قوة، وازدادت الشرعية وهناً وتصدعاً؛ نتيجة لتفريخ الميليشيات والكيانات السياسية المناوئة لها، والإبقاء على ضعف قدراتها العسكرية، وعدم تمكين الرئيس هادي والحكومة من خلق أسباب وظروف العودة إلى عدن.
 
هكذا يبدو أن الحكومة الشرعية باتت مدركة لخطورة ما تمر به من مؤامرات يضمرها الصديق قبل العدو، لكنها مع ذلك لا تزال تتعامل بشيء من الحكمة؛ حيث يحرص خطابها السياسي على التمسك بالتحالف، والتأكيد على المرجعيات الثلاث، كأساس لأي مفاوضات، والمتمسك بتنفيذ اتفاق استوكهولم، واتفاق الرياض، ومن ثم الحديث عن مفاوضات سلام شامل.


تواجه الحكومة الشرعية تحديات كثيرة، لكن بعضها قابل للمواجهة، ومن ذلك عدم استقلال القرار السياسي والعسكري، وصعوبة الحصول على الموارد الكافية التي تتطلبها مناشط مؤسسات الدولة، في ظل المنافسة عليها من قبل الحوثيين، الذين يسيطرون على ثلاثة منافذ بحربة، وهيئات إيراديه تدر عوائد كبيرة؛ بفعل الثقل السكاني في مناطق نفوذهم. ويضاف إلى هذه التحديات الفساد الذي يربض في مؤسسات الدولة في ظل غياب المؤسسات الرقابية والمحاسبية.
 
إذا كان هنالك من توصيات، فإنه يتعين على الحكومة أن تعمل، كخطوة أولى، على اتخاذ تدابير عاجلة لترتيب صفوف القوات المسلحة والأمن، وتصحيح الاختلالات القيادية والمالية والإدارية فيها، وتوفير الموارد الدائمة لمواجهة مرتبات الجيش المتوقفة، واستدامة ذلك مستقبلاً.


وعدم الخضوع لأي إملاءات تتعلق بإجراء مفاوضات سلام شامل، قبل الفراغ من تنفيذ اتفاق الرياض كاملاً، وتفعيل اتفاق استكهولم خلال فترة مزمنة، بما في ذلك ما يتعلق بتعز، ومسألة تبادل الأسرى، فضلاً عن العمل على سرعة عودة كافة أعضاء الحكومة وموظفيها، عسكريين ومدنيين، وأعضاء البرلمان، إلى أي محافظة تتهيأ فيها أسباب الأمن الكافي لهذه الخطوة.
 
إن المراهنة على التحالف العربي، في ضمان استعادة الدولة، والحفاظ على وحدة البلاد، وتحقيق الاستقرار السياسي والأمن الوطني، ككل؛ لن يحقق من ذلك شيء، ولعل مرور خمس سنوات على الحرب، دون لمس شيء من ذلك، لكافٍ لإعادة النظر وإصلاح الخلل، ما لم فإن عواقب ذلك ستكون وخيمة.

 

*على الذهب: دكتوراه في تكنولوجيا النقل البحري، ومحلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، وكاتب دراسات في مراكز أبحاث عربية.

 

حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"©2020 

 

 

- فيديو :