الموقع الجغرافي للوطن العربي، واحد من أبرز الإشكاليات، التي تجعله مطمعا للعديد من القوى العالمية، عبر التاريخ، الذي كانت فيه الممرات المائية الثلاثة "مضيق هرمز، وباب المندب، وجبل طارق"، من المواقع الأكثر استهدافا، حول العالم.
ويعد باب المندب، أحد المضايق والممرات الاستراتيجية، التي تسعى القوى العالمية للسيطرة عليها، لأنه يمثل البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، الذي يربطه بخليج عدن.
وقد تسببت التطورات الميدانية في حرب اليمن، في إثارة تساؤلات كثيرة، حول وجود مطامع أمريكية وإيرانية وتركية:
خلط الأوراق
قال السفير قاسم عسكر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الجمعية الوطنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي لليمن: "تدور الصراعات حول مضيق باب المندب، منذ عقود، وفي الآونة الأخيرة هناك بعض الدول، التي تحاول خلط الأوراق في المنطقة، وعلى سبيل المثال فإن الدعم الإيراني للحوثيين يهدف إلى السيطرة على مضيق هرمز وباب المندب، من أجل التوسع والسيطرة وفك الحصار المفروض عليهم نتيجة تدخلهم في العراق واليمن".
وأضاف عسكر، في حديث لـ"سبوتنيك" أن "التطلعات الإيرانية تهدف بأن يكون لها دور إقليمي فاعل وتشارك في صياغة القرار الدولي في هذه المنطقة، ولا تكف تركيا عن طريق أذرعها في حزب الإصلاح، وأن تمد نفوذها إلى هذه المناطق، من أجل استعادة الإمبراطورية العثمانية التي عفا عليها الزمن".
وأشار رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالجمعية الوطنية إلى أن "الأطماع موجودة بالفعل، لكن دول المنطقة قد أخذت تدابير جدية وعقدت العزم على حماية هذا الممر الدولي وتأمين الملاحة الدولية، وكان ضمن تلك الإجراءات، الاجتماع العربي الأفريقي، الذي دعت إليه الرياض، بحضور مصر "اجتماع دول البحر الأحمر".
وتابع: "تلك المبادرة كانت في الاتجاه الصحيح، وأعتقد أن التعاون الإقليمي سوف يقف حاجزا ضد الأحلام الإيرانية والتركية في باب المندب".
وأكد عسكر أن "حزب الإصلاح بدأ يتراجع على الساحة اليمنية وتحاول تركيا تغذيته، لكن الحزب ليس بالقوة القادرة على زعزعة الوضع في البحر الأحمر وباب المندب ومضيق هرمز، لأن مضيق باب المندب هو جزأ لا يتجزأ من الأرض الجنوبية، ولن يسمحوا لهذه القوى بأن تسيطر أو يكون لها وجود جدي، وهم مستعدون للدفاع عنه بالتعاون مع مصر والسعودية والإمارات".
السيطرة الفعلية
وقال العميد عزيز راشد، الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني: "توجد اليوم بعض القطع البحرية للأسطول الأمريكيالسابع في باب المندب، وهو آخر المضايق، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة عقب تقديم تسهيلات عسكرية وبناء قواعد أمريكية في عدن، من خلال إبرام اتفاقيات أبرمها "نظام" الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، مقابل مساعدات مالية وأمنية تحت ذريعة محاربة الإرهاب".
وتابع لـ"سبوتنيك": "جاء ذلك عقب تفجير المدمرة الأمريكية كول، قبالة السواحل اليمنية، التي كانت ذريعة للسيطرة على شواطئ البحر العربي في المياه الإقليمية اليمنية في العام 2003".
وتابع راشد: "خلال احتلال العراق، قامت أمريكا بضربه بصواريخ كروز وتوماهوك، من على ظهر هذه البارجات، التي عبرت أجواء الجزيرة العربية وصولا إلى الهدف في قلب العراق من داخل المياه الإقليمية العربية في اليمن".
واستطرد: "تعد حرب الخليج الأولى والثانية من أهم المكاسب الأمريكية، التي توسعت فيها القوات الأمريكية البرية والبحرية والجوية من خلال إنشاء القواعد العسكرية والتسهيلات متعددة الأغراض في المنطقة، واتخذت من الإرهاب ذريعة لفرض مشروع جديد للمنطقة".
وأوضح: "هذا الأمر، أدى إلى اضطراب المنطقة والإقليم المحيط بسبب وجود القطع البحرية الأجنبية بكثافة،التي تبشر بفرض سيطرة على الممرات والمضايق البحرية العربية وتعريض الأمن القومي العربي إلى خطر بغرض تدويلها حتى يسهل تنفيذ مشاريع الهيمنة، بالإضافة إلى خلق أسباب للوجود، من خلال قيام الولايات المتحدة بإيجاد القراصنة الصوماليين في البحر الأحمر وباب المندب".
وأوضح راشد: "بعد الحرب في اليمن منذ العام 2015 من يتحكم بباب المندب هي الولايات المتحدة الأمريكية، وأن وجود بعض القطع البحرية الروسية والصينية والبريطانية والفرنسية وبعض الدول، التي ترسل سفنها من أجل تأمين الملاحة، والكل يتخوف من فرض السيطرة الأمريكية على أهم ممر في العالم".
المضيق الحيوي
قال محمود البتاكوشي، الباحث المصري في الشأن التركي، إن "محاولات تركيا للسيطرة على مضيق باب المندب لا تنتهى إذ باتت تمدد نفوذها نحو المضيق الحيوي، وعن طريق دول القرن الأفريقي، وفي مقدمتها الصومال وجيبوتي".
وأضاف الباحث المصري، لـ"سبوتنيك" أن "الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، التي تحاول تركيا الوصول إليها، تشرف على بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي، كما أنها تمده بمساحة برية كبيرة، تمثل نقطة الانطلاق من المياه إلى البر، وصولا إلى قلب أفريقيا".
وأشار البتاكوشي، إلى أن "السياسة الخارجية التركية أخذت في الاهتمام بأفريقيا منذ عام 2009 ويعد أحد الشواهد على ذلك وصول عدد السفارات التركية في أفريقيا إلى 41 سفارة، بعد أن كانت 13 سفارة قبل هذا التاريخ".
وأضاف الباحث في الشأن التركي، إلى أن "تركيا تحاول من خلال قاعدتها العسكرية في الصومال إيجاد موضع قدم لها في معادلة القرن الأفريقي من أجل بسط نفوذها على مضيق باب المندب وهضبة إثيوبيا".
وتابع: "نجحت بالفعل في تحركها حتى الآن، بعد أن قامت بتنويع أدواتها ما بين المساعدات الإنسانية والتعليمية وإدارة الكوارث والطوارئ، بالإضافة إلى الاستثمارات التركية في البلدان الأفريقية، التي 6 تقدر بـمليارات الدولارات".
ولفت الباحث في الشأن التركي، إلى أنه على المستوى التعليمي، فقد بلغ عدد الطلاب الأفارقة الحاصلين على منح دراسية تركية، إلى 10 آلاف و474 طالب، منذ عام 1992 وحتى الآن.