عادت خلال الأيام القليلة الماضية، المعارك العنيفة بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة "الحوثي"، شرق العاصمة اليمنية صنعاء، بعد نحو عامين على هدنة مفترضة، اتسمت الحرب قبلها باستنزاف الجانبين للمقاتلين في جبال ومرتفعات وعرة.
غير أن هذه المرة بات الوضع مختلفاً، فالحوثيون استعادوا السيطرة على جبال ومواقع استراتيجية في مديرية نهم شرق صنعاء، وصفها القيادي في الجماعة "محمد علي الحوثي"، عضو المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة حاكمة للحوثيين)، بأنها أهم الجبهات في صنعاء.
ويقول مصدر عسكري للأناضول، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، إن الحوثيين سيطروا على سلسلة "جبال يام" و"معسكر اللواء 312" في منطقة فرضة نهم، وهو المعسكر الذي يمثّل أحد أهم المواقع في مديرية نهم التي تعد بوابة العاصمة الشرقية.
وكانت القوات الحكومية قد سيطرت على المعسكر في فبراير/شباط 2016، قبل أن تخسره الجمعة الماضي.
3 محاور
قبل اندلاع المعارك، حشد الحوثيون مئات المقاتلين شرق صنعاء، إذ كانت أنظارهم تتجه إلى محافظة مأرب النفطية، معقل القوات الحكومية منذ اندلاع الحرب مطلع العام 2015.
واستغل الحوثيون الهدنة المفترضة مع السعودية التي تقود التحالف العربي، إذ ضمنوا الإعداد الكامل للهجوم باتجاه مأرب من 3 محاور، الأول كان من مديرية صرواح جنوب غرب مأرب.
ويقول المصدر العسكري، إن الحوثيين سيطروا على معظم المواقع العسكرية للقوات الحكومية في جبل "هيلان" المطل على الجهة الغربية لمدينة مأرب، قبل أن تصد قوات الحكومة الهجوم وتشن هجوماً مضاداً مسنود بمقاتلات التحالف، استعادت على أثره معظم المواقع في الجبل.
أما المحور الثاني، فكان الهجوم من مديرية نهم غرب مأرب (التابعة إدارياً لمحافظة صنعاء)، وفيه شن الحوثيون هجمات عنيفة، وحققوا مكاسب عسكرية كبيرة، فيما تحدثت تقارير صحفية عن أن الحوثيين اخترقوا منظومة الاتصالات للقوات الحكومية.
وبحسب المصدر العسكري ذاته، فإن قوات الجيش الحكومي تراجعت إلى حدود محافظة مأرب.
والمحور الثالث، كان في مديرية مجزر شمال غرب مأرب، إذ وجد الحوثيون مساحة مفتوحة للتقدم فيها، وسيطروا على مدينة "براقش" التاريخية ومناطق عسكرية مهمة كان الجيش قد سيطر عليها عام 2016.
وتسببت المعارك في وقف حركة السير على الطريق الوحيد الرابط بين محافظتي مأرب والجوف، ما دفع الأهالي لسلوك طرق صحراوية.
في السياق، يقول مصدر في هيئة الأركان بالقوات الحكومية، لوكالة الأناضول، إن الحوثيين حشدوا قوات كبيرة، للهجوم الكبير، مشيراً إلى سقوط عشرات من مقاتلي الطرفين قتلى وجرحى، دون أن يورد حصيلة.
الاستفراد بالخصوم
ويبدو أن الحوثيين استغلوا الأزمة في الجنوب بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، والتهدئة المفترضة بينهم والسعودية، للاستفراد من جديد بخصومهم، وهو ما دفع وزير الخارجية "محمد الحضرمي"، إلى التلويح بالانسحاب من اتفاق السويد.
وقال "الحضرمي" في تصريح صحفي سابق، إن اتفاق السويد المتعلق بالوضع في مدينة الحديدة، وفر غطاءً لتصعيد الحوثيين في مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء.
كما أعلن المتحدث باسم الحكومة اليمينة "راجح بادي"، في تصريحات صحفية، "وفاة اتفاق السويد بشكل رسمي"، متهماً الجماعة باستغلال الاتفاق للهجوم الكبير باتجاه مأرب.
ووفق مصدر حكومي، فإن الحوثيين بدأوا التصعيد باستهدافهم لمعسكر في مأرب، ما أدى إلى مقتل أكثر من 110 جنود، وهو الأمر الذي جعل الحكومة ترفع تقييم المخاطر من احتمالية تركيز الحوثيين على مأرب.
وفي المقابل، توعد محافظ مأرب "سلطان العرادة"، الحوثيين بالقتال، وأكد في اجتماع له بالسلطات العسكرية والأمنية بالمحافظة، إن "أقدام ميليشيا الحوثي الانقلابية لن تطأ المحافظة مرة أخرى".
ووصفت وزارة الدفاع بالحكومة اليمنية، تراجع قواتها بأنه "انسحاب تكتيكي".
نفط مأرب
ما حققته القوات الحكومية بدعم من مقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية شرق العاصمة خلال 3 سنوات، خسرته في أقل من أسبوع، في مشهد صادم من جانب ومبشّر لآخرين.
وظهر القيادي العسكري الحوثي، رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية والاستطلاع اللواء "أبوعلي الحاكم"، وهو يتجول مع قيادات بارزة من قواته في "معسكر 312 مدرع"، الذي يمثّل أبرز المواقع شرق صنعاء.
ويقول "طعيمان جعبل"، وهو مراقب عسكري وأحد القيادات المحلية في مدينة مارب، إن الحوثيين استغلوا ضعف الجنود في مديرية نهم، وشنوا هجوم كبير.
ويضيف "جعبل" للأناضول: "لا يقدم دعم كافي للجنود في نهم، ورواتبهم متوقفة منذ 8 أشهر، كما أن جرحى الجيش لم يلقوا أي اهتمام، والكثير منهم يعانون دون أن تلتفت لهم الحكومة".
ويرى أن هدف وخطة الحوثيين تقتضي بشن هجوم شامل ينتهي بالسيطرة على محافظتي الجوف ومأرب، عبر 3 مراحل، بالإسناد على الحشد الكبير، وعنصر المفاجأة والمباغتة، وأخطاء وغفلة وتشتت الحكومة والتحالف.
ويشير إلى أن مأرب لن تسقط في يد الحوثيين، خصوصاً أنها المعقل الرئيسي للقوات الحكومية، كما أن الحوثيين سبق أن حاولوا وفشلوا إبان سيطرتهم على معظم محافظات البلاد مطلع العام 2015.
قواعد اشتباك جديدة
أما الصحفي والباحث السياسي "فهد سلطان"، فيعتقد أن التصعيد العسكري للحوثيين، "خطوة لا تخرج عن سياق قواعد الاشتباك التي ترسمها وتتزعمها كلاً من الإمارات والسعودية، لانتزاع القرار السيادي للحكومة اليمنية في شبوة".
ويشير "سلطان" في حديثه للأناضول، إلى أن تمرد الحكومة على السعودية والإمارات في شبوة، أغضب الدولتين، لتعيدا فتح الطريق أمام الحوثيين نحو مأرب من خلال وقف عمل المنظومة الصاروخية، وكان مقتل الجنود في معسكر الاستقبال إشارة واضحة على ذلك.
ويقول إن "الذي يجري هو ابتزاز للجيش بمأرب، إما تسلم شبوة أو سوف تُسلم الجوف ومأرب للحوثيين، لم يكن هناك هزيمة في نهم وإنما هناك انسحاب من قبل التحالف ومن قبل وزير الدفاع".
المصدر: الأناضول