بلال ياسين:
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها في القاهرة ديكلان وولش، يقول فيه إن القصف على مركز احتجاز للمهاجرين في ليبيا، الذي قتل فيه أعداد منهم، يعد جريمة حرب، بحسب تحقيق للأمم المتحدة، مشيرا إلى أن المشكلة هي أنها فشلت في الكشف عن هوية الفاعل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الأمم المتحدة كانت راغبة في التحقيق في القصف الذي يعد من أكثر الحوادث الصادمة في الحرب الليبية.
ويفيد وولش بأن تقرير الأمم المتحدة، الذي نشرته الأسبوع الماضي، وجاء في 13 صفحة، وصف بتفاصيل واضحة القصف على مركز احتجاز المهاجرين في بلدة تاجوراء القريبة من العاصمة طرابلس، وقتل فيه 53 شخصا، معظمهم من المهاجرين الأفارقة.
وتذكر الصحيفة أن التقرير الأممي احتوى على شهادات من الناجين، وقاس الحفرة التي أحدثتها القنبلة التي أصابت المركز، وطالب بالتحقيق في جرائم الحرب، مشيرة إلى أن ما فشلت الأمم المتحدة بشكل واضح في ذكره هو اسم الفاعل، فاكتفى معدو التقرير بالحديث عن "دولة أجنبية".
ويلفت التقرير إلى أن المحللين يرون أن فشل الأمم المتحدة في تحديد أو حتى التلميح لمن يقف وراء القصف هو دليل على ضعف نظام حظر تصدير السلاح المفروض على ليبيا منذ تسعة أعوام، الذي استهزأ منه مبعوث المنظمة الأممية إلى ليبيا، لدرجة أنه أصبح "نكتة ساخرة".
ويقول الكاتب إن هناك على الأقل ست دول تقوم بتغذية الفوضى في ليبيا، وتقدم السلاح والمرتزقة أو المستشارين العسكريين للفصائل المتصارعة التي تتقاتل للسيطرة على البلد الغني بالنفط، مشيرا إلى أنه لم تتم مساءلة أو محاسبة أي من هذه الدول اللاعبة من خلال استغلال الانقسام الدولي بشأن ليبيا أو علاقاتها مع القوى الغربية، مثل الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان لا يتم ذكر اسمها.
وتنقل الصحيفة عن أربعة مسؤولين في الأمم المتحدة، قولهم إن الدولة التي لم يذكر اسمها في تقرير الأمم المتحدة هي الإمارات العربية المتحدة، حليفة الولايات المتحدة، والداعم الرئيسي لخليفة حفتر، القائد الذي تقوم قواته بمحاصرة العاصمة الليبية منذ نيسان/ أبريل العام الماضي.
ويورد التقرير نقلا عن مسؤولين، قولهم إن وفرة الأدلة التقنية والعرضية تؤشر كلها إلى الإمارات، بما في ذلك طائرة ميراج العسكرية التي تصنعها فرنسا، التي كانت قادرة على القيام بهذه العملية مخلفة وراءها آثارا مدمرة.
ويقول وولش إن الإمارات ربما كانت من أخطر منتهكي الحظر المفروض على ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى الدول الأخرى التي أدخلت نفسها في الحرب إلى جانب حفتر، انضمت للإمارات روسيا ومصر والأردن وفرنسا، أما على جانب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس فهناك تركيا.
وتنوه الصحيفة إلى أن مفتشي الأمم المتحدة يصدرون تقارير كل عام يوثقون فيها الأسلحة التي تقوم الدول الأجنبية بضخها إلى ساحة المعركة: مقاتلات عسكرية، وطائرات دون طيار، وقذائف مدفعية موجهة بالليزر، وأنظمة دفاع صاروخية وكميات ضخمة من الأسلحة الصغيرة.
ويشير التقرير إلى أنه لم يتعرض أي من منتهكي للحظر للعقاب أو الرقابة، فمنذ عام2011 قدم المفتشون ملفات إلى لجنة العقوبات في مجلس الأمن، وتحتوي على انتهاكات للحظر قامت بها عدة دول، بينها الإمارات العربية المتحدة، لافتا إلى أنه لم توجه عقوبات إلا لشخصين غير ليبيين، وهما مهربان إريتريان اتهما بتهريب البشر عام 2018.
ويفيد الكاتب بأن الشكوك ثارت حول قدرة نظام حظر السلاح بعد مؤتمر برلين في 19 كانون الثاني/ يناير، حيث اجتمعت الدول المعنية بليبيا ووقعت على بيان من 55 نقطة، للدفع باتجاه وقف إطلاق النار، وتعهد المشاركون بمنع تدفق السلاح الخارجي لطرفي النزاع، مشيرا إلى أن الحبر الذي كتب فيه البيان لم يجف إلا وتواصل تدفق السلاح إلى المتحاربين تحضيرا على ما يبدو أنه جولة ثانية من القتال.
وتلفت الصحيفة إلى أن البوارج الحربية التركية تحركت إلى المياه الليبية الأسبوع الماضي، حيث رافقت سفينة محملة بالعربات العسكرية إلى حكومة طرابلس، بالإضافة إلى إرسالها مقاتلين سوريين للمشاركة في القتال، مشيرة إلى أن طائرات محملة بالسلاح وصلت إلى شرقي ليبيا لقاعدة عسكرية تسيطر عليها الإمارات، ما أثار تكهنات بأنها كانت محملة بأسلحة إلى حفتر.
وينوه التقرير إلى أن الخرق الصارخ للحظر منذ مؤتمر برلين أدى إلى رد غاضب من المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، الذي شجب في خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن، من أطلق عليهم "اللاعبين الذين لا ضمير لديهم.. يوافقون بسخرية دعما للجهود السلمية ويتظاهرون بدعم الأمم المتحدة"، وفي الوقت ذاته "يضاعفون من دعمهم للحل العسكري بشكل يزيد من احتمال نزاع عسكري شامل ومعاناة أخرى للشعب الليبي".
ويعلق وولش قائلا إن كلام سلامة يبدو أنه كان موجها ضد الرئيس رجب طيب أردوغان والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، وكلاهما وقع على بيان برلين.
وتشير الصحيفة إلى أن الهجوم على مركز المهاجرين الذين علقوا وسط الحرب الأهلية أثار انتباه العالم، فبالإضافة إلى مقتل 53 شخصا فإنه جرح 80 آخرين، لافتة إلى أنه منذ بداية الهجوم الذي شنه حفتر، الذي كان جنرالا سابقا مع القذافي، على طرابلس، قتل 2200 شخص، وتأثرت أسعار النفط عندما قامت قوات تابعة له بقطع معظم إنتاج النفط.
وبحسب التقرير، فإن الإمارات تعد من أهم داعمي حفتر وتم تحديدها في تقارير متتالية بالدولة الرئيسية التي خرقت نظام حظر السلاح على ليبيا، ومع ذلك تجنبت العقوبات، حتى بعدما اتهمت بقتل مدنيين، حيث اعتمدت على حلفاء أقوياء، مثل فرنسا والولايات المتحدة.
ويورد الكاتب نقلا عن المحلل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، ولفرام لاتشر، قوله: "هناك شيفرة صمت حول دور الإمارات، وهذا أمر سياسي بالضرورة"، وأضاف لاتشر: "لا أحد يريد توترا في علاقاته مع الإمارات بسبب دورها في ليبيا".
وتذكر الصحيفة أن متحدثا باسم الإمارات، التي تنفي أي دور لها في ليبيا، رفض التعليق، مشيرة إلى أن النقاد يتهمون بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ومفوضية حقوق الإنسان التي ساهمت في كتابة التقرير عن هجوم تاجوراء، بعدم الشدة مع الدول الأجنبية التي تتدخل في ليبيا، وتجنب تسميتها.
وينقل التقرير عن المحامية الأمريكية من معهد كوينسي، سارة ليا ويتسون، قولها: "الفشل في ذكر أسماء الجهات المسؤولة عن الانتهاكات أمر مثير للقلق.. يجب على الأمم المتحدة أن تقوم بجهود خاصة لتظهر أنها لا تتردد من ناحية تحديد أسماء مهربي السلاح ومن يكسرون نظام حظر الأسلحة"، فيما قال متحدث باسم الأمم المتحدة إن المنظمة نشرت كل شيء تعرفه عن الحادث.
ويفيد وولش بأن المحققين يعترفون بأن من الصعوبة الحصول على أدلة على حوادث، مثل تاجوراء، بسبب الوضع الأمني، إلا أنهم يشيرون إلى التنافس الدولي على ليبيا بصفته عائقا لعملهم، مشيرا إلى أنه عندما يتعلق الأمر بخارقي نظام حظر الأسلحة فإن الدول الغربية القوية، مثل أمريكا وبريطانيا، تتردد في مشاركة الأمم المتحدة بالمعلومات حتى لا تحرج حلفاءها العرب، مثل مصر والإمارات، بحسب قول المسؤولين في المنظمة الدولية.
وتلفت الصحيفة إلى أن دولا أخرى أدخلت نفسها في الحرب الليبية، فقد أرسلت روسيا خريف العام الماضي مرتزقة يعملون في شركة مقربة من الكرملين لدعم حفتر، ويعد الأردن من أكبر المزودين للسلاح للجنرال، أما مصر فتقدم له الدعم الدبلوماسي واللوجيستي، فينا أعلنت تركيا عن مشاركتها في الحرب الليبية عبر قرار وافق عليه البرلمان.
وينوه التقرير إلى أن دور فرنسا في ليبيا تعرض للانتقاد أيضا، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاجم في الأسبوع الماضي تركيا، واتهمها بالتراجع عن وعدها بالخروج من ليبيا، لكن ماكرون متهم بالتدخل في القتال إلى جانب حفتر.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول إن الموقف الأمريكي في البلد يظل غامضا إلا حين يتعلق الأمر بقتال تنظيم الدولة أو شجب الدور الروسي هناك، مستدركة بأن الولايات المتحدة تعطي على ما يبدو غطاء للإمارات، كما ورد في شهادة المسؤول البارز في البنتاغون الجنرال ستفين تاونسند أمام الكونغرس، الذي شجب تركيا وروسيا، وتجنب ذكر دور الإمارات.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)