بدأ أمسالاثنين (3 فبراير/ شباط) تسييّر أولى الرحلات الجوية من مطار صنعاء الدولي، بموجب الإعلان الذي أطلقه التحالف العربي في اليمن قبل أسابيع باستئناف الرحلات الجوية من المطار الخاضع لسيطرة ميليشيات الحوثي، والمتوقف عن العمل منذ سنوات.
وأوقف التحالف العربي العمل في مطار صنعاء منذ منتصف 2016، بحجة استخدام الحوثيون له في الأغراض العسكرية، ليقتصر منذ ذلك الحين على رحلات استقبال ومغادرة الوفود الأممية، على رأسها مبعوثي الأمم المتحدة إلى اليمن، ووفود البعثات الأممية العاملة في المجال الإغاثي والإنساني.
مبادرة سعودية لتعزيز الثقة
وخلال فترة إغلاق مطار صنعاء، مارس مبعوثي الأمم المتحدة إلى اليمن، المعنيين بملف المفاوضات السياسية، ومعهم المجتمع الدولي، ضغوطات متواصلة على التحالف العربي والحكومة اليمنية بشأن إعادة العمل في المطار، بناء على مطالب واشتراطات مليشيا الحوثي طوال المفاوضات السياسية الماضية.
ومؤخرا، مع دخول المملكة السعودية- قائدة التحالف العربي باليمن- في مشاورات غير مباشرة مع ميليشيات الحوثي، أعلن الناطق بإسم التحالف العربي العقيد تركي المالكي، في بيان نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنه تم الأتفاق على فتح مطار صنعاء لتسيير الرحلات العلاجية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، على أن تبدأ أولى الرحلات يومنا هذا الأثنين.
وبالتزامن مع هذا الإعلان، أطلقت السعودية 200 أسير حوثي. وأوضح المالكي أن هذه المبادرة "تأتي انطلاقاً من حرص قيادة التحالف على مواصلة دعم جهود حل الأزمة في اليمن". فيما عدّ مراقبون ذلك كبادرة "حسن نوايا" من الجانب السعودي لخلق المزيد من الثقة في المشاورات غير المعلنة مع ميليشيات الحوثي.
وكانت وكالة اسوشيتد برس الاميركية، كشفت في ذلك الحين، أن السعودية تجري محادثات "غير مباشرة"، من وراء الكواليس، مع الإنقلابيين الحوثيين "تركز على أهداف مؤقتة، مثل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي في العاصمة صنعاء، وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود اليمنية السعودية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين".
تصعيد حوثي!!
وقبل أسبوعين فقط، من الأن، صعّدت ميليشيات الحوثي من عملياتها الميدانية، وشنت هجمات عسكرية على مواقع الجيش الوطني في جبهات نهم (شرق صنعاء)، وصولا إلى مفرق الجوف- مأرب- صنعاء.
وفي حين كان الكثيرون يتوقعون أن يتخذ التحالف العربي موقفا حازما إزاء هذا التصعيد، ظهر ناطق التحالف وسط الأسبوع الماضي- في خضم تلك المعارك الجديدة- ليجدد التأكيد على استئناف الرحلات في مطار صنعاء، بدءً من 3 فبراير (اليوم).
الأمر الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام، حول طبيعة الصفقة التي تمت بين الجانبين، خصوصا وأن الميليشيات الحوثية المتحكمة بمطار صنعاء، هي اليوم- دون غيرها- بأمّسّ الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لتسفير جرحاها للعلاج في الخارج، بالنظر إلى حجم الجرحى الكبير لمقاتليها في المعارك الأخيرة.
وكانت الحكومة اليمنية، في مشاورات سابقة، وضعت شروطا إجرائية محددة لإعادة افتتاح المطار لنقل الحالات المرضية الحرجة إلى الخارج للعلاج، بينها أن تمر الرحلات عبر أحد المطارات الجوية الواقعة تحت سيطرة الحكومة للتفتيش وضمان التأكد من صحة تقارير الجرحى وحاجتهم السفر للعلاج في الخارج.
وهو الشرط الذي لم يعد موجودا اليوم، ولم تأبه له الحكومة التي لم تبدِ أي أعتراض، أو حتى تعليقا، على ما أعلنه التحالف العربي بهذا الخصوص. وقد أكد المتحدث الرسمي للتحالف، العقيد المالكي، وفي بيانه يوم 27 يناير الماضي، أن جسر الإخلاء الجوي (طائرات الرحمة) سينطلق من اليمن (مباشرة) إلى جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.
ترتيبات جديدة
في قراءته لكل تلك المعطيات، يشير المحلل السياسي اليمني عبدالباقي شمسان إلى أن الحوارات غير المعلنة بين السعودية والحوثيين، تمضي وفق اتفاق دولي لترتيب الجغرافيا اليمنية.
وأضاف لـ"يمن شباب نت": ويقضي هذا الترتيب أن يكون هناك فاعل رئيسي في الجنوب يتمثل بما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وفاعل آخر في الشمال ممثلا بـ"الحوثي"، مع ترتيب ورقة المناطق الساحلية، وكذا محافظتي تعز والحديدة عن طريق مرجعيات منفصلة، بينها اتفاق استوكهولم.
وعلى هذا الأساس، يرى أن عملية استئناف فتح مطار صنعاء، بمثابة "تعميد للحوثيين كفاعل غير الدولة، وكسلطة واقعية رئيسية تدير جغرافية يمنية، وتلك الخطوة تنفيس عنهم واعتراف بهم، فالدول التي لها مصالح في بلادنا تريد لتلك الجماعة أن يكون لها حضورا ومكانا في مشروعها الجديد".
وفيما يتعلق بتهميش الحكومة اليمنية، في الوقت الذي يتم فيه التغاضي عن تصعيد الحوثي ميدانيا، يرجع شمسان ذلك إلى متطلبات الصراع الإقليمي والدولي القائم على إضعاف الشرعية وتقاسم ثروات البلاد.
وأستدرك: فالسعودية والإمارات لهما مصالح استراتيجية مشتركة في المناطق الجنوبية، بينما تريد السعودية الأن ضمان الجانب الحوثي من حيث عدم الاعتداء على مناطقها، وعدم عملهم في إطار المشروع الإيراني.
وحذر شمسان السعودية من أن تكون مطمئنة أن حوارها مع جماعة الحوثي سيمكنها من تأمين تلك الجوانب السابقة التي تريد ضمانها منهم، على أعتبار أنهم يشكلون امتدادا للملكيين الذين توافقت معهم ودعمتهم في مواجهة الجمهوريين اليمنيين عقب ثورة 26 سبتمبر/ أيلول عام 1962، لكن ذلك ليس صحيحا، وسيكون بمثابة خطأ كبير، فتلك المليشيات مختلفة تماما اليوم.
ومع ذلك، يتوقع شمسان أن تظل بعض المحافظات الشمالية محل نزاع، حتى يتم التفاوض حول كيفية توزيع المهام فيها، بحيث لا يهيمن الحوثيون على كامل الجغرافيا في دولة شمالية ضعيفة وقابلة للانفجار في أية لحظة.
أما جانب السلطة الشرعية، كما يقول، فقد نجح التحالف تماما في إضعافها بشكل ممنهج، وباتت السلطة تمثل ببعض الشخصيات فقط، دون أي مؤسسات أو قوى على أرض الواقع، وجعلها التحالف مجرد مانح لشرعية فاعلين انقلابيين في الشمال والجنوب عن طريق الاتفاقيات التي وقعها معهم.
مخاوف الاستفادة
وبالعودة إلى مسألة استئناف العمل في مطار صنعاء "لدواعي إنسانية" كما يقول التحالف، هناك مخاوف كبيرة وتشكيكات من أن تقتصر الاستفادة من هذا الأمر على مليشيات الحوثي فقط، وذلك بالنظر إلى أسلوبهم المشهود في إدارتهم لمؤسسات الدولة طيلة الفترة السابقة من الحرب، ما سيجعلهم، ليس فقط، يستغلون ذلك لتسفير جرحاهم وأتباعهم فقط، بل والاستفادة أيضا من مورد جديد إضافي لمواصلة دعم جهودهم الحربية.
ويقول الإعلامي والناشط السياسي وديع عطا، إن عودة المطارات المدنية عموماً لخدمة الشعب، يعد أمرا ضروريا، لكن بعيدا عن الأعمال العسكرية، معتبرا ذلك تحديا بذاته: إذ كيف يمكن ضمان أن لا تستخدمه المليشيات لأغراض غير مدنية وإنسانية؟.
وعن سبب موافقة الحكومة على فتح المطار دون اشتراطاتها السابقة، يرى عطا- ضمن حديثه مع "يمن شباب نت" أن التحالف يتعامل مع الشرعية بـ"دونية واضحة"، ويستخدمها وقت ما يشاء هو بناء على مصالحه، وهو الذي يقرر متى تذهب للحوار أو لأي تفاهم، من عدمه..!!
وأضاف: "الشرعية تعرضت للتجريف حدا لم يُبقي منها إلا الشكل فقط؛ لتستخدم شرعيتها الدستورية بشكل يخدم أهداف التحالف الغادر"، على حد تعبيره.
اليوم، وبعد ست سنوات من تدخل التحالف العربي، ليس ثمة ما هو أكثر وضوحا من أن اليمن يقاد قسرا نحو ترتيبات تضفي المزيد من الغموض على مستقبله الجيوسياسي، في ظل تضاؤل أكبر للشرعية، مع استقواء لافت للمليشيات، الأمر الذي يصب في مصلحة تغول سيطرة القوى الخارجية وتحكمها أكثر في تفاصيل المشهد الداخلي للبلاد.