لأسبوع الثالث على التوالي، تتواصل المعارك والمواجهات بين قوات الجيش الوطني ومليشيا الحوثي الانقلابية في جبهة نهم شرقي صنعاء وصرواح غربي مأرب (شرق اليمن)، وجبهات أخرى في الجوف (شمال شرق). وسط دعوات أممية ودولية لخفض التصعيد، طغت عليها أصوات المعارك.
في هذه الأثناء، بدى وكأن اليمن تقاد نحو مرحلة سياسية وجيوسياسية جديدة، ستبدأ من حيث تنتهي إليها طلاقات المدفعية، بإنتظار أن يعلن الفاعلون الرئيسيون، الأقليميون والدوليون، صافرة النهاية.
تصعيد حوثي محسوب
المعارك التي دشنتها ميليشيا الحوثي مع منتصف الشهر الماضي (17 يناير/ كانون الثاني)، مكنتها من استعادة السيطرة على أجزاء من مديرية نهم كانت تحت سيطرة الجيش الوطني، إلى جانب تحقيقها تقدما سريعا مكنها من الوصول إلى مفرق الجوف- مأرب- صنعاء والسيطرة عليه.
وقد أعتبرت الحكومة اليمنية تلك الهجمات تصعيدا من قبل الحوثيين، ينسف جهود المبعوث الأممي في تنفيذ اتفاقية استوكهولم الموقعة منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2018. حيث أعتبر وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، أن اتفاق السويد المتعلق بالوضع في مدينة الحديدة، وفر غطاءً لتصعيد الحوثيين في مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء.
وتوقع المحلل السياسي الدكتور نبيل الشرجبي، في تصريحات لـ" يمن شباب نت"، أن يكون للقائد العسكري الإيراني "رضا شهلاني"، المسؤول عن الملف اليمني في الحرس الثوري، دورا في هذه المعارك التي كسبها الحوثيون "بشكل لافت" حسب وصفه.
يقظة متأخرة
ومع نهاية الأسبوع الثاني من المعارك، بدى واضحا أن ميليشيات الحوثي عجزت عن مواصلة تحقيق أي مكاسب أخرى غير تلك المذكورة.
والخميس الماضي قالت قوات الجيش اليمني إنها انتزعت عدداً من المواقع الهامة في مديرية "خب والشعف" بمحافظة الجوف، بعد معارك عنيفة ضد الحوثيين مسنودة بغارات عديدة لمقاتلات التحالف العربي. بحسب موقع "سبتمبر نت" التابع لوزارة الدفاع اليمنية، الذي أكد تمكنها قوات الجيش من السيطرة على أربعة مواقع كانت تحت قبضة الحوثيين.
وفي جبهة نهم، شرقي صنعاء، شنت مقاتلات التحالف العربي عدد من الغارات الجوية على مواقع الحوثيين. وأكدت مصادر محلية إن مقاتلات التحالف نفذت نهاية الأسبوع الماضي 17 غارة جوية خلال 24 ساعة فقط، استهدفت فيها تجمعات الميليشيات في نهم.
ومع نهاية الأسبوع الماضي أيضا، تصعدت المعارك على حدود محافظة مارب إثر هجوم شنته مليشيا الحوثي على مواقع الجيش باتجاه معسكر كوفل التابع للواء 312 مدرع جنوب شرقي مديرية صرواح. في حين أكدت مصادر عسكرية ومحلية أن المملكة السعودية دفعت بتعزيزات وآليات عسكرية كبيرة إلى المحافظة.
وتأتي تلك التعزيزات بعد لقاء عقده الرئيس عبده ربه منصور هادي الخميس الماضي مع قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي، قيل أنه خصص لمناقشة سير العمليات القتالية في مختلف جبهات البلاد.
وفي السياق، قالت وكالة الانباء اليمنية الرسمية "سبأ" إن الرئيس هادي ناقش، عبر تواصل تلفزيوني وعملياتي مباشر مع قيادة وزارة الدفاع والعمليات المشتركة وقيادة التحالف العربي في مأرب، عدداً من الإجراءات والتوجيهات الهادفة التي سيكون لها الأثر الفعال على المستوى الأني والمنظور.
خارطة سير المعارك
جاء تصعيد الحوثي الأخير في جبهة نهم ومحيطها، بشكل مفاجئ، بعد توقف دام قرابة عامين. حيث جاء التصعيد بعد أيام من استهداف معسكر الاستقبال في مأرب بصاروخ باليستي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 110 جنود وإصابة نحو 80 آخرين، وترافق معها تحشيدات عسكرية للحوثيين في أكثر من محور.
ورصد "يمن شباب نت" خارطة سير اندلاع المعارك وترتيبات الحوثيين لشن هجومهم الكبير على محافظة مأرب الغنية بالنفط، ويقع فيها المقر الرئيسي لوزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش.
وخلال الأيام الثلاثة الأولى من اندلاع المعارك في جبهة نهم، التي تمتد لأكثر من 25 كيلومتراً، ابتداءً من منطقة ضبوعة، وباتجاه مفرق الجوف وهران، وصولاً إلى جبال حريب نهم، لم يكن الحوثي هو الكاسب الوحيد فيها، فقد تمكنت قوات الجيش خلال هذه الفترة من السيطرة على سلسلة جبال البياض في حريب نهم، ومناطق أخرى.
وإثر ذلك، دفع الحوثيون، لتعويض هزائمهم تلك، بمئات المقاتلين الذين استقدمهم من محافظتي صعدة وذمار إلى شرق صنعاء، تحضيراً لهجوم كبير على ثلاثة محاور، أولها الهجوم على صرواح غربي مأرب بهدف السيطرة على سلسلة جبال هيلان الاستراتيجية وقطع الخط الرابط بين مأرب ومثلث الجوف.
أما المحور الثاني فتمثل بالهجوم من مديرية مجزر شمال غرب مارب، في محاولة لقطع أي خط إمداد قادم لقوات الجيش من الجوف، ونقل المعركة إلى منطقة السحاري جنوب براقش على الحدود بين مأرب والجوف.
والمحور الثالث: الهجوم من جبل صلب على خط الإمداد الرئيس في الخانق شرقي صنعاء، والانطلاق منها إلى جفينة الجدعان و السيطرة على قريه آل رقيب في الجدعان.
وفي اليوم الرابع من بدء المعارك، وتحديدا في 21 يناير/ كانون ثاني، أعلنت مليشيات الحوثي السيطرة على جبل المنارة الاستراتيجي في نهم (يبعد حوالي 25 كلم من نقيل بن غيلان، والمطل على مطار صنعاء الدولي)، وكانت قوات الجيش استعادته في فبراير/ شباط 2016م.
وبعدها بثلاثة أيام (أي في 24 يناير)، أعلن وزير الدفاع الفريق محمد علي في اجتماع مع قادة عسكريين في مأرب، عن "انسحاب تكتيكي لبعض الوحدات العسكرية في بعض المواقع". وقال إن تلك القوات "يتم حاليا ترتيب وضعها للقيام بمهامها وواجباتها القتالية وبما يحقق النصر" بحسب ما نشرته وكالة الانباء اليمنية (سبأ).
استعادة تدريجية
في الـ25 من يناير، كانت وزارة الدفاع- على ما يبدو- قد تمكنت من إعادة تنظيم قواتها واستعادت الإمساك بزمام الوضع العسكري، حين بدأت بشن هجومًا معاكسًا لاستعادة المناطق التي فقدتها في مديرية نِهم.
وحقق الجيش الوطني تقدماً في جبهة صرواح، غربي مارب، من خلال سيطرته على أجزاء واسعة من جبل هيلان، الذي يحتل أهمية عسكرية كبيرة، فضلاً عن استعادة عدة مناطق في محافظة الجوف الحدودية مع السعودية. حسب إعلانات الجيش حينها.
لكن المتحدث العسكري للحوثيين، الأربعاء الماضي، زعم تصديهم لهجوم عسكري كبير باتجاه العاصمة صنعاء، وسيطرتهم على مساحة تقدر بأكثر من 2500 كم مربع طولا وعرضا، في محافظتي مأرب (شرق) والجوف (شمال).
الأمر الذي نفاه الجيش الوطني، واصافا تلك المزاعم بـ"الوهمية والمثيرة للسخرية". وقد أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد عبده مجلي، الخميس الماضي، إن قوات الجيش تمكنت من استعادة عدد من المواقع التي سيطر عليها الحوثيون في مديرية نهم بمحافظة صنعاء، كما أن قوات الجيش في صرواح أحكمت سيطرتها على تباب ومواقع استراتيجية من جبل هيلان، المطل على الطريق الذي يربط مأرب بالعاصمة صنعاء.
وأوضح مجلي، ضمن تصريحات نشرتها صحيفة "26 سبتمبر" التابعة لوزارة الدفاع، أن المواجهات التي شهدتها منطقة العقبة، الواقعة بين محافظتي الجوف ومأرب، أسفرت عن استعادة المواقع التي سيطرت عليها مليشيا الحوثي، بالإضافة إلى استعادة السيطرة على كامل منطقة "الصفراء" ومدينة "براقش" بالجوف.
كما أشار أيضا إلى تحقيق الجيش تقدما ملحوظا في جبهة المصلوب، وإفشال هجمات للحوثيين في مديرية المتون و جبهة الساقية شمالي جبال يام بالجوف.
سيناريوهات محتملة
وبناء على ذلك، يعتقد المحلل السياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، علي الذهب، أن "قوات الجيش الوطني ستعاود أخذ المواقع التي فقدتها، وستتوقف عندها في منطقة نهم والجوف وصرواح، وتحاول أن تعزز مواقفها بالتقدمات أكثر في مناطق مثل محافظة البيضاء.."
وأعتبر الذهب، ضمن حديثه لـ" يمن شباب نت"، أن ذلك هو "أقصى ما يمكن أن تقوم به قوات الجيش في الوقت الراهن"، مستدركا: "ولا يمكنها أن تفتح جبهات جديدة، لأن الغرض من افتعال هذه الأزمات هو افشال اتفاق الرياض".
وأضاف: "فبالنسبة للحكومة، لا يمكنها أن تفعل ذلك (إفشال اتفاق الرياض)، لأنها في وضع صعب، وتريد أولاً نزع القوات الموالية للمجلس الانتقالي وتفريقها، تحقيقا لاتفاق الرياض على أرض الواقع"، (...)، "ما سيمكنها بعد ذلك من التفرغ للجبهات الأخرى، بموجب اتفاق الرياض ذاته الذي حدد مثل هذه المسألة".
وعلى هذا الأساس، يعتقد الذهب أن قوات الجيش في جميع الجبهات "ستتخذ وضعا دفاعيا، وانتظار ما سيتحقق من اتفاق الرياض، ومحاولة مواجهة أي ضغوط من قبل الامم المتحدة ودول التحالف ايضا".
لكنه نوه إلى أن اتخاذ الوضع الدفاعي "سيتطلب تعزيز مختلف الجبهات في تعز والبيضاء وصعدة بالمزيد من لقوات".
وقال إن محاولات قوات الجيش التموضع حيثما كانت قبل عشرة أيام "قد يشكل ضغطا، في نفس الوقت، على المجتمع الدولي، مثلما يمارس الحوثيون نفس الضغط".
إرباك واستنزاف
بدوره يرى المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي أن "التعافي الكبير من قبل الجيش الوطني، يعني أن القوات المسلحة بجاهزية كاملة ومستعد لتقديم التضحيات بمعنويات عالية".
وأضاف لـ"يمن شباب نت": "إلا أن ما رأيناه خلال الأسبوع الماضي، أعتقد أنه يأتي في سياق مخطط سعودي واضح لإرباك الشرعية، وإعادة هندسة المشهد اليمني" حد تعبيره.
وأوضح: "هناك مساعٍ لإرباك الجيش الوطني وحصره وتشتيته في مأرب، حتى لا يستطيع التدخل لحسم الموقف كما فعل في شبوة خلال الفترة السابقة".
في حين يرى المحلل السياسي الدكتور نبيل الشرجبي أن معركة نهم سيكون "لها ما بعدها"، متوقعا لها أحد مسارين مستقبليين: "إما أنها ستعمل على تحييد الجانب العسكري للشرعية وإدخاله حالة الغيبوبة وعدم الفاعلية، كما حدث مع الجانب السياسي؛ أو أنها ستعمل على تحرك الحكومة الشرعية عسكريا بشكل مختلف عما سبق".
أما في حال تسلم الحوثيون زمام المعركة العسكرية، فقد يكسبهم ذلك "شرعية جديدة، والكثير من الرأي العام اليمني، أو تتحول تلك المعارك إلى مصدر استنزاف كبيرة عليه، وهو ما قد يؤثر عليه في مختلف الجبهات". حسب الشرجبي.
ضغط دولي
ومع احتدام المعارك بين الجيش الوطني والحوثيين، التي لاتزال مستمرة منذ نحو ثلاثة أسابيع برزت دعوات أممية ودولية تضغط نحو خفض التصعيد العسكري.
والثلاثاء الماضي، خلال جلسة مشاورات مغلقة لمجلس الأمن دعت إليها بريطانيا لمناقشة سبل وقف التصعيد العسكري في اليمن، طالب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، بضرورة العمل على وقف التصعيد العسكري "قبل فوات الأوان".
كما اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية تجدد القتال في اليمن أمرا "غير مقبول" ويهدد بتقويض مساعي السلام. ودعت خارجيتها، في بيان لها الثلاثاء الماضي، جميع الأطراف إلى وضع احتياجات الشعب اليمني أولاً، والعودة فوراً إلى ضبط النفس. ودعت الحوثيين إلى ضرورة وقف الهجمات على الأراضي السعودية.
ولاحقا، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي في بيان لهم الخميس الماضي، عن "القلق البالغ إزاء تصاعد العنف بشكل كبير في نهم والجوف، وتداعياته على المدنيين الذين نزح الآلاف منهم في الأيام الأخيرة".
وحذر الأعضاء من أن "هذه العودة إلى العنف، تهدد بتقويض التقدم المحرز خلال الفترة الأخيرة"، داعين إلى "الوقف الفوري لهذه الأعمال العدائية، التي شكلت تهديدًا للعملية السياسية، والعودة إلى جهود وقف التصعيد". كما جددوا التأكيد على التزامهم القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية.
أما السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل أرون، فقد أشار في تصريحات نقلتها عنه "الشرق الأوسط" الاثنين الفائت (27 يناير/ كانون ثانٍ) إلى أن الوضع في اليمن تغير الآن، وهنالك حاجة إلى اتفاق سياسي شامل ليس محدداً بمنطقة أو محافظة وحدها، وإنما اتفاق لوقف الحرب تماماً في كل الجبهات، وأن ذلك يحتاج إلى مفاوضات جدية بين الأطراف.
تآمر على السلام
وتعليقا على ذلك، وصف علي الذهب تلك الدعوات والضغوطات الدولية، أنها كلها تهدف باتجاه أن تكون عملية السلام مجرد "إقرار للأمر الواقع"، متسائلاً: "ما السلام الذي يريدونه؟".
ولفت إلى أن تصريحات السفير البريطاني في اليمن، حول فرض سلاما جديدا بناء على واقع جديد "يعني دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في المفاوضات، ودخول مجموعة تيار المؤتمر الشعبي العام الذي خرج في 2018 منهزما من صنعاء".
وقال الذهب إن الخطة الان تقريبا، هي أن البريطانيين "غرضهم بعث النزعات وتمكين الأقليات في السلطة..". الأمر الذي حذر منه، وقال إن تلك المساعي "ستقتل اتفاق الرياض، فضلاً عن تفكيك السلطة الشرعية وابقاء اليمن منطقة رخوة، والدخول في متاهات سياسية، وربما متاهات عسكرية فيما بعد".
من جانبه يرى المحلل السياسي ياسين التميمي أن خارطة اللاعبين الأساسيين تضغط باتجاه "المزيد، ربما، من إضعاف السلطة الشرعية، وذلك من خلال إخراج الكتلة الأساسية في الشرعية وهي التجمع اليمني للإصلاح، وكل ما يرتبط به من مقاتلين"، مضيفا "هناك تآمر واضح جدا على هذه الكتلة".
وتابع: "هم يعتقدون أن هذه الكتلة، التي تعتبر الضامن للمشروع الوطني، يجب أن تنتهي وتخرج من عشها.. وهي أهداف تتقاطع، أو تتشاركها كلا من الامارات والسعودية وأطراف غربية أيضًا".
وأختتم التميمي حديثه بالإشارة إلى وجود مساعي "لتمكين عناصر مرتبطة بنظام صالح السابق، سواء كانت سياسية أم عسكرية. وهذا الأمر تم قطع شوط كبير فيه من خلال التعيينات في المناصب الرئيسية والحساسة منذ فترة طويلة".
في هذه الأثناء، بدى وكأن اليمن تقاد نحو مرحلة سياسية وجيوسياسية جديدة، ستبدأ من حيث تنتهي إليها طلاقات المدفعية، بإنتظار أن يعلن الفاعلون الرئيسيون، الأقليميون والدوليون، صافرة النهاية.
تصعيد حوثي محسوب
المعارك التي دشنتها ميليشيا الحوثي مع منتصف الشهر الماضي (17 يناير/ كانون الثاني)، مكنتها من استعادة السيطرة على أجزاء من مديرية نهم كانت تحت سيطرة الجيش الوطني، إلى جانب تحقيقها تقدما سريعا مكنها من الوصول إلى مفرق الجوف- مأرب- صنعاء والسيطرة عليه.
وقد أعتبرت الحكومة اليمنية تلك الهجمات تصعيدا من قبل الحوثيين، ينسف جهود المبعوث الأممي في تنفيذ اتفاقية استوكهولم الموقعة منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2018. حيث أعتبر وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، أن اتفاق السويد المتعلق بالوضع في مدينة الحديدة، وفر غطاءً لتصعيد الحوثيين في مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء.
وتوقع المحلل السياسي الدكتور نبيل الشرجبي، في تصريحات لـ" يمن شباب نت"، أن يكون للقائد العسكري الإيراني "رضا شهلاني"، المسؤول عن الملف اليمني في الحرس الثوري، دورا في هذه المعارك التي كسبها الحوثيون "بشكل لافت" حسب وصفه.
يقظة متأخرة
ومع نهاية الأسبوع الثاني من المعارك، بدى واضحا أن ميليشيات الحوثي عجزت عن مواصلة تحقيق أي مكاسب أخرى غير تلك المذكورة.
والخميس الماضي قالت قوات الجيش اليمني إنها انتزعت عدداً من المواقع الهامة في مديرية "خب والشعف" بمحافظة الجوف، بعد معارك عنيفة ضد الحوثيين مسنودة بغارات عديدة لمقاتلات التحالف العربي. بحسب موقع "سبتمبر نت" التابع لوزارة الدفاع اليمنية، الذي أكد تمكنها قوات الجيش من السيطرة على أربعة مواقع كانت تحت قبضة الحوثيين.
وفي جبهة نهم، شرقي صنعاء، شنت مقاتلات التحالف العربي عدد من الغارات الجوية على مواقع الحوثيين. وأكدت مصادر محلية إن مقاتلات التحالف نفذت نهاية الأسبوع الماضي 17 غارة جوية خلال 24 ساعة فقط، استهدفت فيها تجمعات الميليشيات في نهم.
ومع نهاية الأسبوع الماضي أيضا، تصعدت المعارك على حدود محافظة مارب إثر هجوم شنته مليشيا الحوثي على مواقع الجيش باتجاه معسكر كوفل التابع للواء 312 مدرع جنوب شرقي مديرية صرواح. في حين أكدت مصادر عسكرية ومحلية أن المملكة السعودية دفعت بتعزيزات وآليات عسكرية كبيرة إلى المحافظة.
وتأتي تلك التعزيزات بعد لقاء عقده الرئيس عبده ربه منصور هادي الخميس الماضي مع قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي، قيل أنه خصص لمناقشة سير العمليات القتالية في مختلف جبهات البلاد.
وفي السياق، قالت وكالة الانباء اليمنية الرسمية "سبأ" إن الرئيس هادي ناقش، عبر تواصل تلفزيوني وعملياتي مباشر مع قيادة وزارة الدفاع والعمليات المشتركة وقيادة التحالف العربي في مأرب، عدداً من الإجراءات والتوجيهات الهادفة التي سيكون لها الأثر الفعال على المستوى الأني والمنظور.
خارطة سير المعارك
جاء تصعيد الحوثي الأخير في جبهة نهم ومحيطها، بشكل مفاجئ، بعد توقف دام قرابة عامين. حيث جاء التصعيد بعد أيام من استهداف معسكر الاستقبال في مأرب بصاروخ باليستي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 110 جنود وإصابة نحو 80 آخرين، وترافق معها تحشيدات عسكرية للحوثيين في أكثر من محور.
ورصد "يمن شباب نت" خارطة سير اندلاع المعارك وترتيبات الحوثيين لشن هجومهم الكبير على محافظة مأرب الغنية بالنفط، ويقع فيها المقر الرئيسي لوزارة الدفاع ورئاسة أركان الجيش.
وخلال الأيام الثلاثة الأولى من اندلاع المعارك في جبهة نهم، التي تمتد لأكثر من 25 كيلومتراً، ابتداءً من منطقة ضبوعة، وباتجاه مفرق الجوف وهران، وصولاً إلى جبال حريب نهم، لم يكن الحوثي هو الكاسب الوحيد فيها، فقد تمكنت قوات الجيش خلال هذه الفترة من السيطرة على سلسلة جبال البياض في حريب نهم، ومناطق أخرى.
وإثر ذلك، دفع الحوثيون، لتعويض هزائمهم تلك، بمئات المقاتلين الذين استقدمهم من محافظتي صعدة وذمار إلى شرق صنعاء، تحضيراً لهجوم كبير على ثلاثة محاور، أولها الهجوم على صرواح غربي مأرب بهدف السيطرة على سلسلة جبال هيلان الاستراتيجية وقطع الخط الرابط بين مأرب ومثلث الجوف.
أما المحور الثاني فتمثل بالهجوم من مديرية مجزر شمال غرب مارب، في محاولة لقطع أي خط إمداد قادم لقوات الجيش من الجوف، ونقل المعركة إلى منطقة السحاري جنوب براقش على الحدود بين مأرب والجوف.
والمحور الثالث: الهجوم من جبل صلب على خط الإمداد الرئيس في الخانق شرقي صنعاء، والانطلاق منها إلى جفينة الجدعان و السيطرة على قريه آل رقيب في الجدعان.
وفي اليوم الرابع من بدء المعارك، وتحديدا في 21 يناير/ كانون ثاني، أعلنت مليشيات الحوثي السيطرة على جبل المنارة الاستراتيجي في نهم (يبعد حوالي 25 كلم من نقيل بن غيلان، والمطل على مطار صنعاء الدولي)، وكانت قوات الجيش استعادته في فبراير/ شباط 2016م.
وبعدها بثلاثة أيام (أي في 24 يناير)، أعلن وزير الدفاع الفريق محمد علي في اجتماع مع قادة عسكريين في مأرب، عن "انسحاب تكتيكي لبعض الوحدات العسكرية في بعض المواقع". وقال إن تلك القوات "يتم حاليا ترتيب وضعها للقيام بمهامها وواجباتها القتالية وبما يحقق النصر" بحسب ما نشرته وكالة الانباء اليمنية (سبأ).
استعادة تدريجية
في الـ25 من يناير، كانت وزارة الدفاع- على ما يبدو- قد تمكنت من إعادة تنظيم قواتها واستعادت الإمساك بزمام الوضع العسكري، حين بدأت بشن هجومًا معاكسًا لاستعادة المناطق التي فقدتها في مديرية نِهم.
وحقق الجيش الوطني تقدماً في جبهة صرواح، غربي مارب، من خلال سيطرته على أجزاء واسعة من جبل هيلان، الذي يحتل أهمية عسكرية كبيرة، فضلاً عن استعادة عدة مناطق في محافظة الجوف الحدودية مع السعودية. حسب إعلانات الجيش حينها.
لكن المتحدث العسكري للحوثيين، الأربعاء الماضي، زعم تصديهم لهجوم عسكري كبير باتجاه العاصمة صنعاء، وسيطرتهم على مساحة تقدر بأكثر من 2500 كم مربع طولا وعرضا، في محافظتي مأرب (شرق) والجوف (شمال).
الأمر الذي نفاه الجيش الوطني، واصافا تلك المزاعم بـ"الوهمية والمثيرة للسخرية". وقد أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد عبده مجلي، الخميس الماضي، إن قوات الجيش تمكنت من استعادة عدد من المواقع التي سيطر عليها الحوثيون في مديرية نهم بمحافظة صنعاء، كما أن قوات الجيش في صرواح أحكمت سيطرتها على تباب ومواقع استراتيجية من جبل هيلان، المطل على الطريق الذي يربط مأرب بالعاصمة صنعاء.
وأوضح مجلي، ضمن تصريحات نشرتها صحيفة "26 سبتمبر" التابعة لوزارة الدفاع، أن المواجهات التي شهدتها منطقة العقبة، الواقعة بين محافظتي الجوف ومأرب، أسفرت عن استعادة المواقع التي سيطرت عليها مليشيا الحوثي، بالإضافة إلى استعادة السيطرة على كامل منطقة "الصفراء" ومدينة "براقش" بالجوف.
كما أشار أيضا إلى تحقيق الجيش تقدما ملحوظا في جبهة المصلوب، وإفشال هجمات للحوثيين في مديرية المتون و جبهة الساقية شمالي جبال يام بالجوف.
سيناريوهات محتملة
وبناء على ذلك، يعتقد المحلل السياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، علي الذهب، أن "قوات الجيش الوطني ستعاود أخذ المواقع التي فقدتها، وستتوقف عندها في منطقة نهم والجوف وصرواح، وتحاول أن تعزز مواقفها بالتقدمات أكثر في مناطق مثل محافظة البيضاء.."
وأعتبر الذهب، ضمن حديثه لـ" يمن شباب نت"، أن ذلك هو "أقصى ما يمكن أن تقوم به قوات الجيش في الوقت الراهن"، مستدركا: "ولا يمكنها أن تفتح جبهات جديدة، لأن الغرض من افتعال هذه الأزمات هو افشال اتفاق الرياض".
وأضاف: "فبالنسبة للحكومة، لا يمكنها أن تفعل ذلك (إفشال اتفاق الرياض)، لأنها في وضع صعب، وتريد أولاً نزع القوات الموالية للمجلس الانتقالي وتفريقها، تحقيقا لاتفاق الرياض على أرض الواقع"، (...)، "ما سيمكنها بعد ذلك من التفرغ للجبهات الأخرى، بموجب اتفاق الرياض ذاته الذي حدد مثل هذه المسألة".
وعلى هذا الأساس، يعتقد الذهب أن قوات الجيش في جميع الجبهات "ستتخذ وضعا دفاعيا، وانتظار ما سيتحقق من اتفاق الرياض، ومحاولة مواجهة أي ضغوط من قبل الامم المتحدة ودول التحالف ايضا".
لكنه نوه إلى أن اتخاذ الوضع الدفاعي "سيتطلب تعزيز مختلف الجبهات في تعز والبيضاء وصعدة بالمزيد من لقوات".
وقال إن محاولات قوات الجيش التموضع حيثما كانت قبل عشرة أيام "قد يشكل ضغطا، في نفس الوقت، على المجتمع الدولي، مثلما يمارس الحوثيون نفس الضغط".
إرباك واستنزاف
بدوره يرى المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي أن "التعافي الكبير من قبل الجيش الوطني، يعني أن القوات المسلحة بجاهزية كاملة ومستعد لتقديم التضحيات بمعنويات عالية".
وأضاف لـ"يمن شباب نت": "إلا أن ما رأيناه خلال الأسبوع الماضي، أعتقد أنه يأتي في سياق مخطط سعودي واضح لإرباك الشرعية، وإعادة هندسة المشهد اليمني" حد تعبيره.
وأوضح: "هناك مساعٍ لإرباك الجيش الوطني وحصره وتشتيته في مأرب، حتى لا يستطيع التدخل لحسم الموقف كما فعل في شبوة خلال الفترة السابقة".
في حين يرى المحلل السياسي الدكتور نبيل الشرجبي أن معركة نهم سيكون "لها ما بعدها"، متوقعا لها أحد مسارين مستقبليين: "إما أنها ستعمل على تحييد الجانب العسكري للشرعية وإدخاله حالة الغيبوبة وعدم الفاعلية، كما حدث مع الجانب السياسي؛ أو أنها ستعمل على تحرك الحكومة الشرعية عسكريا بشكل مختلف عما سبق".
أما في حال تسلم الحوثيون زمام المعركة العسكرية، فقد يكسبهم ذلك "شرعية جديدة، والكثير من الرأي العام اليمني، أو تتحول تلك المعارك إلى مصدر استنزاف كبيرة عليه، وهو ما قد يؤثر عليه في مختلف الجبهات". حسب الشرجبي.
ضغط دولي
ومع احتدام المعارك بين الجيش الوطني والحوثيين، التي لاتزال مستمرة منذ نحو ثلاثة أسابيع برزت دعوات أممية ودولية تضغط نحو خفض التصعيد العسكري.
والثلاثاء الماضي، خلال جلسة مشاورات مغلقة لمجلس الأمن دعت إليها بريطانيا لمناقشة سبل وقف التصعيد العسكري في اليمن، طالب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، بضرورة العمل على وقف التصعيد العسكري "قبل فوات الأوان".
كما اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية تجدد القتال في اليمن أمرا "غير مقبول" ويهدد بتقويض مساعي السلام. ودعت خارجيتها، في بيان لها الثلاثاء الماضي، جميع الأطراف إلى وضع احتياجات الشعب اليمني أولاً، والعودة فوراً إلى ضبط النفس. ودعت الحوثيين إلى ضرورة وقف الهجمات على الأراضي السعودية.
ولاحقا، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي في بيان لهم الخميس الماضي، عن "القلق البالغ إزاء تصاعد العنف بشكل كبير في نهم والجوف، وتداعياته على المدنيين الذين نزح الآلاف منهم في الأيام الأخيرة".
وحذر الأعضاء من أن "هذه العودة إلى العنف، تهدد بتقويض التقدم المحرز خلال الفترة الأخيرة"، داعين إلى "الوقف الفوري لهذه الأعمال العدائية، التي شكلت تهديدًا للعملية السياسية، والعودة إلى جهود وقف التصعيد". كما جددوا التأكيد على التزامهم القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية.
أما السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل أرون، فقد أشار في تصريحات نقلتها عنه "الشرق الأوسط" الاثنين الفائت (27 يناير/ كانون ثانٍ) إلى أن الوضع في اليمن تغير الآن، وهنالك حاجة إلى اتفاق سياسي شامل ليس محدداً بمنطقة أو محافظة وحدها، وإنما اتفاق لوقف الحرب تماماً في كل الجبهات، وأن ذلك يحتاج إلى مفاوضات جدية بين الأطراف.
تآمر على السلام
وتعليقا على ذلك، وصف علي الذهب تلك الدعوات والضغوطات الدولية، أنها كلها تهدف باتجاه أن تكون عملية السلام مجرد "إقرار للأمر الواقع"، متسائلاً: "ما السلام الذي يريدونه؟".
ولفت إلى أن تصريحات السفير البريطاني في اليمن، حول فرض سلاما جديدا بناء على واقع جديد "يعني دخول المجلس الانتقالي الجنوبي في المفاوضات، ودخول مجموعة تيار المؤتمر الشعبي العام الذي خرج في 2018 منهزما من صنعاء".
وقال الذهب إن الخطة الان تقريبا، هي أن البريطانيين "غرضهم بعث النزعات وتمكين الأقليات في السلطة..". الأمر الذي حذر منه، وقال إن تلك المساعي "ستقتل اتفاق الرياض، فضلاً عن تفكيك السلطة الشرعية وابقاء اليمن منطقة رخوة، والدخول في متاهات سياسية، وربما متاهات عسكرية فيما بعد".
من جانبه يرى المحلل السياسي ياسين التميمي أن خارطة اللاعبين الأساسيين تضغط باتجاه "المزيد، ربما، من إضعاف السلطة الشرعية، وذلك من خلال إخراج الكتلة الأساسية في الشرعية وهي التجمع اليمني للإصلاح، وكل ما يرتبط به من مقاتلين"، مضيفا "هناك تآمر واضح جدا على هذه الكتلة".
وتابع: "هم يعتقدون أن هذه الكتلة، التي تعتبر الضامن للمشروع الوطني، يجب أن تنتهي وتخرج من عشها.. وهي أهداف تتقاطع، أو تتشاركها كلا من الامارات والسعودية وأطراف غربية أيضًا".
وأختتم التميمي حديثه بالإشارة إلى وجود مساعي "لتمكين عناصر مرتبطة بنظام صالح السابق، سواء كانت سياسية أم عسكرية. وهذا الأمر تم قطع شوط كبير فيه من خلال التعيينات في المناصب الرئيسية والحساسة منذ فترة طويلة".