بالدموع والأماني والمناشدات والدعاء، ودع 178 من طلبة اليمن في جمهورية الصين، زملاءهم العرب الدارسين في مدينة ووهان - مركز انتشار فيروس كورونا القاتل- والذين تم إجلاؤهم إلى بلدانهم بصورة طارئة، ليبقى اليمنيون محبوسين في سكناتهم التي لم يغادروها منذ ثلاثة أسابيع.
وينتظر الطلاب مصيراً معلقاً بيد مسؤولي الحكومة المقيم أغلبهم في العاصمة السعودية الرياض.
يقول أحمد سعيد، الطالب بكلية الطب، مجيباً على سؤال لـ"المصدر أونلاين" عن حالهم هناك، "القهر والحزن هو حالنا، وكأن لا دولة ولا حكومة لنا حتى تسأل عنا وتعمل على إجلائنا".
ويضيف سعيد "سافر أصدقاؤنا المصريون والجزائريون والتونسيون والليبيون، وما زلنا ننتظر واليأس والمخاوف تقتلنا ألف مرة، نحن نعيش الجحيم، وأغلبنا لا يملك قوت يومه، ولولا التعامل الإنساني من الصينيين، وحرصهم على حياتنا لمتنا من الحزن والخوف والانتظار الصعب".
من جهته، يؤكد طالب في الدراسات العليا في "ووهان"، أنه وعدد من زملائه الطلاب يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، ولا يغادرون منازلهم التي يسكنونها مع عائلاتهم إلا للضرورة، وذلك التزاماً منا بتعليمات السلامة الصادرة عن السلطات الصينية.
وأشار الطالب إلى المعاناة جراء تأخر مستحقاتهم منذ ثمانية أشهر، و"تحجج الجهات الحكومية بالصراع والحرب، كمبرر لتأخير المستحقات وعدم الانتظام في صرفها، رغم تفاقم الوضع الصحي في الصين، وإعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ".
وقال الطالب لـ"المصدر أونلاين" إنهم قلصوا وجبات الطعام إلى وجبتين في اليوم والليلة، مشيراً إلى المعاناة الأكثر والتي تواجه الطلاب العزاب، وذلك إثر إغلاق المطاعم والمحلات التجارية وحالة الشلل العام التي تأتي ضمن إجراءات السلطات للحد من انتشار الفيروس.
وأكد محمد القانص، وهو باحث في إحدى الجامعات هناك ويقيم في مدينة ووهان منذ عام 2005، ما قاله طالب الطب أحمد سعيد، عن تعامل الجهات الصينية، مشيراً إلى حرصهم واحترامهم للأجانب، وتعامل الصينيين معهم بشكل راقي.
وقال القانص لـ"المصدر أونلاين" إن "التعامل السيئ هو من الحكومة اليمنية التي لم تستجب للنداءات منذ فترة".
وأضاف "كل الدول أجلت رعاياها من المدينة، لم يبقَ إلا اليمنيون والسودانيون فقط"، مشيراً إلى التزامهم المنازل "بسبب التحذيرات من الخروج.. والمخاوف من العدوى لأن طريقة الانتشار لفيروس كورونا مرعبة".
وأستغرب القانص من الصمت الحكومي، واللا مبالاة وعدم الاكتراث بحياة الطلاب والجالية في المدينة الخاضعة للحظر الصحي، وقال "الا يوجد لدى الحكومة ومسؤوليها قليل من الحياء.. حتى ليبيا التي وضعها أسوأ من اليمن وتواجه حكومتها المعترف بها انقلاب مسلح، قامت بواجبها وأجلت رعاياها بالتنسيق مع الجزائر، وتم نقلهم عبر الطائرة الجزائرية.
وأشار القانص إلى أن الموضوع لا يحتاج إلا إلى قدر من المسؤولية والتنسيق مع أي دولة أو جهة صديقة أو شقيقة، وكان بالإمكان أن تطلب الحكومة من السعودية إجلاء اليمنيين عبر طائرتها التي أقلت عشرة طلاب كانوا هنأ".
تعاون عربي
وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية إجلاء رعاياها من الصين منتصف الأسبوع الماضي، فيما أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، السبت، إخلاء 55 طالباً وعائلاتهم، إضافة إلى 16 مواطناً من فلسطين والبحرين ولبنان وعمان، تم إخلاؤهم بالتنسيق مع حكوماتهم.
وأعلنت مصر أمس، إخلاء 300 مصري من الصين، فيما أكدت وسائل إعلام جزائرية إخلاء عشرات المواطنين من مدينة ووهان، إضافة إلى مواطنين من تونس وليبيا وموريتانيا، بناءً على طلب تلك الدول.
وأعلنت وزارة الصحة السعودية، الأحد، استقبال 10 طلاب سعوديين بعد إجلائهم من "ووهان" الصينية، وذلك عبر طائرة خاصة تكفلت بها حكومة بلادهم.
ووجهت للرياض التي تقود تحالفاً داعماً للحكومة اليمنية، انتقادات كبيرة، على خلفية تجاهلها إجلاء الطلاب اليمنيين العالقين في المدينة على غرار البلدان العربية الأخرى التي أجلت رعايا جيرانها.
وأثار الإعلان السعودي وصمت الحكومة اليمنية، موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال المحلل السياسي نبيل البكيري في تغريدة له على "تويتر": "أجلوا فقط 10 طلاب سعوديين وتركوا 170 طالباً يمنياً هناك"، محملاً الرياض المسؤولية الكاملة عنهم؛ "بحكم مسؤوليتهم عن الوضع في اليمن ووضع الحكومة اليمنية المزري والمحتجزة بالرياض".
تفاقم الوضع
ويقيم في الصين، نحو 20 ألف يمني، بينهم خمسة ألف طالب. منهم في مدينة ووهان الصينية 115 طالب، ومع عوائلهم 178 فرد، فيما يصل عدد الطلبة واليمنيين في المقاطعة التي تقع المدينة ووهان فيها نحو 223 يمني وفق إحصائيات طلابية غير رسمية.
وأعلن مقر قيادة مكافحة وباء كورونا، فى مقاطعة هوبى، بوسط الصين، تحويل 3 مواقع فى مدينة ووهان مركز انتشار الفيروس، إلى مستشفيات لاستقبال المرضى المصابين بفيروس كورونا الجديد.
وذكر المقر - في بيان اليوم الثلاثاء - أنه سيتم تحويل صالة هونغشان للألعاب الرياضية ومركز ووهان الدولي للمؤتمرات والمعارض ومجمع ثقافي يطلق عليه اسم (ووهان ليفينج روم)، إلى مستشفيات تضم 3400 سرير.. موضحا أن هذه المواقع ستستقبل المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة ناجمة عن فيروس كورونا.
وفرضت السلطات الصينية الحجر الصحي على مدينة ووهان، أواخر الأسبوع الماضي، وشرعت في تطبيق إجراءات صارمة للحد من انتشاره.
وأعلنت اللجنة الوطنية للصحة في الصين اليوم الثلاثاء، تسجيل 426 حالة وفاة بينهم أول حالة فى هونج كونج و20 ألفا و471 حالة إصابة مؤكدة بالالتهاب الرئوي المرتبط بفيروس "كورونا "في شتى أنحاء البلاد.
وعلقت شركات الطيران رحلاتها من وإلى الصين، باستثناء رحلات الإخلاء الصحي الذي يتم بالتنسيق بين الدول، ما جعل الدولة الأكثر سكاناً، في حالة عزلة تامة عن العالم.
ودفعت العزلة، السلطات الصينية إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لطمأنة الدول في مختلف أنحاء العالم، بأنها قادرة على السيطرة على تفشي فيروس كورونا. وذكرت بيانات لوزارة الخارجية الصينية نشرت يومي الأحد والثلاثاء، أن عضو مجلس الدولة ”وانغ يي“ تحدث مع وزراء خارجية 7 دول منها ألمانيا وماليزيا والسودان والسعودية خلال الأيام الماضية.
إفاقة متأخرة
وكعادتها، بدأت الحكومة اليمنية التحرك لمواجهة فيروس كورونا، إلا أ, هذه التحركات وحتى اللحظة لم تتجاوز التصريحات الكلامية حيث أكد رئيس مجلس النواب سلطان البركاني متابعة الجهات الرسمية لوضع الطلاب هناك، فيما وجه رئيس الوزراء معين عبدالملك أمس، بتشكيل لجنة برئاسة نائبه سالم الخنبشي.
ووفق وكالة سبأ الرسمية، فإن رئيس الوزراء وجه الجهات المعنية، "بسرعة صرف المساعدات المالية الإضافية للطلاب اليمنيين في مدينة ووهان الصينية، والتي وجه بها بعد انتشار فيروس كورونا، وكذا الانتهاء من تحويل مستحقات الربع الثالث للطلاب المبتعثين في الصين وصرف مستحقاتهم للربع الرابع بصورة استثنائية وعاجلة".
ويعاني الطلاب في ووهان بشكل خاص، والطلبة اليمنيين في الصين بشكل عام، تأخر صرف المستحقات المالية منذ ثمانية أشهر، وفق تصريح رئيس اتحاد الطلبة هناك عبدالله دبوان لـ"المصدر أونلاين".
وقال رئيس الاتحاد إن الطالب اليمني في الصين يعاني أولاً من عدم صرف مستحقاته، وهو ما فاقم من المعاناة الثانية المتعلقة بانتشار فيروس كورونا، مضيفاً "كيف يمكن للطالب السفر وتأمين احتياجاته المعيشية واتخاذ الحيطة" في ظل عدم وصول المستحقات منذ منتصف العام الماضي.
وذكرت الوكالة الرسمية اليوم الثلاثاء، أن نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي، ترأس اجتماعاً موسع في العاصمة المؤقتة عدن، لمناقشة الإجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها للحيلولة دون انتقال فيروس كورونا إلى بلادنا. وضم الاجتماع وفق الوكالة، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وممثلين عن وزارة الصحة ووزارة المالية ومنظمة الصحة العالمية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والجهات ذات العلاق.
ولم يحضر الاجتماع وزير الخارجية، فيما مُثلت الوزارة المعنية بالتنسيق مع الجهات الدولية لإخلاء الطلاب من الصين، بمدير الدائرة الثقافية بوزارة الخارجية السفير حسين ناجي.
وقال طلاب يمنيون في الصين، إن الإجراءات الحكومية، لا يبدوا أنها جدية، مشيرين إلى مخاوفهم من تفاقم الوضع أكثر هناك، في ظل اتخاذ الحكومة إجراءات شكلية، تنحصر في اللقاءات والاجتماعات والتأكيدات على الاهتمام عبر وسائل الإعلام.
وأكد أحد الطلاب في تسجيل صوتي بعثه لـ"المصدر أونلاين" عبر الواتساب، أنه وحتى اليوم لم يتم تحويل أي مستحقات لنا وفق توجيهات رئيس الوزراء، وأن السفارة والملحقية الثقافية في بكين، لم تبلغنا بأي موعد لاستلام مستحقاتنا المتأخرة منذ ثمانية أشهر.
وأضاف: "نقيم في منازلنا، ولم يعد لدينا أي مال، ولا نستطيع أن نذهب للاستدانة من اصدقائنا، حتى نشتري كميات من طعام والشراب، تكفينا لعدة ايام، وتجنبنا للاختلاط والنزول للشارع والذي يعد السبب الرئيسي للانتشار المتسارع للفيروس".
تحدي الواقع والزمن
ويشكل الواقع الحالي في اليمن، تحدياً إضافياً قد يواجه الحكومة اليمنية، ويؤخر استجابتها للسريعة لمناشدات الطلاب، وكما يبدو فإنها ستخوض سباقاً مع الزمن ومع فيروس كورونا الذي قد يكون لظروف الحرب والحظر الجوي والقيود المفروضة على دخول الأجانب سبباً في الحد من وصولها إلى البلاد.
لكن المعضلة تتمثل في قدرتها على إنقاذ الطلاب الخاضعين للحظر الصحي في مدينة ووهان الصينية، خاصة وأنه لم تسجل أي حالات إصابة أو اشتباها بين الطلاب هناك.
وأكد رئيس اتحاد الطلبة في الصين دبوان، أنه لم تسجل أي إصابة بالفيروس بين الطلبة اليمنيين في عموم الصين، وقال القائم بأعمال السفارة اليمنية هناك، احمد جابر، "إنه لا توجد إصابات حتى الآن" بين اليمنيين هناك "بفيروس كورونا"، جاء ذلك في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء نشرت وكالة سبأ تفاصيله.
ومن العوائق التي قد تواجه الحكومة، يتعلق في إمكانية إقامة منطقة حجر صحي في العاصمة المؤقتة، لاستضافة الطلاب المبتعثين فيه، في حال تم إخلاؤهم من مدينة ووهان. ويعود ذلك إلى عدم قدرة الحكومة والشرعية على إدارة المؤسسات هناك، وخضوعها لسيطرة المجلس الانتقالي.
المصدر: المصدر أونلاين