الإنترنت

انقطاع الإنترنت في اليمن يكشف عن قوة صنعاء التي ما زالت تمارسها على عدن ومأرب

بعد ما يقرب من شهر على انقطاع كابل الألياف الضوئية في قاع البحر في قناة السويس، الذي أدى إلى انقطاع 80 في المائة من اتصال الإنترنت في اليمن، فإن البلد الذي مزقته الحرب يخرج ببطء من التعتيم الرقمي ويستعرض الأضرار الاقتصادية.

 

أعلنت شركة تيليمن اليمنية المهيمنة على قطاع الاتصالات في اليمن، والتي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء، أنه لن يتم إصلاح كابل "فالكون" حتى أواخر فبراير. في غضون ذلك، قالت تليمن المملوكة للدولة إنها ستوفر بدائل طوارئ مؤقتة".

 

بعد بضعة أيام، أحد مزودي الخطوط الاحتياطية "Cogent " توقف عن العمل بشكل غير متوقع. واتهم الحوثيون الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في عدن بقطع الاتصال.

 

بغض النظر عن أسباب قطع الاتصالات، فقد تسبب انقطاع الانترنت في شل البنوك ومتاجر الصرافة وعدة وظائف هامة في جميع أنحاء اليمن، ما أدى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية التي نشأت عن الحرب وخلق الانقطاع  مشاكل جديدة.

 

في حين أن اليمن يعتمد على الاقتصاد القائم على النقد إلى حد كبير، فإن الوصول إلى هذا النقد وحركته يعتمدان بشدة على أجهزة الصراف الآلي ومحلات الصرافة.

 

تم تعليق التحويلات المالية، التي تمثل شريان الحياة للسكان في جميع أنحاء اليمن، وخاصة في المدن المحاصرة مثل تعز، لأن الشركات المالية لم تتمكن من إرسال أو التحقق من المعاملات الإلكترونية.

 

افتتح أسامة محمد مقهى للإنترنت في صنعاء بعد أن توقفت الحكومة عن دفع راتبه كمدرس في المدرسة في أواخر عام 2016.

 

وقال لـ"المصدر أونلاين الإنجليزي": "الكهرباء ، الوقود ، الإنترنت ، الرواتب ، كل شيء معزول". "إن الأشياء الوحيدة التي لا تتوقف هي الموت واللصوص المسلحون الذين يأتون إلينا باسم الدولة كل يوم."

 

تمكنت بعض محلات الصرافة من استخدام الإنترنت عبر خدمة الثري جي 3G الغالية الثمن على هواتفهم الذكية لإكمال المعاملات، ولكن تباطؤ اتصال الويب عبر الهاتف المحمول مع دخول موجات من العملاء تغلبت على قدرتها المحدودة.

 

كشف الإنقطاع غير المسبوق عن مدى ضعف البنية التحتية الهشة للإنترنت في اليمن - والتي توفر أبطأ اتصال بالإنترنت في العالم في الأوقات العادية - أضف الى ذلك الاضطرابات الواسعة النطاق.

 

يرتبط سكان اليمن البالغ عددهم حوالي ثلاثون مليون نسمة إلى حد كبير بالإنترنت من خلال أربع كابلات بحرية عبر ثلاث مدن ساحلية: الغيضة على بحر العرب بالقرب من الحدود اليمنية الشرقية مع عُمان، وعدن على خليج عدن، والحديدة على البحر الأحمر.

أدى التشرذم الجغرافي في الحرب الأهلية التي دامت خمس سنوات إلى إضعاف مرونة اتصال الإنترنت الهش في اليمن.

 

وقال دوغ مادوري، مدير تحليل الإنترنت في شركة انترنت "أوراكل انتيليجنس": هناك حقًا نقطتان لاتصال الكابلات في اليمن (عدن والحديدة) لكن كل واحدة في جانب مختلف من النزاع". "إذا ما استخدمت معًا، فربما توفر مرونة كافية لشبكة الإنترنت في اليمن. لكن في الوقت الحالي التقسيم ليس هو سبب المشكلة".

 

أطلقت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومقرها مدينة عدن الساحلية الجنوبية منذ عام 2016، موفر خدمة الإنترنت الخاص بها المسمى "عدن نت" في عام 2018 للحصول على الاستقلال من مزود خدمة الإنترنت المسيطر عليه من قبل الحوثيين في اليمن، ومقره صنعاء. لقد كانت خطوة مدروسة، نظرًا لأن "عدن نت" لم يتأثر بكابل "فالكون" التالف في يناير.

 

لكن انقطاع شبكة "يمن نت" كشف كيف أن شبكة عدن نت تظل بعد عام ونصف تقريبًا من إطلاقها متخلفة بعض الشئ. حيث تقتصر تغطية عدن نت  على المدينة الساحلية الصغيرة ولديها قدرة محدودة لمزيد من النمو. في الواقع، لا تزال الغالبية العظمى من اليمنيين الذين يعيشون في مناطق خارجة عن سيطرة الحوثيين يعتمدون على شبكة "يمن نت" اليمنية التي مقرها صنعاء بسبب نقص الخدمات الأخرى.

 

في أعقاب انقطاع خدمة "يمن نت" مباشرة، كشفت الزيادة غير المتوقعة في الطلب على أجهزة المودم الخاصة بعدن نت عن وجود سوق سوداء مزدهرة.

ارتفعت الأسعار إلى مستويات "خيالية"، وفقًا لعمر محمد، حيث بيعت بعض الأجهزة بأكثر من 500 دولار.

في مدينة مارب، وهي مركز حضري تسيطر عليه الحكومة على بعد حوالي 170 كيلومتراً شرق صنعاء ، حاول رجال الأعمال المحليين إقامة محطات مستقلة عن الاتصالات المرتبطة بصنعاء من خلال تطوير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.

 

وتشابه ما حدث في مأرب بما حدث بعدن، كان عرض النطاق الترددي للأقمار الصناعية في مأرب غارقًا في اندفاع عملاء "يمن نت" الذين يبحثون عن اتصال خلال فترة انقطاع الخدمة. من بينهم مئات الآلاف من اليمنيين الذين فروا من الحرب في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى مدن مثل مأرب بحثًا عن عمل لإرسال الأموال إلى قراهم. لكن خلال انقطاع الخدمة، لم يتمكن حتى أولئك الذين لديهم خدمة الانترنت عبر الأقمار الصناعية من إرسال الأموال إلى أهلهم، وفقًا لما قاله محمد يزن، الذي يعمل لدى شركة صرافة بارزة في مأرب، لأن معظم البنوك ومحلات الصرافة يقع مقرها الرئيسي في صنعاء. وتستخدم الانترنت المزود من قبل "يمن نت" والتي كانت خارج الخدمة. 
كما أدى انقطاع الإنترنت إلى تفاقم الآثار المترتبة على حرب العملة التي اندلعت بين فرعي عدن وصنعاء في البنك المركزي اليمني. 
 

في ديسمبر / كانون الأول، حذرت سلطات الحوثيين التجار ومحلات الصرافة والبنوك والمواطنين في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون  من التعامل بالاوراق النقدية الجديدة وأمهلتهم 30 يومًا لتسليم الأوراق النقدية الجديدة التي أصدرها فرع البنك المركزي الخاضع للحكومة في عدن. وبالتالي اصبح تحويل الأموال في مدن مثل مارب أو عدن، أو إرسال التحويلات المالية إلى مناطق خاضعة للسيطرة الحوثية مكلفاً أكثر لأن قيمة الأوراق النقدية الجديدة انخفضت مع زيادة المعروض. وأضاف تعتيم الإنترنت عائقًا آخر أمام إرسال التحويلات المالية.


كما أثار انقطاع الانترنت أسئلة حول جدوى مبادرة العملة الإلكترونية التي أطلقها الحوثيون في محاولة لإنشاء نظام نقدي مستقل عن الحكومة المعترف بها دوليًا. فبدون الإنترنت الموثوق، لن يعمل نظام الريال الإلكتروني.

يأتي انقطاع الإنترنت في اليمن وسط معركة من أجل الوصول إلى شبكة الإنترنت في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

في محاولة لزيادة الإيرادات، رفعت "يمن نت" أسعار الخدمات  بنسبة تصل إلى 130 في المائة في سبتمبر.



في أعقاب الانتقادات العلنية لارتفاع الأسعار، عقد مسفر النمير وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في حكومة الحوثيين (غير معترف بها) مؤتمراً صحفياً لانتقاد استخدام الإنترنت في البلاد.

وقال النمير، مدعياً أنه زار أكثر من خمس دول أجنبية حيث يستخدم الناس الإنترنت فقط لإرسال رسائل البريد الإلكتروني والتواصل مع بعضهم البعض، على النقيض من ذلك، يستخدم اليمنيون الإنترنت بشكل مفرط حسب زعمه.

 

وقال النمير، إن بعض الدول لا تسمح للمواطنين باستخدام الإنترنت إلا بعد خضوعهم للتدريب "حتى لا يؤذون الآخرين، ولا ينتهكون خصوصية الآخرين ولا يتم نشر أي شيء ضار"، مشيرًا إلى أن اليمنيين يمكنهم الاستفادة من هذا التدريب.
وأضاف "نساؤنا يتعلمن من الإنترنت ويتعلم أطفالنا من الإنترنت ونتعلم من الإنترنت وكل هذا له عواقب سلبية للغاية".


ويرى المسؤول الحوثي أن اليمنيين بحاجة إلى تقنين استهلاك الإنترنت كما يفعلون في الماء والكهرباء، مشيراً الى أن اليمنيين يسيئون استخدام الإنترنت وبشكل مفرط ويقضون فترات تمتد من الساعة 2 بعد الظهر. وحتى الثانية صباحاً، وأضاف أن كل اليمنيين يستخدمون الانترنت في هذه الفترة. 


أثارت تصريحات النمير موجة من الانتقادات والملاحظات الساخرة من نشطاء التكنولوجيا على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين قالوا إن الوزير غير مؤهل لشغل وظيفته وإن تصريحاته كانت مجرد محاولة لتبرير رفع أسعار خدمات الإنترنت.


* نقلاً عن موقع "المصدر أونلاين الإنجليزي"