"بعض المعتقلين دخل السجن صاحياً فجُنَّ، وأخر دخل السجن مجنوناً فعاد لرشده"، بهذه العبارة لخص أحد المختطفين المفرج عنهم حكاية "سجن الصالح".
تقول منظمة "سام" للحقوق والحريات، إن جماعة الحوثي حولت أكثر من عشرين مبنى في المدينة السكنية، إلى معتقل سري، هو الأخطر بين السجون التي أنشئت خلال النزاع المسلح المستمر في اليمن منذ خمس سنوات.
تضيف المنظمة، أن البشاعة والانتهاكات التي حصلت وتحصل للمعتقلين والمخفيين في السجن، تجعله "قد يوازي في بشاعته سجن تدمر في سوريا أو الباستيل في فرنسا".
ويقسم السجن إلى عدة اقسام وفق المسميات التي يتعامل بها الحوثيين، ويوزع، عبرها المختطفون على أقسام السجن المختلفة، وفي هذا التقرير يستعرض "المصدر أونلاين" سجن المشايخ الذي تحدث عنه الشهود والضحايا وأوردته منظمة سام في تقريرها الأخير.
يشير تقرير المنظمة إلى أن سجن "المشايخ" واحد من عدة سجون مخصصة للمختطفين والمعتقلين والمخفيين، وهو مخصص للمختلين عقلياً، كما هو مخصص لتعذيب المختطفين نفسياً وجسدياً عبر سجنهم مع المختلين عقلياً.
تسع ساعات لن تنسى
يصف أحد المختطفين المفرج عنهم من سجن الصالح شعور الرعب الذي عايشه في سجن الصالح بالقول: "أدخلوني شقة تحت الأرض يسمونها بـ"شقة المشايخ"، فيها (18) مجنون وكلهم بلا ملابس مثلما خلقهم الله، والمكان متسخ بشدة وترى مخلفات المعتقلين من بول وبراز في كل مكان في الغرفة".
يضيف المختطف الذي تحدث لراصدي منظمة سام: "لم أستطع الجلوس في أي شبر منها بسبب مخلفات المعتقلين، وهؤلاء المجانين من دخل إليهم يوسعوه ضرباً مبرحاً، جلست إلى جوارهم تسع ساعات وأجزم أنني لن أنسى هذه التسع الساعات حتى لو أصبت بالزهايمر".
عرايا بلا ثياب
ويروي طالب جامعي، قصته في سجن الصالح، مؤكداً أنه لم يكن يتصور ان يُعتقل ويودع بين السجناء المختلين عقلياً ويتعرض للتعذيب النفسي والجسدي.
يقول الطالب "أودعوني في قسم السجن العام، في مدينة الصالح بعد تعذيب جسدي تعرضت له في الليلة الأولى من احتجازي. فأدخلوني القسم ونمت مرهقاً وحين صحوت في الصباح وجدت نفسي بين مجانين "عرايا بلا ثياب".
ويضيف سارداً قصته "شكل ذلك المنظر رعباً في نفسي، وحين نقلوني إلى قسم "الدواعش" نقلوا إلينا مجانين أجسادهم متسخة وتتجول على أجسادهم الحشرات، وفيهم طاقة عالية لا ينامون ويبيتون في صراخ مرتفع، وإلى جانبهم أيضا سجناء فيهم حالات نفسية ولديهم أعصاب فكنا نشاهدهم وهم يقطعون ثيابهم، ثم يقوم المختلون عقلياً بسحبهم من أقدامهم".
النائب احمد سيف حاشد المقرب من الحوثيين، والمعين من سلطات الأمر الواقع في صنعاء، ضمن ما تسمى بـ"لجنة العفو العام" لمعالجة أوضاع المعتقلين سياسياً، يروي قصة المواطن، باسم سيف نعمان القباطي أحد المعتقلين المفرج عنهم وهو مصاب بحالة نفسية، وكان ضمن خمسة معتقلين اُفرج عنهم من السجن ينحدرون من محافظة لحج وهي المحافظة التي كلف هو وأخرين بالعمل على الإفراج عن المختطفين منها والمخفيين في سجن الصالح بتعز.
يقول حاشد "تم خطف باسم من قبل سلطات الأمر الواقع التابعة لمليشيا الحوثي في تعز.. ظلت أسرته طيلة أربعين يوماً تبحث عنه ولم تجده ولا تعلم عنه شيئاً.. الفعل الذي تم ضد "باسم القباطي" هو إخفاء قسري وهو فعل مجرم بموجب القانون الدولي والتكييف الحقوقي".
ويضيف حاشد : "خرج باسم يبحث عن دواء لابنه "بسام" البالغ من العمر تسع سنوات والذي كان مريضاً بالكبد.. قطع مسافة طويله سيراً على الأقدام يبحث عن الدواء فيما كان "جيبه" مملوءً بالطفر والخواء" حسب تعبير حاشد.
وتابع: وجده الحوثيون بخط النار فاعتقلوه بتهمة يسمونها "حالة اشتباه" مات الإبن بعد نصف شهر من اعتقال والده.. وظل الأب في المعتقل حتى أتينا إليه، وكان سيظل باقياً في المعتقل إلى أن يأذن الله "وأنصاره".. خرج باسم من معتقله وهو يعاني من حالة نفسية.. لم نستطع إعلامه بأن ابنه مات حتى لا تتحول الحالة النفسية التي يعيشها إلى صدمة جنون وفجيعة في حضرتنا.
وأكد النائب حاشد، الذي ساند انقلاب الحوثيين ولا يزال يحضر في البرلمان التابع لهم في صنعاء، في مقاله الذي ضمنته منظمة سام كشهادة في تقريرها بالقول "باسم حالة من ألف حالة لم يصلها الإعلام.. باسم هو من يملك حق العفو على سجانيه، وسجانوه هم أحوج إلى عفوه أو هذا هو المنطقي والمفترض".
ويعاني المئات من المختطفين حالات نفسية وصحية حرجة في سجون ومعتقلات الحوثيين المنتشرة في مناطق سيطرتهم خاصة بمحافظتي تعز وذمار وصنعاء.
وكان تحقيق لـ"المصدر أونلاين" العام الماضي، كشف عن تعمد المليشيات تعذيب المختطفين، عبر الزج بهم في إصلاحيات تضم مختلين عقلياً، كأقصى تعذيب يجبرون من خلاله المختطفين، والقصر خاصة على الانخراط في صفوفهم والالتحاق بالمليشيات للقتال ضد قوات الحكومة والتحالف.