"محاولات البعض الزج باسم الإمارات كشماعة، مكشوفة وواهية لا تنطلي على أحد".. بهذه الكلمات دافع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" عن موقف بلاده، في مواجهة اتهامات وجهها مسؤولون يمنيون لأبوظبي بالسعي لإجهاض اتفاق الرياض، الذي أبرمته حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" مع المجلس الانتقالي الجنوبي، ذي النزعة الانفصالية، والمدعوم من أبوظبي، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وجاء تعليق "قرقاش"، عبر حسابه الموثق على تويتر في 6 فبراير/شباط الجاري، وسط مؤشرات على تعثر تطبيق الاتفاق، مع تجدد الاشتباكات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في عدد من المناطق.
وفي 9 فبراير/ شباط سرية دفاع ساحلية، ترافقها قوات سعودية، دخول عدن لتنفيذ اتفاق الرياض، إلا أن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي تصدت لها وأجبرتها على العودة إلى منطقة شقرة بمحافظة أبين (جنوب)، وفقا لما نقلته وكالة الأناضول عن مصدرين عسكريين.
تعثر الاتفاق
وتعود ذورة الخلاف بين المجلس الجنوبي الانتقالي وحكومة "هادي" إلى أغسطس/آب الماضي، حين قامت قوات المجلس الجنوبي بالسيطرة بالقوة على مدينة عدن، قبل أن تتدخل الرياض للتوسط بين الطرفين وإبرام اتفاق ينص على انضمام المجلس الجنوبي الانتقالي إلى حكومة وطنية جديدة، وتمثيله بنصف عدد المقاعد الوزارية، ووضع كل القوى المسلحة التابعة له تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
كما نص الاتفاق على أن تكون آخر خطوات تنفيذ الاتفاق في 5 يناير/كانون الثاني 2020، بتوحيد القوات العسكرية في عدن وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن.
وتزامنًا مع ذلك، نص الاتفاق أيضا على إعادة تنظيم القوات العسكرية في محافظتي أبين ولحج تحت قيادة وزارة الدفاع، بالإجراءات ذاتها التي طُبقت بمحافظة عدن، خلال 60 يومًا من توقيع الاتفاق، وكذلك إعادة تنظيم القوات العسكرية في بقية المحافظات الجنوبية، تحت قيادة وزارة الدفاع، بالإجراءات نفسها التي طُبقت في عدن، خلال 90 يومًا من توقيع الاتفاق.
لكن خطوات الاتفاق لم يتم تنفيذها حتى اليوم رغم مرور أكثر من شهر على الموعد النهائي، خاصة البنود المتعلقة بعودة القوات العسكرية والأمنية إلى مواقعها وإعادة دمجها، وتشكيل حكومة كفاءات سياسية تتوزع حقائبها مناصفة بين محافظات الشمال والجنوب، خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا.
ويعود السبب وراء ذلك بالأساس إلى تقديم كلا الطرفين المتنازعين تفسيره الخاص لعدد من بنود الاتفاق، وهو ما دفع مسؤولون بالحكومة اليمنية، أبرزهم وزيرا الداخلية، "أحمد الميسري"، والنقل، "صالح الجبواني"، للتصريح بأن الاتفاق لن يجد طريقه للتنفيذ، واتهام الإمارات بعرقلته.
وفي هذا الإطار، جاء اتهام الحكومة اليمنية، في بيان، للمجلس الانتقالي الجنوبي، بعرقلة تنفيذ المصفوفة التنفيذية لاتفاق الرياض "من خلال رفض تسليم الأسلحة والعتاد الذي بحوزته للجان المكلفة بحصر وتسلم الأسلحة، وعدم الالتزام بعودة القوات إلى المواقع المحددة وفقا للمصفوفة، بالإضافة إلى التصعيد الإعلامي والاتهامات التي يطلقها قادة الانتقالي للحكومة الشرعية".
ويرى مستشار وزارة الإعلام اليمنية "مختار الرحبي"، أن "قيادة الانتقالي تدرك أن تنفيذ الاتفاق يعني انتهاء مشروعها ومشروع من يدعمها، وهي الإمارات، التي ظلت 4 سنوات تدعم مشروع الانفصال عبر تشكيل هذه الميليشيات، ومن الصعب أن تتخلى عن أدواتها وأذرعها"، حسب قوله.
ووجه وزير النقل اليمني "صالح الجبواني" الاتهام ذاته للإمارات مغردا عبر تويتر: "الإمارات وميليشياتها (قوات المجلس الانتقالي الجنوبي) في عدن، هي من تفشل اتفاق الرياض.. قلنا هذا مرارا وتكرارا (..) ليس أمامنا كشرعية غير التأهب لسحق هذا التمرد في عدن بالقوة، وأول مقدمات هذا الموقف عودة رئيس الوزراء للرياض".
وفي المقابل، برر القيادي في الانتقالي الجنوبي، الإعلامي "أحمد الصالح" تعليق المجلس الانتقالي لعمل ممثليه بلجان اتفاق الرياض، في 7 يناير/كانون الثاني الماضي بما وصفها "جرائم قوات الأمن الحكومية في شبوة"، في إشارة إلى الحملة الأمنية التي أطلقها محافظ شبوة لملاحقة مطلوبين أمنياً والموجودين في معسكرات تابعة للامارات.
وعبر "الصالح" عن أسفه مما وصفه القمع الأمني والتراشق الإعلامي، وحذر من أنه يقود إلى "مواجهات عسكرية جديدة"، لكنه قال إنها "لن تكون كسابقاتها"، في إشارة إلى إعادة السيطرة على عدن عسكريا مجددا بشكل دائم هذه المرة.
قضية الحكومة
في السياق ذاته، يبرر المجلس الانتقالي التفافه على اتفاق الرياض بعدم ضم ممثليه لحكومة التناصف حتى الآن، في وقت تواصل فيه المليشيات المدعومة من أبوظبي فرض الوقائع على الأرض، وهو ما عبر عنه سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "محمد جميح"، بقوله: "هناك من يريد أن يضع العربة قبل الحصان بخصوص اتفاق الرياض، الذي ينص على خطوات أمنية - عسكرية، تتبعها خطوة سياسية بتشكيل الحكومة"، وفقا لما نقلته وكالة الأناضول.
وإزاء الإصرار الإماراتي على معالجة ملف الحكومة أولا، يواجه اليمن خيارين أحلاهما مر. الأول هو تشكيل الحكومة قبل توحيد القوات العسكرية، ما يجعلها رهينة المليشيات، حسب تعبير "جميح"، أو إجهاض اتفاق الرياض بالكلية، بما يعني دخول قوات الحكومة اليمنية في حرب أهلية ثانية مع المجلس الانتقالي بالموازاة مع تلك المستمرة مع ميليشيات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المدعومة من إيران.
وفي ضوء هذا التوجه، يرى الباحث اليمني "عدنان هاشم" أن اتفاق الرياض تعثر بالفعل، استنادا إلى أدلة مؤكدة على عدم وجود نيّة من الإمارات لتسليم الأسلحة الثقيلة ودمج القوات شبه العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في وزارتي الدفاع والداخلية.
ويتوقع "هاشم" أن "يحمل عام 2020 اتفاقًا آخر بين السعودية والحوثيين، تسكن بها الرياض إحدى جبهتي الحرب الأهلية، لتشتعل الجبهة الأخرى بإيعاز إماراتي".
وتشير الباحثة في شؤون اليمن بجامعة أوكسفورد "إليزابيث كيندال" إلى مؤشرات على استعداد سعودي لقبول هكذا سيناريو في حال ضمان وقف هجمات الحوثيين على المملكة، وهو ما نوه إليه مصدرا "الأناضول" العسكريين بالإشارة إلى أن طائرات تابعة للتحالف العربي بقيادة السعودية، حلقت في منطقة التوتر بين القوات الحكومية وقوات الانتقالي الجنوبي شرقي عدن دون أن تقوم بأي مساعدة لقوات الحكومة.
ولفتت "كيندال" إلى أن طرفي اتفاق الرياض وقعاه على مضض بناء على طلب من راعييهما، ما يعني أن عقد صفقة مختلفة بين الراعيين قد يفضي بالاتفاق إلى الإجهاض النهائي.
وفي الإطار ذاته، يرى "فارع المسلمي" الباحث الزائر في معهد "تشاتام هاوس" أن اتفاق الرياض "تحول إلى مشكلة يبحث الجميع عن الخروج منها"، وأن المجلس الانتقالي يركز تحركاته حاليا على "تقوية سلطته على الأرض".
وطالما توالي فرض الوقائع على الأرض، فإن الوقت في صالح ميليشيات "الانتقالي الجنوبي" ومن خلفها الإمارات، بينما يبدو أن أوراق الحوثيين مضمونة في الإبقاء على نفوذهم الحالي بمناطق الشمال اليمني، وفق صيغة قد تفضي بخروج "الشرعية" من المشهد.
المصدر: الخليج الجديد