المشاهد:
تنامى الدور الصيني في اليمن خلال العامين الماضيين، من خلال اللقاءات التي يجريها السفير الصيني كانغ يونغ، مع مسؤولين يمنيين.
ولا يقتصر هذا الحضور الصيني في الأزمة اليمنية، على لقاءات يونغ مع مسؤولين حكوميين، بل تعداه إلى لقاءات مماثلة مع مسؤولين حوثيين وقادة أحزاب، بينها المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، الذي شارك في نوفمبر 2018 في مؤتمر الحوار العربي والحزب الشيوعي الصيني، بناء على دعوة من بكين.
وينظر المحلل السياسي مصطفى ناجي الجبزي، للاهتمامات الصينية الحالية بأنها تأتي سعياً لتعزيز موقعها الدولي عبر الأدوات السياسية، من خلال المنظومة الدولية الحالية التي لا تريد الصين استبدالها بقدر ما تريد الاستفادة القصوى منها.
وتتابع الصين ملف اليمن من خلال منظومة الأمم المتحدة، مرتكزة في ذلك على مبادئ رئيسة في سياستها الخارجية، ومنها السيادة ورفض التدخلات الخارجية أو تصدير أيديولوجيا، وهو ما يجعلها تقف مع يمن موحد، وتدعم الحكومة في هذا الإطار، كما يبدو من خلال سلوكها في مجلس الأمن، بحسب ما يقوله الجبزي لـ”المشاهد”.
وتربط اليمن بالصين علاقات قديمة، لكنها أخذت طابعاً رسمياً عام 1958، بعد أن وقع الرئيس الصيني تشو ان لاى، والأمير محمد البدر، على معاهدة صداقة، واتفاقيات تعاون في المجال التجاري والتقني والثقافي.
ويزيد حجم التبادل التجاري بين البلدين على 5 مليارات دولار، أما الصادرات اليمنية إلى الصين فقد بلغت عام 2013 أكثر من 3 مليارات دولار.
وقدمت الحكومة الصينية، خلال فترة الحرب، منحاً مالية مختلفة لليمن، كان بينها 100 مليون يوان صيني لدعم تنفيذ مشاريع تنموية ومساعدات إنسانية.
ماذا تستفيد اليمن من طريق الحرير؟
وفي 2013 أعلنت الصين عن مشروع طريق الحرير للقرن الحادي والعشرين، الذي سمته “مبادرة الحزام والطريق”، استناداً إلى “طريق الحرير” الذي كان يمتد من الصين عبر آسيا الوسطى إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ثم إلى أوروبا، قبل أكثر من 2000 عام.
ولطريق الحرير مساران؛ أحدهما بري، والآخر بحري، وتتفرع منها طرق كثيرة، إذ ستربط تلك المبادرة أكثر من 68 دولة.
ويركز هذا المشروع الذي يربط الصين بأوروبا وآسيا، على التنمية والبنى التحتية على طول الطريق، بتكلفة 300 مليار دولار، وهو ما أثار مخاوف دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تخشى حدوث تغيير في النظام الاقتصادي العالمي، وهيمنة بكين.
ويعتقد البعض أن الصين تحاول إغراق الدول بالديون لتأخذ مقابلها خدمات أخرى في حال العجز عن السداد.
عبدالواحد العوبلي : اليمن إحدى المحطات المهمة جداً في مشروع طريق الحرير الجديد، الذي يعزز مواقع ونفوذ الشركات المتمركزة في الصين بشكل أساسي، ونفوذها السياسي، إذ سيتيح لها استثمار المزيد من احتياطاتها الضخمة من العملة، وخلق فرص عمل إضافية، وتحقيق دخل يرفع من الناتج القومي لها .
ووقعت اليمن التي سيمر عبرها طريق الحرير، على مذكرة للانضمام لمبادرة “الحزام والطريق”، في أبريل 2019. لكن استمرار الحرب حال دون مشاركتها عملياً في بناء ذلك، برغم أهمية موقعها الاستراتيجي.
ويؤكد الباحث الاقتصادي عبدالواحد حمود العوبلي، أن اليمن إحدى المحطات المهمة جداً في مشروع طريق الحرير الجديد، الذي يعزز مواقع ونفوذ الشركات المتمركزة في الصين بشكل أساسي، ونفوذها السياسي، إذ سيتيح لها استثمار المزيد من احتياطاتها الضخمة من العملة، وخلق فرص عمل إضافية، وتحقيق دخل يرفع من الناتج القومي لها، لافتاً إلى أن ذلك سيصب في مصلحة اليمن التي وقعت على مذكرة تفاهم مع الصين للانضمام إلى طريق الحرير.
وسيتيح هذا الأمر لليمن الاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي يمكن للصين ضخها في مشاريع البنية التحية في اليمن، ما سيمكنها من استئناف إعادة الإعمار، والإسهام في التعافي من آثار الحرب، بحسب العوبلي.
ويرى أن الانفتاح على الصين يعد فرصة لدخول اليمن في أي عقود دولية من عينة “البناء والتشغيل ونقل الملكية” مع دول أخرى، وتفعيل دور القطاع الخاص لخدمة جهود إعادة التنمية؛ بحيث تتجنب بلادنا سيطرة دولة أو قوى معينة على الاقتصاد، مشدداً على ضرورة تجنب اليمن أي قروض صينية في هذا الجانب، خصوصاً أن أغلب المشاريع التي مولت بتلك الطريقة سابقاً تعرضت للفشل بسبب سوء الاستخدام والفساد.
وينبغي الحرص على عدم التورط في فخ الديون الصيني الذي وقعت فيه دول مثل سريلانكا وباكستان والسودان وجيبوتي، وسلمت على إثره موانئها وثرواتها للصين، كما يقول العوبلي، مقترحاً اللجوء لحلول، ومنها استخدام نظام “B.O.T” الذي يخفف الأعباء التمويلية ومخاطرها على الدولة.
سعي الصين لتعزيز موقعها الدولي
وتعمل الصين على تأمين طريقين في مشروعها البري، والبحري، والذي تقع اليمن على مساره، بحسب الجبزي.
وتقدم الصين نفسها كصديق للشعب اليمني من خلال تعاون تنموي قديم قدم نشوء الجمهورية في اليمن بشطريها سابقاً حتى توحدهما.
وتستفيد الصين من تاريخها غير الاستعماري الذي سلكته الدول الأوروبية، وفق الجبزي، مشيراً إلى تعزيز انتمائها الظاهري للعالم الثالث والدول النامية -وإن كانت قد تخطت هذا الترتيب اقتصادياً وتكنولوجياً- وهذه طريقتها في كسب ود الشعوب والأنظمة، كنقيض لعجرفة القوة الغربية والأمريكية تحديداً، لكنه لا يستبعد أن تنجو بكين “من عجرفة وغرور القوة في المستقل”.
وفي تفسيره لمحاولة الصين خلق تواصل مع مختلف التيارات السياسية والدينية في اليمن، قال إنها عقب إثارة قضايا الأقليات الدينية ووضعها في بكين، فإنها تسعى إلى تقديم روايتها للأحداث، وتتجنب أن يتشكل تيار عربي إسلامي عموماً في اليمن وغيره، رافض لها، وقد يكون أداة حرب عليها في إطار حروب بالوكالة، واستخدام الدين كما وقع مع السوفييت في أفغانستان.
تستفيد الصين من الفراغ الاستراتيجي الذي تخلفه أمريكا في منطقة الجزيرة العربية، وتتقدم لإنجاز اتفاقات تعاون اقتصادية كبيرة مع الدول النفطية، ومع اليمن بحكم موقعها وتعداد سكانها
وهو يعتقد أن الصين تستفيد من الفراغ الاستراتيجي الذي تخلفه أمريكا في منطقة الجزيرة العربية، وتتقدم لإنجاز اتفاقات تعاون اقتصادية كبيرة مع الدول النفطية، ومع اليمن بحكم موقعها وتعداد سكانها، وباعتبار بلادنا الشريك الاقتصادي الأول لها، سيما وقد تلاشت القاعدة الإنتاجية والتصنيعية فيها، وأصبحت سوقاً مفتوحاً لكل السلع الصينية، حسنها وقبيحها.
مع استمرار السباق المحموم لتقديم استراتيجية أمنية في الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر، فإن الصين تضع قدمها في المنطقة كشريك اقتصادي وأمني وعسكري، وإن بخطوات بطيئة، كما يقول الجبزي.
ما الدور المتوقع للصين في اليمن؟
ويتوقع الجبزي انتظار الصين حتى تضع الحرب أوزارها؛ لتستفيد من إعادة الإعمار، وتستأنف مشاريعها الاقتصادية الواعدة في اليمن، ومنها الموانئ، إذا ما أرادت اليمن الإفلات من قبضة سياسة الإمارات المستحوذة على الموانئ في المنطقة. واستبعد انخراط الصين بالشأن السياسي في اليمن راهناً، أو أن تقدم خارطة سلام تعلم أنها ستصطدم بالمصالح السعودية إقليمياً، فهي ترى الرياض الشريك الأكبر المستقبلي، وتتفهم مخاوفها الأمنية والاستراتيجية تجاه اليمن.وتعد الصين إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الذي يتابع ملف اليمن، وأصدر عدة قرارات بشأنها منذ اندلاع الحرب في مارس 2015، والمستمرة حتى اليوم، مخلفة آلاف القتلى والجرحى