علاء الدين الشلالي
تعد مدينة دمت من أعرق المدن اليمنية، فقد كانت منذ القدم محطة رئيسية على طريق القوافل التجارية القادمة من عدن، وبلغت أوج ازدهارها في عهد الدولة الطاهرية، التي استمر حكمها أكثر من 75 عامًا.
ما زالت تحتفظ مدينة دمت بأهميتها السياحية حيث تتواجد بها أهم المنتجعات الطبيعية والينابيع الحارة والحمامات الكبريتية
وعلى الرغم من أن مدينة دمت تشهد معارك ما بين الحين والآخر منذ نحو أربعة أعوام، بسبب موقعها الجغرافي الذي يتوسط مناطق التماس الملتهبة بين أطراف النزاع المسلح في اليمن، إلا أنها ما تزال تحتفظ بأهميتها كمدينة سياحية تتواجد فيها أهم المنتجعات الطبيعية والينابيع الحارة، والحمامات التي تحتوي على المياه الكبريتية. وما يزال يقصدها آلاف اليمنيين الراغبين في الاستشفاء أو قضاء ساعات من الراحة والاستجمام.
علاج طبيعي
عبدالله العنسي البالغ من العمر 45 عامًا، مقيم في العاصمة اليمنية صنعاء؛ كان يعاني من مرض جلدي لينصحه الطبيب بالسفر إلى مدينة دمت للاغتسال في حماماتها من أجل مساعدته على الشفاء.
كان عبدالله محتارًا في الاستجابة لنصيحة طبيبة، خشية الأوضاع الأمنية المتدهورة في البلاد، لكنه، كما قال لـ"التراصوت" وجد في دمت هدوءًا واستقرارًا لم يكن يتوقعه، إضافة إلى تحقيق هدف زيارته لتلك الحمامات وهو الاستشفاء من مرضه.
مثله عبدالعزيز الريدي، المقيم في مدينة عمران شمال العاصمة صنعاء. يروي الريدي تجربته لـ"الترا صوت": "الاستحمام في حمامات دمت الطبيعية كانت أشبه بمعجزة، حينما خففت من الآلام المزمنة التي كانت تعاني منها زوجتي بسبب الانزلاق الغضروفي".
بعد أن أجريت عملية جراحية لزوجة الريدي، أخبره الأطباء بضرورة إكمال علاجها طبيعيًا، غير أن مراكز العلاج الطبيعي التقليدية، وكما يقول، لم تكن ذات فائدة، فنُصح الريدي بأن يصحب زوجته إلى حمامات مدينة دمت. وعلى مدار سبع سنوات، اعتاد الريدي أن يصطحب زوجته إلى حمامات دمت كل ثلاثة أشهر، من أجل العلاج والاستجمام.
يقول طبيب العلاج الطبيعي عيسى الأشموري، إن المياه المعدنية الدافئة طبيعيًا، والمنتشرة في دمت، تعد علاجًا للكثير من الأمراض المرتبطة بالجهاز العصبي والمفاصل والجهاز التنفسي والجلد وكذا لتحسين أداء الدورة الدموية، مؤكدًا: "مياه دمت الساحرة، أثبتت فعاليتها الإيجابية للمرضى".
صخور بركانية
تقع مدينة دمت على بعد حوالي 210 كيلومتر جنوب العاصمة صنعاء. وتتكون طبيعتها من الصخور البركانية بشكل أساسي، والتي تنبع من أحواضها الملتهبة مياه حارة مختلطة بعدد من المعادن ذات الفائدة الصحية، على رأسها الكبريت.
وفي دمت أكثر من 12 حمامًا طبيعيًا، منها ثمانية ما تزال بنابيعها الحارة متفدقة حتى الآن، منها: حمام عاطف الواقع جنوب شرق مدينة دمت، وحمام الدردوش الواقع على حافة مجرى وادي بنا، وحمام الحساسية أو الجرب كما يسميه البعض.
وهناك أيضًا حمام الأمير أو الحسن، وترجع تسميته إلى أحد الأئمة الذين حكموا اليمن قبل عقود، ويقع شرقي مدينة دمت. وهناك أيضًا حمام الظليمي الواقع في الجهة الغربية للمدينة، وحمام العودي الواقع على مدخل مدينة دمت من الجهة الشمالية، وحمام الأسدي الواقع في قلب المدينة، وغيرها من الحمامات المتدفقة، وبعضها تتدفق نوافير مياهها لارتفاعات تصل لخمسة أمتار.
تدهور سياحي
الحمامات الطبيعية التي يعود عمرها الجيولوجي إلى 18 مليون سنة، وبجانبها العديد من المواقع الأثرية مثل جسر العامرية، والأودية الخضراء، والفوهات البركانية المسماه باللهجة اليمنية "الحرضات" وتعني "وعاء الأكل الساخن"؛ كانت أسبابًا كافية لازدهار السياحة في المدينة، التي بدأ التعامل معها رسميًا كمورد سياحي لتنميتها وتطويرها في عام 2004.
لكن بعد الحرب اختلف الوضع خاصة على مستوى الخدمات السياحية، وإن ظل عدد كبير يقصدها للتجارة والعلاج. يقول نظمي الحلبقي، مدير مكتب سياحي في دمت: "بلا شك، تدهورت الخدمات السياحية المقدمة في دمت، المشكلة التي تضع مكاتب السياحة في تحد بسبب مهامها الرقابية والتنفيذية"، مناشدًا بإيجاد حل للتدهور الحاصل سياحيًا في المدينة.
وعن ذات المشكلة، يتحدث لـ"التراصوت"، عبدالرقيب المعرشي، مدير منتجع سياحي، قائلًا: "ما يزال تأثير الحرب السلبي طاغ على مدينة دمت، شأنها شأن باقي المدن اليمنية الأخرى".
في حين كانت دمت سابقًا قبلة للسائحين من المنطقة العربية والعالم، بات زوارها اليوم من اليمن حصرًا، بسبب الحرب وتدهور الخدمات
في السابق كانت دمت قبلة للسياح القادمين من دول الخليج والوطن العربي ومختلف بقاع العالم، واليوم، اقتصرت جنسية الزائرين للمدينة على اليمنيين فقط، بحسب المعرشي، الذي يقول: "إن استمرار الحرب معناه تدمير السياحة العلاجية في دمت، والسياحة في اليمن بشكل عام".