عملاء الإمارات

شارب خالد سلمان الذي انتهى إلى "زميطة" في شفاه الصوفي

كانت شخصية اللواء هيثم قاسم طاهر، الجنرال العتيد، تختفي خلف شارب كث ووجه عسكري صارم لا يعرف الإبتسامة. كان مهابا وغامضا كأي عسكري دائما وظيفته إطلاق النار وليس الكلام.

بعيد انتهاء حرب 94 الكارثية بسيطرة قوات الرئيس السابق الذي وضع يده الثقيلة على الجنوب، كان الجنرال يفر الى عمان ولاحقا إلى الإمارات حيث التزم الصمت وأصبح متصوفا.

 

جرت مياه كثيرة وخرج الجنوبيون في موجات متلاحقة ضد التهميش الذي طالهم.

صرخت النساء والأطفال و قدم الكثيرون أرواحهم، بينما ظل هيثم طاهر في عزلته صامتا وبيده مسبحة.

 

كان في الواقع يلوذ بالصمت والقهر في العاصمة التي طهت صفقات لاحقة مع زعيم المهربين لتسليم عدن وتدوين واحدة من أكثر الجرائم جرحا لكرامة اليمني الجنوبي واليمني بشكل عام: صفقة تعطيل ميناء عدن العالمي ومنحه هدية للمنافس القذر في عاصمة غسيل الأموال.

 

عندما قررت الإمارات المضي في لعبة تدبير إنقلاب صالح والحوثيين لإغراق اليمن في الحرب ضمن تكليفات تخريبية كثيرة في المنطقة كانت تضع هدفا خاصا ألحت على تحقيقه : إستعادة عدن الميناء ووضع اليد عليها مجددا بالإضافة لمناطق حيوية أخرى.

 

من أجل هذا الهدف فتحت الإرشيف ووضعت إصبعها على رأس الرجل الذي كان مهيبا، مع عسكريين آخرين.

 

أعادته بهدوء إلى رقعة الشطرنج كجندي في معركة، وكان من المنتظر أن يحوز وزير الحرب السابق، موقعا مهما يليق بتارخه.

 

بعد قرابة خمس سنوات من الحرب حيث قاد معارك استعادة أبوظبي طريق التهريب التقليدي لحليفها الصريع في سواحل تعز، انتهى الرجل الى مجرد جنرال مسن، بلا شارب ولا مكافأة غير البقاء قريبا من طرق تهريب شبكة صالح الجديدة القديمة!

 

الرجل الذي كان وزير دفاع وقائد حرب واحد من أكبر الجيوش في المنطقة عتادا وكفاءة، توارى خلف كل هذا الضجيج وأصبح مجرد قائد ميداني يرابط في منطقة عمليات طارق عفاش!

 

الرجل جيد بلا شك، لكنه بلا حول ولا يستطيع تأدية دور آخر خارج الخطوط التي رسمتها إمارات المستشار الإنجليزي توني بلير.

 

كان بوسعه الإكتفاء بقتال صالح والحوثيين ورفض القيام بأي دور لا يليق به والذهاب لقضاء بقية العمر في أي مكان لائق. لعله دين الإستضافة الطويلة الذي لا تنساه ابوظبي وحان رده بالطريقة التي تحب.

 

 

حضرتني شخصية هذا الرجل وأنا أتابع تحولات الكاتب الإنشائي المعروف خالد سلمان.

 

تتشابه شخصية الرجلين حد التطابق مع تفوق أخلاقي لمصلحة اللواءهيثم قاسم طاهر.

 

كان سلمان أشبه بجنرال يلقي خطابات حربية في معركة محتدمة مع نظام صالح في مقالات ساخنة يغلب عليها طابع الإنشاء.

 

حاول سلمان تقمص شخصية الصحفي المناضل، فبلغت القضايا المرفوعة ضده وصحيفة الثوري، الناطقة بلسان الحزب الإشتراكي 14 قضية معظمها بتهم الإساءة لرئيس الجمهورية وقتها عفاش ونشر أخبار كاذبة.

 

استخدمه كتاب شباب سلما للوصول الى جيب الرئيس السابق بكتابات حولت مناقشة قضية التوريث الى حفلة سباب وشتائم لينتهي الحال بطفرة المناضلين في جيب الإبن الوريث!

 

نشطوا بكل جهد ضمن طاقم جوقته الإعلامية لنيل رضاه وأمواله، حتى آخر رمق من حياة صالح، وبعضهم مستمر بتأدية ذات الأدوار القذرة من خندق أبوظبي اليوم. 

 

هل أثاروا غيرة سلمان فقرر اللحاق بهم؟

 

 

لم يحتمل خالد سلمان كل تلك القضايا وقرر الفرار بجلده في عملية لجوء شهيرة، والمفارقة أنه كانه كان ضمن الوفد المرافق للرئيس الذي لاحقه ب 14 قضية!

 

لا أحد يستطيع المزايدة على الرجل، فقدرة كل منا على الإحتمال تتفاوت وليس مطلوبا منه الإنتحار في مواجهة مفتوحة بلا سقف.

 

يستطيع اللاجئي السياسي في بريطانيا مواصلة ممارسة أنشطته كما يحب، وكان الكثيرون ينتظرون صوت المارشات الخطابية للصحفي المطارد من وسط لندن، لكنه قرر أن يختفي تماما كقطعة ثلج لفحتها الشمس.

 

اشتعل الجنوب بالإحتجاجات ولحقت ذلك ثورة شعبية، أعقبها انقلاب وحرب ارتكبت مئات المجازر بحق السكان في الجنوب والشمال، تبعها أعمال اغتيالات وقتل لقيادات المقاومة والناشطين الشباب لم يكن آخرهم الإشتراكي الفذ أمجد عبدالرحمن. 

 

قتل أمجد على يد تشكيلات سلفية تتبع الإمارات، بتهمة الإلحاد، ومنعت عائلته من استقبال العزاء في منزله وجرى اختطاف أصدقائه الذين حاولوا زيارة أسرته وتعرضوا لسلسلة انتهاكات مهينة.

 

طيلة تلك الأحداث كان الشارب الكث شاردا مع الضباب في لندن، وسنحت الفرصة الواحدة تلو الأخرى لاستعادة حنجرة المارشات الصحفية، لكنه كان يفضل الصمت، الصمت باعتباره آخر طريقة للإحتجاج، ذلك ما ظنه الكثيرون وذلك حقه.

 

لقد نام سلمان طويلا عن كل الأحداث الجسام، وفجأة قام من مرقده الطويل بإطلالة مودرن، لاشارب ولا نضال، مجرد زميطة مربوطة في شفاه نبيل الصوفي!

 

يحاول الصحفي العجوز استعادة مارشاته مكرسا ضد تعز والنيل منها ومن كفاحها ضمن خطاب شائع أرسته الإمارات طيلة فترة الحرب ووصمها بالإخوانية والدعشنة.

هي التهمة نفسها التي أحيتها أموال ابوظبي منذ الإنقلاب ونفخت روحها في أفئدة السماسرة ومحترفي بيع اللهو السياسي، واستخدمتها مليشيا الحوثي لشن حرب على المدينة فقتلت وجرحت أكثر من مائة الف مدني.

 

 

يشبه خالد سلمان عجوز متصابية تحاول شد الأنظار بمجموعة جمل إنشائية، محاولا استعادة زمن فاته ووضعه خلفه.

 

يردح اليوم مارشال الخطب العجوز، ضمن جوقة مدفوعة الأجر، حيث يطلق بهجته المريضة لمجرد أنه شاهد استدعاء لصحفيين وناشطين من جهة تخضع عمليا لسيطرة مليشيا تتبع الإمارات، بجريرة انتقاد سلوك قائد عسكري، قتله شقيقه، على الاقل هذه الرواية الوحيدة الثابتة التي يؤكدها رافعوا قميصه والناقدون لسلوكه!

 

لقد كتب هؤلاء، وأنا منهم، أشياء كثيرة ضد قادة أحزاب وقادة ألوية وقوادين كثر في السلطة والمعارضة ضمن حقهم في نقد المسؤول العام أيا كانت صفته.

هي الوظيفة التي اعتقد سلمان لفترة طويله أنه ناضل لترسيخها كقيمة قبل نومه الطويييل وعودته الساقطة ليكتب نهاية صحفي كل رصيده في المهنة مجموعة جمل إنشائية حماسية وشارب كث أصبح من الماضي.

 

هي النهايات المتشابهة نفسها لشاربين لم يعد في جعبتهما الكثير، وليس أسوأ على المرء السوي من أن يصبح بيدقا ينتقل بالأوامر بين المربعات لحماية مصالح أعدائه المفترضين أو هكذا توهمنا!

 

 

انتهى الجنرال العجوز قاسم، صاحب الشارب الكث والقسمات الصارمة، إلى مجرد قائد عادي يتلقى الأوامر لتحقيق مصالح من طردوه من عدن مع تفوق أخلاقي لمصلحته حين التزم الصمت بلا مزايدات كلامية في سوق النخاسة.

 

أما مارشال الخطب الإنشائية فقد انتهى بلا شارب ولا قضية ولانضال، مجرد بائع منشورات يتبع نبيل الصوفي مستخدمه الأخير !

 

يا لها من نهاية قاتلة ومهينة.. لو كان يحمل نفسا سوية وحرة لمات حزنا وكمدا عوض كل هذا العار .

لكي تتطهر أيها الإنشائي العجوز، ابحث عن برج شاهق في لندن لتعالج هذه الخطيئة كما ينبغي، وإلا فانزلق نحو أقرب عربة قطار أنيق لتنال انتحارا علنيا ولائقا وسط الجمهور !

----------- 
مقال خاص بالحرف 28