مع احتدام القتال في اليمن، جددت الإمارات طموحاتها للسيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية رغم معارضة السعودية والمقاومة المحلية للنفوذ الإماراتي هناك.
وفي حين ركزت وسائل الإعلام اهتمامها في الحرب الأهلية في اليمن على اندلاع أعمال العنف بين الحوثيين والقوات الحكومية منذ يناير/كانون الثاني، يواصل الانفصاليون، الذين تدعمهم الإمارات، صراعهم مع السلطات المحلية للاستيلاء على جزيرة سقطرى بعيدا عن التغطية الإعلامية.
ورغم أنها زعمت أن تدخلها في سقطرى هو تدخل إنساني فقط، إلا أن محاولة الإمارات الظاهرة لشن انقلاب ضد قيادة سقطرى والسيطرة على الجزيرة جذبت مقاومة محلية متزايدة.
وعلى بعد حوالي 250 ميلا قبالة الساحل الجنوبي لليمن، تستضيف جزيرة سقطرى 50 ألف شخص فقط على أرخبيلها الرئيسي.
تتميز الجزيرة بطبيعتها الفريدة بما في ذلك "شجرة دم الأخوين"، إلى جانب أكثر من 700 نوع خاص من الأشجار؛ ما جعل اليونسكو تسجلها كموقع تراث عالمي.
ومع ذلك، فإن موقع الجزيرة هو الذي جذب انتباه الإمارات؛ حيث ترى سقطرى كمكون أساسي لإمبراطوريتها الجيوسياسية المثالية.
وسيؤدي التحكم في موانئ الجزيرة إلى تعزيز التجارة البحرية العالمية للإمارات بشكل كبير، كما يؤمن الموانئ في جنوب اليمن والقرن الأفريقي. علاوة على ذلك، فإن قاعدتها العسكرية في سقطرى المتاخمة لوجودها في شرق أفريقيا ستساعد في تعزيز سيطرتها على البحر الأحمر وباب المندب، الذي يمر عبره قدر كبير من التجارة الدولية.
وتسيّر الإمارات رحلات وجولات سياحية إلى سقطرى منذ 2017؛ مما يشير إلى أنها تسعى إلى جعل الجزيرة خاصة بها بالكامل.
وحسمت الرياض وأبوظبي حاليا خلافاتهما الجيوسياسية على البر الرئيسي لليمن.
ومع ذلك، ما زال البلدان يتصارعان بذكاء حول سقطرى، خاصة أن الإمارات أصبحت حازمة بشكل متزايد في الجزيرة، ضد رغبات
بعد التدخل في اليمن في مارس/آذار 2015 لدعم حكومة "عبدربه منصور هادي" ضد التمرد الحوثي، سعت السعودية لدعم سيطرة الحكومة على سقطرى وتعزيز وجودها العسكري هناك.
ونظرًا لانعدام العنف أو التواجد الحوثي في الجزيرة وعدم وجود أي ذريعة للتدخل العسكري، لجأت السعودية والإمارات إلى استخدام المساعدات كقوة ناعمة، خاصة عندما ضربت الأعاصير والفيضانات الجزيرة وخلقت ظروفا مناسبة للاستجابة الإنسانية.
في يناير/كانون الثاني، أطلقت السعودية -من خلال ما يسمى بـ"البرنامج السعودي للتنمية وإعادة الإعمار لليمن"، العديد من مشاريع التطوير والأمن في الجزيرة في محاولة لتوفير المساعدات بعد إعصار "ميكونو". ومن المفترض أن تؤدي هذه المشروعات إلى تحسين إمكانية الوصول إلى المياه، وزيادة إمدادات الكهرباء، فضلا عن تطوير خدمات الرعاية الصحية والنقل.
منذ عام 2012، تابعت دولة الإمارات مشاريع تنموية في سقطرى، في الوقت الذي أصبحت فيه السياسة الخارجية الإقليمية لدولة الإمارات أكثر حزما، خاصة بعد تدخلها في اليمن عام 2015. واستخدمت أبوظبي المساعدات الغذائية وغيرها من المساعدات الإنسانية كأداة لكسب السكان المحليين.
لكن بعد التوسع العسكري الإماراتي المثير للجدل في سقطرى في مايو/أيار 2018، والذي كان من الواضح أنه لتعزيز سيطرة الإمارات، جرى تسليط الضوء حول دور أبوظبي. إذ قامت القوات الإماراتية بطرد العمال من مطار وميناء الجزيرة، وفقًا لما أوردته "الإندبندنت"، لتسهيل سيطرتها على الجزيرة وتنظيم حركة المرور القادمة إليها والمغادرة منها.
وعن ذلك، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" إن "دور الإمارات في سقطرى ليس استراتيجيا"، مدعيا أنها لا تملك مصالح جيوسياسية هناك. وأضاف: "لأن سقطرى كانت بعيدة عن النزاع في اليمن، فقد اتخذنا قرارا بعدم الإبلاغ عما كنا نفعله هناك". واعتبر أنه كان ينبغي على الإمارات "التواصل بشكل أكبر" مع سكان الجزيرة.
اضطرت الإمارات إلى تقليص وجودها جزئيا في سقطرى بعد أن أدى توسعها في مايو/أيار 2018 إلى احتجاج شديد؛ ما دفع السعودية إلى التفاوض معها بشأن انسحاب محدود. ومع ذلك، حاولت الإمارات منذ ذلك الحين توسيع وجودها العسكري في الجزيرة، عندما كان ينبغي عليها أن تقلل من مشاركتها في جنوب اليمن بعد الهدنة.
قبل أسبوع واحد فقط من اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية وقوات "المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيا، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، حاصرت الميليشيات المرتبطة بالإمارات محافظ سقطرى، وقطعت وصول الجمهور إلى البنك المركزي في الجزيرة والطرق الرئيسية، بينما كانت تحاصر مقر إقامة المحافظ، وفقا لمصادر محلية. وفي يناير/كانون الثاني، أشار موقع "أبرايزنج توداي" إلى أن الميليشيات سعت إلى إغلاق محطات الوقود لإحداث عجز في الوقود.
تشير هذه التحركات إلى أن الإمارات تسعى لتمرد اليمنيين ضد الحاكم الأصلي، "رمزي محروس"، الذي ينتقد بوضوح محاولات أبوظبي لاحتلال الجزيرة وجعلها أكثر اعتمادا على صادرات الوقود الإماراتية.
ومع زيادة نفوذ أبوظبي في الجزيرة، أعلن مسؤول خفر السواحل في سقطرى، أوائل فبراير/شباط، أن لواء مشاة البحرية الأول انشق وانضم إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، بعد أن قدمت الإمارات له وعودا برواتب أعلى . كما طردت الحكومة اليمنية قادة عسكريين في سقطرى بسبب إعلان ولاءهم إلى "المجلس الجنوبي".
ولا تزال هناك معارضة شعبية متزايدة لتدخل أبوظبي في سقطرى؛ الأمر الذي قد يعوق طموحات الإمارات على المدى الطويل حيث تخوض حربا مع المسؤولين المحليين والسكان.
في أكتوبر/تشرين أول الماضي، كانت هناك احتجاجات ضد الإمارات؛ حيث عبّر الآلاف عن غضبهم في مظاهرات استمرت حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني. وفي 4 فبراير/شباط، اتهم محافظ سقطرى الإمارات مرة أخرى بدعم التمرد في الجزيرة.
قد لا تتسبب المزيد من الاحتجاجات في جذب الانتباه إلى نفوذ أبوظبي فحسب، بل قد تعرقل أهدافها. وقالت مصادر أمنية محلية في وقت سابق إن الممتلكات الإماراتية في الجزيرة، التي بنيت بشكل غير قانوني، تم الاستيلاء عليها. علاوة على ذلك، أدانت الحكومة اليمنية المركزية محاولات الإمارات المستمرة لاحتلال الجزيرة.
ودعا وزير أمانة صنعاء "عبد الغني جميل"، في يونيو/حزيران الماضي، حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد أنشطة الإمارات في البلاد، واصفا إياها بأنها "احتلال كامل".
وحتى "هادي" نفسه انتقد أبوظبي باعتبارها "قوة احتلال" بسبب أعمالها في أماكن أخرى.
قد تعيق السعودية إلى حد ما نفوذ أبوظبي رغم أن اتفاقية الرياض تشير إلى أن المملكة تفضل حل وسط هادئ بدلا من المواجهة لا سيما بسبب تحالفها الحيوي مع الإمارات.
وفي الوقت نفسه، فإن الفوضى المستمرة داخل اليمن، وخاصة بعد الاشتباكات بين الحكومة والقوات الحوثية في يناير/كانون الثاني، ستمنح أبوظبي المزيد من الغطاء لمتابعة طموحاتها الخبيثة في سقطرى.
المصدر | جوناثان فنتون هارفي/إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد