بعد معركة عنيفة استمرت أسابيع، اقتحمت جماعة الحوثي، الأحد 1 مارس/آذار 2020، مدينة الحزم، عاصمة محافظة الجوف اليمنية (شمال)، بعد أشهر من القتال ضد القوات الحكومية التي سيطرت على المدينة منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015.
وازدادت المعارك ضراوة في الجوف، وتحديداً في مديرية الغيل (25 كلم غرب الحزم)، خلال الأيام الماضية الماضية، مع دفع الحوثيين بتعزيزات بشرية ضخمة إلى المنطقة لحسم المعركة.
والجوف إحدى المحافظات اليمنية المتاخمة لحدود السعودية، وتكتسب أهمية استراتيجية في النزاع الدائر منذ نحو ستة أعوام بين الحكومة (المعترف بها دولياً)، والتي يدعمها التحالف العربي بقيادة السعودية، وجماعة الحوثي التي تتلقى دعماً من إيران.
الجوف.. وأهميتها الاستراتيجية
وللجوف أهمية استراتيجية تبعاً لموقعها، في الصراع الدائر في اليمن، إضافة إلى أنها تمثل خزاناً ضخماً للنفط في البلاد.
وتعد الجوف أكبر المحافظات الشمالية مساحة، إذ تصل إلى 39 ألفاً و400 كيلومتر.
وتشترك الجوف في حدود مفتوحة إلى الغرب مع محافظتي صعدة وعمران (الخاضعتين لسيطرة الحوثيين)، ما يعني أن استيلاء جماعة الحوثي عليها يعزز من حظوظ الجماعة في تأمين معاقلها.
من جهة أخرى، تدفع سيطرة الحوثيين على الجوف، نحو تلاشي آمال الحكومة اليمنية في استعادة صعدة وعمران، إضافة إلى العاصمة صنعاء، كما تشكل خطراً على محافظة مأرب المتاخمة للجوف من جهة الجنوب، والتي تنطلق منها عمليات القوات الحكومية ضد الحوثيين في منطقة الشمال.
ولا تقتصر الأهمية الاستراتيجية على الأراضي اليمنية وحسب، إذ تشكّل سيطرة الحوثيين على الجوف خطراً على السعودية، التي تتشارك معها أكثر من 266 كليومتراً من حدودها الجنوبية، ما يجعلها عرضةً لاستهدافها من قبل الحوثيين بشكل أكبر.
وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأ الحوثيون هجوماً واسعاً على الجوف، بُغية السيطرة عليها.
وأبدى الحوثيون ضغطاً عسكرياً لحسم المعركة ودخول الحزم من ثلاثة محاور رئيسية هي: الغيل والمتون (غرب)، وخب الشغف (شمال).
افتقار الحاضنة الشعبية للجيش الحكومي
ظل الحوثيون يهاجمون بكثافة على المحاور الثلاثة أملاً في حدوث اختراق يمنحهم التوغل باتجاه الحزم، وهو ما حدث السبت، على جبهة الغيل، التي يفتقر فيها الجيش اليمني إلى الحاضنة الاجتماعية.
وتسكن الغيل قبائل من طبقة الأشراف (ترتبط مذهبياً مع جماعة الحوثي)، وهو ما ظل يشكل عائقاً قبيل استعادتها من القوات الحكومية منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015.
والسبت، اندلعت مواجهات مفاجئة بين القوات الحكومية، ومسلحين من قبائل الأشراف (خلايا نائمة) في مركز مديرية الغيل.
مصدر عسكري في المنطقة السادسة (محور الجوف يقع في نطاق عملياتها) أوضح، السبت، لموقع “سبتمبر نت” (تابع للقوات الحكومية) أن خلايا وصفها بأنها “تخريبية”، حاولت الاعتداء على نقاط عسكرية وأمنية، والقيام بأعمال فوضوية للإخلال بالأمن داخل “الغيل”.
وأضاف أن “الجيش يفرض حصاراً على أماكن تواجد هذه الخلايا تمهيداً للقضاء عليها”.
غير أن ذلك التحرك تزامن مع هجوم واسع على المديرية من الحوثيين المتواجدين على أطرافها استمر حتى وقت متأخر من ليل السبت، وانتهى بسقوط “الغيل” في قبضة مسلحي جماعة الحوثي.
واستغل الحوثيون المعنويات المنهارة وحالة الارتباك السائدة لوحدات الجيش، لمواصلة الضغط والهجوم على الحزم، ما دفع القوات الحكومية إلى الانسحاب نحو منطقتي شعث والخب، المتاخمتين لمركز الجوف.
لماذا سقطت الجوف؟!
اعتبر سفير اليمن لدى اليونسكو محمد جميح أن سقوط الحزم في أيدي الحوثيين “انعكاس طبيعي” لبقاء القيادات السياسية والعسكرية خارج البلاد، وانشغال المكونة الداعمة للحكومة الشرعية بالمكايدات والمعارك الجانبية، إضافة إلى الكشوفات الوهمية داخل الجيش.
الصحفي والمحلل السياسي اليمني عبدالعزيز المجيدي وجّه انتقادات لاذعة للتحالف الذي تقوده السعودية عقب سقوط الحزم.
وقال المجيدي في تدوينة له إن سقوط “الجوف” وما سبق هذا الحدث من إيقاف لمرتبات القوات الحكومية يشير إلى “مخطط” لتصفية “الشرعية” في أماكن نفوذها.
كما انتقد التعيينات العسكرية الجديدة في رئاسة هيئة الأركان اليمنية، وقال إنها تأتي تحضيراً “لطاولة تسوية” ستمنح للحوثي وتركة صالح (النظام السابق) الكلمة الأولى في الشمال اليمني.
مصدر عسكري يمني في حديث مع الأناضول، حمّل التحالف العربي بقيادة السعودية مسؤولية “سقوط الحزم”.
لكن المصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، قال إن سيطرة الحوثيين عليها “لا تعني إطلاقاً سقوط الجوف بالكامل”.
ولفت إلى أن “الجيش لا يزال يقاتل في جبهات عديدة من المحافظة”.
واعترف المصدر بأن التحالف نفذ عشرات الغارات في الجوف، لكن ذلك حدث دون “تنسيق كبير مع الجيش”.
وأضاف: “ضعف التنسيق جعل الغارات عاجزة عن التأثير في مسار المعركة على الأرض، وهو ما منح الميليشيات (الحوثيين) فرص التقدم والسيطرة على الحزم”.