أدى سقوط مديريات في محافظة الجوف بيد جماعة الحوثي، ودخول محافظة مأرب ذات الأهمية الإستراتيجية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا على خط التهديدات الرامية لإسقاطها إلى بروز مشهد جديد يتشكل في اليمن يستند على مؤشرين، الأول على الصعيد الداخلي، والثاني على الصعيد الخارجي.
مثل سقوط الجوف بيد الحوثيين انتصارا لهم، دفعهم لفتح أعينهم نحو محافظة مأرب التي فشلوا في إسقاطها سابقا، لكن هذا السقوط كما تظهره التطورات مثل أيضا منعطفا جديدا لدى الحكومة الشرعية المقيمة في الرياض، ومن خلفها التحالف الداعم لها للتحرك من جديد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
سارعت الحكومة الشرعية لإبداء التنديد والاستنكار لما حصل في الجوف، محاولة التماسك ولملمة صفها من جديد، تجلى هذا في تصريحات قادة عسكريين بأنهم على استعداد لاسترداد مديريات الجوف التي سقطت بيد الحوثي من جديد، ولحق ذلك سلسلة اجتماعات عقدتها قيادة الجيش الوطني في مأرب ذهبت فيها للتأكيد على استشعار المخاطر المحدقة، وطالبت منتسبيها برفع الجاهزية الكاملة.
لقاءات عسكرية
عقد رئيس الأركان صغير بن عزيز لقاءات مع قيادة وزارة الدفاع، وظهر وزير الدفاع أيضا في أطراف محافظة الجوف، ثم انعقد لقاء آخر لقيادات وزارة الدفاع بحضور قائد التحالف العربي في مأرب، وتوجت تلك التحركات العسكرية بوصول نائب رئيس الجمهورية علي محسن صالح إلى مدينة مأرب ولقائه بمحافظها ومحافظ الجوف والقيادات العسكرية.
عكست تلك التحركات التوجس من مخاطر محدقة، فالحوثي بات على مقربة من محافظة مأرب، حيث تتمركز الحكومة الشرعية سياسيا وعسكريا، وفيها أيضا تتواجد قيادة تحالف دعم الشرعية، وسقوطها بيد الحوثي يعني هزيمة كبيرة خاصة بعد عجزه سابقا في الوصول لها قبل تدخل التحالف عسكريا.
مأرب في حالة الحصار، فقبل سقوط الجوف، كان الحوثيون قد حققوا تقدما في جبهة نهم، وتظافرت تلك الانتصارات الميدانية ولو في حدها الأدنى لتمنح الحوثي نشوة تدفعه للتقدم نحو مأرب، ليصطدم مجددا بتحركات جديدة للحكومة الشرعية بما يشبه الإفاقة من حالة الصدمة.
في مقابل هذه التحركات العسكرية على مستوى الداخل، ثمة تحركات أخرى تجري على الصعيد الدبلوماسي، خاصة لدى الأطراف الدولية التي لها علاقة بالملف اليمني، تتمثل باللقاءات المتواترة التي تلاحقت مؤخرا، وباتت قضية اليمن تحتل أولوية فيها.
التحرك الأول
التحرك الأول كان لسلطنة عمان التي ترتبط بملف محافظة المهرة (شرقي اليمن)، وهي القضية الخارجية التي تشكل تحديا صعبا لسلطان عمان الجديد هيثم بن طارق، ووصلت درجة الحساسية ذروتها بعد التحرشات العسكرية التي وقعت في منفذ شحن الحدودي، الذي سيطرت عليه قوات مدعومة من محافظ المهرة السابق راجح باكريت بدعم ومباركة سعودية.
دفعت تلك التطورات مسقط للتحرك بشكل جدي، وزار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو سلطنة عمان والتقى سلطانها، وبالتزامن وصل وفد أمريكي من وزارة الخارجية الأمريكية إلى المهرة والتقى فيها شخصيات محلية، وبعد وقت قصير من تلك الزيارة عين الرئيس هادي محمد علي ياسر الذي يحظى بعلاقة ممتازة مع الجانب العماني محافظا جديدا للمهرة، مقصيا بذلك رجل السعودية الأول راجح باكريت.
ولم تمض سوى أيام قليلة حتى وصل نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى سلطنة عمان يرافقه السفير السعودي لدى اليمن للقاء المسؤولين العمانيين، وربما لا يستبعد هنا أن يلتقي الجانب السعودي وفد جماعة الحوثي المقيم في مسقط منذ فترة طويلة ويرأسه القيادي فيها محمد عبد السلام.
ومن المرجح أن هذه التحركات والتفاهمات تأتي في إطار حلحلة قضية المهرة التي يتصاعد فيها الحراك الرافض للتواجد السعودي، وباتت تمثل مستوى أعلى من الحساسية بين السعودية التي تتواجد فيها وبين سلطنة عمان القريبة منها.
إن إيجاد حل توافقي يرضي جميع الأطراف (الداخلية والخارجية) في محافظة المهرة من شأنه أن يقود إلى تفاهمات تخفف حدة الاحتقان التي تعيشها المهرة، ويعجل بوضع حل لواحد من أهم الملفات في القضية اليمنية، الأمر الذي قد ينعكس إيجابا على باقي الملفات.
التحرك الثاني
بالنسبة للتحرك الثاني فيكمن في الدبلوماسية البريطانية النشطة التي تنطلق من اعتبار بريطانيا حاملة القلم عن الملف اليمني في مجلس الأمن، وتمثل ذلك في الزيارات التي قام بها وزير الخارجية البريطاني إلى الرياض ولقائه بالمسؤولين السعوديين واليمنيين في إطار زيارة شملت عدة دول في الشرق الأوسط.
في ختام زيارته للرياض أعرب الوزير البريطاني عن أمله بأن تنتهي الحرب في اليمن خلال العام الجاري، مؤكدا أن جميع الأطراف باتت ترى ضرورة في وقف الحرب، والتوصل إلى السلام.
يتطابق هذا التصريح مع مجمل التحركات التي تهدف إلى الوصول لصيغة سلام بعد حرب منهكة، ومن ذلك الحديث عن مباحثات تجريها السعودية مع جماعة الحوثي منذ فترة.
تحرك أممي
هذه التحركات ربما بدأت ترجمتها الفعلية في التحرك الأخير للمبعوث الأممي مارتن جريفيث الذي التقى برئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك في العاصمة السعودية، وبحث معه عدة ملفات على رأسها السلام في اليمن، ثم وصوله إلى مدينة مأرب لأول مرة، ولقاءه محافظ المحافظة سلطان العرادة، وحديث الشخصيتين عن السلام في اليمن وباقي المستجدات.
من المنتظر أن يواصل جريفيث لقاءاته بالمسؤولين اليمنيين في الرياض، وكذلك لقاء جماعة الحوثي في صنعاء لاحقا، وهي وإن كانت تحركات تبدو تقليدية ومكررة لكنها على ضوء المعطيات الراهنة تشير إلى مساع جادة لإحراز تقدم جديد في اليمن، خصوصا بعد فشل العديد من المحطات السابقة كاتفاق ستوكهولم واتفاق الرياض.
الوجهة الأخيرة
لا يبدو أن ثمة مصير واضح ينتظر الملف اليمني، أو أن الحرب بالفعل شارفت على الانتهاء، وفي خطين متوازين بين المواجهة العسكرية والحلول السياسية تمضي تعقيدات المشهد اليمني نحو وجهة لا يمكن الترجيح أو التكهن بطبيعتها، فجميع الأطراف باتت منهكة عسكريا، ولم تحقق نجاحا على المسار السياسي.
المصدر: الموقع بوست