الحوثيون والإنترنت

موقع أمريكي: رقابة وعزل للمواطنين ومصدر للمال.. "الإنترنت" جبهة رئيسية للحوثيين في الصراع باليمن

ترجمة: أبوبكر الفقيه- يمن شباب نت

فـوق سلسلة جبال جبلية نائية في محافظة إب (جنوب غرب اليمن)، تنتصب مجموعة من الصحـون البيضاء مثبتة على الأنابيب وفروع الأشجار، حيث تبث تدفقات الإنترنت اللاسلكية لآلاف الأشخاص في المنطقة.
 
لا توجد خطوط هاتف ثابتة في أجزاء من ريف إب كما أن تغطيتها المتنقلة محدودة. وفي محاولة لتقديم اتصال رقمي لشعبه، أطلق نبيل المنصوري مشروعًا لاسلكيًا ذاتياً، عُرف باسم شبكة المجتمع، قبل ثلاث سنوات.
 
يشبه ذلك نوعًا ما مقهى إنترنت متنقل، حيث تشتري شبكات المجتمع باقات إنترنت من شركة يمن نت ـ مزود خدمة الإنترنت المملوكة للدولة-، من ثم يعاد بيعها لعامة الشعب. وبدلاً من استئجار مقعد لكمبيوتر قديم داخل غرفة مليئة بالدخان، توفر الشبكات اتصالاً لاسلكيًا مباشرًا بالإنترنت للعملاء في المدن والضواحي والقرى التي ـ لولا ذلك ـ لكانت ستظل بدون اتصال.
 
لكن في سبتمبر الماضي، فاجأت يمن نت "المنصوري"، ومعه آلاف مشغلي الشبكات المجتمعية الآخرين، برفع الأسعار وحدود البيانات: بحيث أن حزمة واحدة فقط من الانترنت، والتي كانت تكلف 115 دولارًا مقابل 450 جيجابايت، باتت تكلف الآن إما 160 دولارًا لـ 400 جيجابايت أو 105 دولارات مقابل 200 جيجابايت.
 
بعد ذلك بشهر، أعلنت حكومة الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران في صنعاء أنها لم تعد تصدر تصاريح عمل لشبكات المجتمع. وبين عشية وضحاها، أصبحت أعمال من بينها ما اعتاد عليه المنصوري "غير قانونية".
 
فبحلول ديسمبر/ كانون الأول، كانت سلطات الحوثيين قد أرسلت مسلحيها لمصادرة المعدات من مزودي الشبكات اللاسلكية وإصدار مذكرات بوقف وتعطيل مكاتب الشبكات المجتمعية.
 
وبالنسبة للمنصوري " تلك كارثة حلت بنا" معبراً عن صدمته إزاء ما يجري.
 
وفي ظل عجزه عن تحقيق الربح بالنظر للمعدلات التكلفة الجديدة الباهظة، كان عليه أن يقرر ما إذا كان سيستمر.. أملاً في أن تتحسن الأعمال بطريقة أو بأخرى، أو يُغلق الشبكة.
 
وقال: "إذا أغُلقت، فسيتم عزلنا عن المغتربين والعالم".



يعتقد النقاد أن المتمردين الحوثيين الذين يعانون من ضائقة مالية يحاولون في وقت واحد الحد من الوصول إلى الإنترنت وجمع الأموال لتمويل الحرب الجارية ضد التحالف العسكري بقيادة السعودية.
 
في حرب اليمن، يعد الوصول إلى المعلومات جبهة رئيسية في الصراع، وبالنسبة للعديد من اليمنيين، يعتبر الإنترنت الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأحداث الجارية.
 
في أكتوبر/ تشرين الأول، واستجابة لارتفاع الأسعار الأخير، أطلقت النقابة الوطنية اليمنية لشبكات المجتمع حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، يوتيوب وفيسبوك وتويتر. اشتملت الحملة على فيديوهات توثيق مع هاشتاق "يمن نت.. ضد المواطن". ويقدر أحمد العليمي، رئيس النقابة، أن حوالي 3000 من أصحاب الشبكات المجتمعية بصنعاء انضموا إلى الاحتجاجات عبر الإنترنت، إلى جانب أكثر من 15000 في جميع أنحاء البلاد.
 
في ديسمبر، قامت النقابة بمقاضاة وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإجبار الحكومة على تفسير مبررات ارتفاع الأسعار وحدود البيانات، والتغييرات في منح التصاريح.
 
توخى النشطاء الحذر في مسألة عدم إلقاء اللوم على حركة الحوثي، خوفًا من الاعتقال أو التعرض للأسوأ. حتى أنهم تبنوا موقف الحوثيين المناهضين للمملكة العربية السعودية، متهمين المسؤولين عن ارتفاع أسعار الانترنت بالإضــرار بمصالح اليمنيين لدرجة أنهم يجعلون السعوديين يبدون متفوقين.
 
وقال وليد السقاف، المحاضر البارز في جامعة سودرتورن بالسويد، لموقع «Coda Story» لست متأكدًا من أي فائدة لأن [الزيادة في رسوم الإنترنت] تولد دخلًا وربحاً لمن هم في القمة". مضيفاَ "الغاية تبرر الوسيلة في بعض الأحيان، ويبدو أن هذا عمل مدفوع سياسياً وخدعة مموهة على شكل زيادة في الأسعار".
 
إن ارتفاع أسعار الإنترنت، الذي تزامن مع أزمة وقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يمثل ضربة أخرى لليمنيين العاديين، الذين بالكاد يستطيعون شراء الطعام والبنزين والديزل للمولدات. فقد أصبح الكثيرون يعتمدون على الإنترنت كشريان حياة لوصلهم بالعالم الخارجي.
ووسط عجزهـم عن العثور على عمل في بلدهم المحاصر بالحرب، اتجه اليمنيون بشكل متزايد إلى الإنترنت للبحث عن عمل أو ببساطة لطلب المساعدة من الأصدقاء والأقارب في الخارج.

حروب الاتصالات

في اليمن، الرقابة على الإنترنت قديمة قِدم خدمة الوصول إلى الإنترنت في البلاد. فمنذ إدخال أول شبكة اتصال هاتفي في عام 1996، بعد وقت قصير من توحيد شمال الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الجنوبية، قامت الحكومة بتصفية المحتوى بما في ذلك المواد الإباحية والأخبار والاعلام التابع لمجموعات المعارضة السياسية. كما أبقت التكاليف المرتفعة معظم السكان دون اتصال بالإنترنت.
 
بحلول عام 2001، أدرك أصحاب السلطة الإمكانات السياسية والاقتصادية للتكنولوجيا الجديدة. وبناءً على ذلك، أنشأ الرئيس علي عبد الله صالح منذ فترة طويلة مزود خدمة الإنترنت المملوك للحكومة (شركة يمن نت)، لتخفيف قـوة المزود الأصلي لليمن، شركة تيليمن، التي كانت غالبيتها في ذلك الوقت مملوكة لشركة كيبل آند وايرلس BLC البريطانية.
 
في نفس العام الذي أسس فيه صالح يمن نت، قام الزعيم القبلي البارز ورجل الأعمال حميد الأحمر، الذي ساعد والده في تأسيس حزب الإصلاح اليمني المعارض الرئيسي، بإطلاق شركة "سبأفون" كأول شبكة للهواتف المحمولة في اليمن.
 
ومع استثمار وكلاء الطاقة اليمنيين في البنية التحتية والخدمات، انخفضت أسعار الاتصالات بشكل مطرد.
 
دخلت حروب الاتصالات في اليمن منطقة مجهولة في عام 2011، حيث فتحت الانتفاضات المستوحاة من الربيع العربي خطوط الصدع السياسي بين نشطاء الديمقراطية والإسلاميين والأنظمة الاستبدادية في دول من بينها مصر وتونس وسوريا. في ذلك الوقت، واجه الرئيس صالح، صدمة احتمال أن ينتهي عهده الذي دام 33 عامًا بشكل مفاجئ.
 
المواقع المحظورة منذ فترة طويلة والتي كانت تنتقد نظام صالح رأت النور لأول مرة منذ سنوات - بما في ذلك مواقع مأرب برس، المصدر أونلاين، يمن برس وعدن برس - حيث تم تخفيف بعض قيـــود الإنترنت.
 



لكن الانتقال السياسي انهار في أواخر عام 2014 عندما أطاحت ميليشيات الحوثي، مدعومة من صالح، بحكومة هادي في انقلاب عسكري وسيطرت على مؤسسات وخدمات تسيطر عليها الدولة مثل يمن نت.
 
في غضون أشهر من استيلاء الحوثيين، عززت يمن نت تصفيتها للمحتوى السياسي ووسائل الإعلام المستقلة. وفقًا لمختبر «Citizen Lab» -وهو مختبر متعدد التخصصات مقره كلية مونك للشؤون الدولية والسياسة العامة، بجامعة تورنتو، ويركز على تقاطع المعلومات وتقنيات الاتصالات وحقوق الإنسان والأمن العالمي.

منذ ذلك الحين، استخدمت حكومة الحوثيين مجموعة متنوعة من أساليب الرقابة، بما في ذلك إبطاء أو تعطيل الإنترنت في المعاقل المناهضة لها بالإضافة لمناطق النزاع مثل مدينة تعز، التي يحاصرها المتمردون منذ عام 2015.
 
إحدى حالات الاختبار متعلقة بالمدن الأكثر اكتظاظا بالسكان في اليمن تناولت الحديدة التي يعد ميناءها الأكثر ازدحاما. فلم يكن لدى المدينة المطلة على البحر الأحمر التي يبلغ عدد سكانها حوالي 600,000 شخص وصول حكومي إلى الإنترنت منذ أواخر عام 2018، عندما تدخلت الأمم المتحدة لوقف القتال بين قوات التحالف والحوثيين.
 
وكمصدر رئيسي لاستيراد الغذاء والوقود والمساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال غرب اليمن، برزت الحديدة كمحور حاسم في الحرب. وبينما استمر وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة إلى حد كبير، ظل سكان الحديدة معزولين تمامًا عن الإنترنت.
 
وإن لم يكن باستخدام الشبكات المجتمعية، فإن الطريقة الوحيدة للاتصال بالإنترنت هي عبر خدمات الهاتف المحمول 3G باهظة التكلفة مثل يمن موبايل وMTNوكلاهما شركات خاصة مقرها صنعاء وتعمل تحت نفوذ الحوثيين.
 
وفي المعاقل المناهضة للحوثيين، مثل مدينة عدن الساحلية الجنوبية، حيث تعمل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا منذ طردها من صنعاء في عام 2015، يواجه اليمنيون مجموعة أخرى من العقبات التي تحول دون الوصول إلى الإنترنت. فخنق الاتصال المستمر من قبل يمن نت التي يسيطر عليها الحوثيون يجعل الاتصال بطيئًا جدًا، وفي بعض الأحيان قد لا يكون متاحًا.

في العام 2018، سعت الإمارات والسعودية إلى مسر قبضة الحوثيين على الانترنت عبر انشاء مزود خدمة إنترنت آخر، بإسم "عدن نت"، وعلى الرغم من ذلك، لاتزال التغطية منحصرة بالجيوب الصعيرة حول المدينة، وقد ادى عدم الاستقرار السياسي إلى جانب سوء الإدارة والفساد الذي شاع عنه الكثير إلى تفاقم مشاكل شركة "عدن نت".



في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني، توسطت المملكة العربية السعودية على اتفاق لتقاسم السلطة.. أوقف شهورًا من الاشتباكات بين الانفصاليين الجنوبيين وحكومة هادي، وهما حلفاء في القتال ضد الحوثيين ولكنهما يتنافسان أيضًا مع بعضهما البعض على النفوذ في المحافظات الجنوبية لليمن. حيث تهدف اتفاقية تقاسم السلطة، المعروفة باسم اتفاق الرياض، إلى استعادة حكومة فاعلة في عدن ـ وكامتداد لذلك ـ استعادة خدمات الدولة مثل شركة عدن نت.
 
وفقًا لأحد موظفي يمن نت، - الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف أمنية -، بدأ الحوثيون في استبدال الموظفين بموالين لهم من أولئك المستعدين لمواصلة مراقبة المواقع الإلكترونية والقيام بأنشطة إلكترونية بما في ذلك المراقبة والتحريات حول الأفراد الذين ينشرون محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي يعتبره الحوثيون تهديدًا لهـم.
 
بغض النظر عن مكان وجودهم في البلاد أو طبيعة تعاطفهم السياسي، يستمر معظم اليمنيين في الاعتماد على يمن نت بطريقة أو بأخرى، على الرغم من حقيقة أن الاتصال بالإنترنت يضعف كلما كنت بعيدًا عن صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.
 
في أوائل يناير/ كانون الثاني، اختفت 80 في المائة من سعة الإنترنت في اليمن عندما تم قطع كابل ألياف ضوئية تحت البحر بالقرب من قناة السويس. واستغرق الأمر أكثر من شهر لإصلاح ما يسمى بكابل فالكون، مما أجبر الغالبية العظمى من اليمنيين على البقاء بلا إنترنت، وكشف عن مدى ضعف البنية التحتية للإنترنت في اليمن في مواجهة الاضطرابات واسعة النطاق.
 

أثر انقطاع الخدمة أيضًا على الكويت والمملكة العربية السعودية والسودان وإثيوبيا، ولكن هذه البلدان لديها توصيلات كابل إضافية لتلجأ اليها.
 
وقال" فهمي الباحث" خلال مقابلة عبر واتساب "نحن نتحدث عن أسوأ اتصال بالإنترنت في العالم ". وفهمي هو مهندس برمجيات ورئيس فرع منظمة مجتمع الإنترنت غير الحكومية الدولية في اليمن والذي يعيش في محافظة الضالع (شمال عدن)، بالقرب من واحدة من أكثر الخطوط الأمامية نشاطًا في الحرب التي تفصل الحوثيين عن الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة.
 
وفقًا لـ «M-Lab»، وهو مشروع مفتوح المصدر يقيس سرعات النطاق العريض حول العالم، يحتل الإنترنت اليمني المرتبة الأخيرة عالميًا بمتوسط سرعة 0.38 ميجابت في الثانية. بحيث أنه بهذه السرعة، سيستغرق الأمر أكثر من 30 ساعة لتنزيل فيلم 5 جيجا بايت في اليمن.
 
كما يراقب الحوثيون وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية، وإن كان ذلك باستخدام أساليب منخفضة التقنية. وقد تسلل المتمردون إلى مجموعات دردشة الواتساب باستخدام هواتف المعتقلين. كذلك، اقتحم مسلحو الحوثيون جامعة إب في أوائل يناير وخطفوا العديد من طلاب القانون الذين انخرطوا في خلاف سياسي مع طلاب الحوثيين عبر دردشة جماعية على الواتساب.
 
أيضا، داهمت إحدى القيادات العسكرية الحوثية منزل مدرس بعد أن انتقد الجماعة على فيسبوك لعدم دفع الرواتب.
 
تم حظر العديد من منصات وسائل التواصل الاجتماعي طوال فترة الحرب. ويعد كل من فيسبوك وواتساب الأنظمة الأساسية المفضلة لليمن، حيث يشترك فيها أكثر من 90 بالمائة من مستخدمي الإنترنت.
 



وكغيره من اليمنيين المتعلمين بالتكنولوجيا، غالبًا ما يلجأ "فهمي" إلى الشبكات الخاصة الافتراضية (تطبيق VPN) لتجاوز تصفية وسائل التواصل الاجتماعي. لكن من يفعل ذلك هم الأقلية فقط. إذ تقدر نقابة شبكات المجتمع أن حوالي 20 بالمائة فقط من اليمنيين يعرفون كيفية العثور على تطبيق VPN لا تمنعه سلطات الحوثيين.
 
الجانب السلبي لاستخدام VPN هو أنه يضيف حمولة إضافية على النطاق الترددي المحدود بالفعل، مما يبطئ سرعات التنزيل.
 
أثناء مقابلة الموقع «Coda Story» مع فهمي، كانت أصوات إطلاق النار والانفجارات مسموعة من خلفه كما تعطل الاتصال عبر الإنترنت عدة مرات أثناء المكالمة. بعد بضعة أيام، عندما حاول إجراء مكالمة هاتفية على الواتساب، تم إبلاغه أن اتصاله بالإنترنت حال دون هذه المكالمات.
 
بالعودة إلى صنعاء، لا يزال أحمد العليمي يكافح لإلغاء رفع أسعار الفائدة والسماح بتجميدها. وفي ديسمبر/ كانون الأول، بعد يوم من مشاركته في إضراب انقطع اتصال كل شبكة مجتمعية تقريبًا في البلاد، تمت دعوته هو وزميله للقاء وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مسفر النمير ومحمد علي الحوثي، - عضو بارز في المجلس السياسي الحوثي-، واتفق الطرفان على تشكيل لجنة لإعادة النظر في قرار رفع أسعار الإنترنت وتعهدا بإعادة جميع المعدات المصادرة في غضون أسبوعين.
 
بعد انتهاء الاجتماع، اعتقلت دائرة الأمن والمخابرات التي يديرها الحوثيون العليمي، بدعوى أن إضراب اليوم السابق تسبب في إغلاق شبكة الهاتف المحمول التي تديرها الدولة يمن موبايل لأن الكثير من الناس تحولوا إلى خدمة 3G في آن واحد. وقد أطلق سراحه في اليوم التالي.
 
بعد أكثر من شهرين ونصف من الاجتماع، بحسب العليمي، لم يتم تشكيل لجنة لإعادة النظر في ارتفاع الأسعار ولم يتم إرجاع أجهزة WiFi المصادرة من قبل الحوثيين.


المصدر: موقع «Coda Story» الأمريكي