ترجمة: أبوبكر الفقيه- يمن شباب نت
قال تقرير لمعهد أمريكي: "حينما زار غريفيث الحديدة في نوفمبر 2018 حيث كان القتال لا يزال مستمراً هناك، لكن زيارته إلى مأرب عقب انتهاء موجة تصاعد العنف، إذ أنه من المحتمل أن تكون هذه إشارة على نوايا الأمم المتحدة للاعتراف بالمكاسب الميدانية الأخيرة للحوثيين".
وأضاف معهد «Middle East Institute»الأمريكي في تقرير - ترجمة "يمن شباب نت" – يريد الحوثيين توسيع سيطرتهم على المحافظات لتكون لهم اليد العليا في أي مفاوضات سلام قادم، بالإضافة إلى أن عملياتهم العسكرية شمالًا في الجوف، تهدد الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية ويعزز نفوذهم تجاه المملكة في المحادثات الغير معلنة.
ولفت التقرير "أن القتال المستمر في الجوف والتصريحات الأخيرة للحوثيين تقدم دليلاً على خطواتهم التالية. فقد اختبروا إرادة المجتمع الدولي ويعرفون جيدا ما يفعلونه".
نص التقرير
بعد أسبوع واحد فقط من سيطرة المتمردين الحوثيين على مدينة الحزم، (عاصمة محافظة الجوف) - قام مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث بزيارة غير مسبوقة استمرت ليوم واحد إلى الهدف التالي المحتمل للحوثيين - حيث مأرب الغنية بالغاز والنفط، مع التأكيد على الحاجة الملحة للحد من التصعيد وعقد مؤتمرا صحافيا برفقة سلطان العرادة، محافظ مأرب.
وبينما يبدوا تدخل مبعوث الأمم المتحدة هادفاً إلى إخماد النيران الحالية فقط بدلاً من حل النزاع الأساسي، أوضح العرادة أن الحكومة اليمنية "دعمت السلام الحقيقي". وأضاف العرادة، في إشارة إلى اتفاق ستوكهولم الذي أبقى على سيطرة الحوثيين على الحديدة ومنع الحكومة اليمنية من توسيع نطاق سلطتها خلافا لما نصت عليه بنوده "لا يشرفنا ولا مبعوث الأمم المتحدة أن نرعى سلاما ًزائف".
تطبيع الوضع الراهن مرة أخرى
بينما زار غريفيث الحديدة في نوفمبر 2018 حيث كان القتال لا يزال مستمراً هناك، جاءت زيارته إلى مأرب عقب انتهاء موجة تصاعد العنف. إذ أنه من المحتمل أن تكون هذه إشارة على نوايا الأمم المتحدة للاعتراف بالمكاسب الميدانية الأخيرة للحوثيين، وذلك يرجع لسببين:
أولاً، يدرك مبعوث الأمم المتحدة اليوم أن ميزان القوى المحلي في 2018-2019 واتفاق ستوكهولم لم تكن كافية لإحداث محادثات سلام ناجحة وشاملة. حيث إن التغيير الهام يحدث فقط عبر السيطرة على الأرض، إلى جانب التحولات في التحالفات المحلية، مما من شأنه أن يضع الأساس لمفاوضات جادة.
غير أن معادلة سيطرة الحوثيين على نهم والغيل والحزم، إلى جانب سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن الساحلية، والانقسامات الواضحة داخل القوات المدعومة من التحالف، قد غيرت المعادلة. ويعني الضعف الحالي للحكومة اليمنية أنه يمكن الضغط عليها لتقديم تنازلات، وهي نتيجة يفضلها البعض في جماعات الدفاع عن حقوق الانسان والدوائر الإنسانية في بروكسل ولندن ونيويورك.
في الواقع، اعتبر العديد منهم بشكل خاص أن قرار مجلس الأمن رقم 2216 يشكل عائقًا أمام جهود حل النزاع، وبالتالي يتطلب تغييرًا على الأرض في غياب قرار جديد لمجلس الأمن. في الوقت الحالي، يبدو أن المجتمع الدولي غير مكترث بمن سيتولى السلطة في اليمن ما بعد الحرب.
ثانيًا، قد يؤدي الإفراط في التركيز على إنهاء الحرب بأي ثمن إلى إبرام اتفاقية هشة لا تؤدي إلا إلى دورة أخرى من العنف. فاتفاق ستوكهولم الغامض والمحاولات اليائسة اللاحقة لإظهار التقدم في الحديدة، مهما كانت ضعيفة، ومحاولة إنقاذ الاتفاق من الانهيار تعكس نهجًا (أممياً) يعج بالأخطاء.
فقد سعى غريفيث مؤخرًا إلى إحياء عملية السلام بغض النظر عن وضع اتفاق استكهولم. وفي إحاطته بمجلس الأمن في كانون الثاني / يناير 2020، أخبر المجلس أنه بات" أقرب إلى بدء مشاورات سياسية بشكل رسمي" بين الحكومة والحوثيين لإنهاء الحرب هذا العام. ومع ذلك، كما يوضح التصعيد الأخير، استغل الحوثيون "الهدوء النسبي" في 2019 لإعادة تنظيم قواتهم وشن هجوم على الجوف. لهذا السبب يجب أن تسير جهود السلام في اليمن جنباً إلى جنب مع العمليات العسكرية.
اعتبر الحوثيون زيارة غريفيث لمأرب غير ضرورية، واتهم كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام المبعوث بإطالة الحرب من خلال نهج مقسم جغرافياً لصنع السلام، بما في ذلك محاولة وقف إطلاق النار في مأرب. وقـد قلل وقف إطلاق النار في الحديدة الضغط على الحوثيين من الضربات الجوية، مما منحهم الوقت لإعادة التجمع والتخطيط للعمليات العسكرية الجديدة.
لقد رأى الحوثيون فرصة استراتيجية في الخلاف بين الجماعات المناهضة لهم لتوسيع سيطرتهم الإقليمية على المحافظات الغنية بالموارد، وعلى الأخص مأرب وشبوة، في نهاية المطاف "ليكون لها اليد العليا في أي صفقة [سلام]" ـ بحسب ما تقوله الباحثة فاطمة أبو الاسرار.
في الوقت نفسه، يسعون أيضًا إلى تقدم عملياتهم العسكرية شمالًا في الجوف، مما يهدد الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية ويعزز نفوذهم تجاه المملكة في المحادثات الغير معلنة.
القتال المستمر في الجوف والتصريحات الأخيرة للحوثيين تقدم دليلاً على خطواتهم التالية. فقد اختبروا إرادة المجتمع الدولي ويعرفون جيدا ما يفعلونه.
يجب على الأمم المتحدة منع سقوط مأرب
سابقاً وفي محاولة لتطبيع الوضع الراهن في الحديدة، شددت الأمم المتحدة على الكلفة الإنسانية المحتملة حتى تمكنت من إبرام اتفاق استوكهولم، وهو نهج يجب استخدامه في مأرب لحماية أكثر من مليون من النازحين داخلياً. وفي حين اعترفت الأمم المتحدة بالعدد الكبير من النازحين في مأرب، إلا أنها لم توضح بعد كيف سيحميهم المجتمع الدولي.
وتضم مأرب أكبر عدد من النازحين في الدولة. فبالإضافة إلى 770,028 نازح تم تسجيلهم في مارس 2019، هناك الآلاف من العائلات النازحة حديثًا والنازحين غير المسجلين.
وخلال زيارته التي استغرقت يومًا واحد إلى مأرب، فهم غريفيث الرهانات القائمة، حيث زار مخيم الجفينة للنازحين، وهو أكبر مخيم من هذا النوع، والذي يستضيف أكثر من 6000 عائلة نازحة.
الأهم من ذلك، هو أنه لا يجب أن تسمح دعوة غريفيث لخفض التصعيد بأي شكل أو صيغة ما للحوثيين باغتنام الفرصة مرة أخرى لتوسيع سيطرتهم على الارض. إذ أن توازن القوى المحلي المحيط بمأرب يكفي للقلق بالفعل، حيث يحيط الحوثيون حالياً بالمدينة من الشمال عبر الحزم (على بعد 134 كم) والشرق عبر صرواح (على بعد 40 كم تقريبًا).
وهناك احتمال كبير بأنهم سيشنون هجومًا متعدد الجوانب على مأرب في محاولة للاستيلاء على حقول النفط في صافر، على بعد حوالي 70 كم شرق المدينة.
سيكون لهجوم الحوثيين على مأرب عواقب وخيمة - ليس فقط من حيث توزيع السلطة، بالنظر إلى أن المحافظة هي "آخر معقل للحكومة اليمنية" ـ بحسب الباحثة ندوى الدوسري - ولكن الأهم هو تداعياته بالنسبة للنازحين داخلياً. إذ سيؤدي الهجوم على مأرب إلى نزوح جماعي، مما يضاعف من الأزمة الإنسانية الخطيرة بالفعل. كمــا قد يصبح الصراع نفسه أكثر ضبابية إذا فقدت الحكومة السيطرة على مأرب، بالنظر إلى الرفض الإيديولوجي الشعبي لمشروع الحوثي المدعوم من إيران في اليمن.
الحكومة اليمنية.. عالقة في مأزق
في مواجهة جهود الأمم المتحدة لتطبيع الوضع، وأهداف الحوثيين التوسعية، تجد الحكومة اليمنية نفسها في وضع غير مستقر ولديها خيارات محدودة للغاية: وهـي إما البقاء في موقف دفاعي ضد هجمات الحوثيين أو تأمين مأرب من خلال شن هجوم مضاد لاستعادة السيطرة على المناطق المفقودة أو كسر تركيز قوات الحوثيين من خلال فتح خطوط جبهة جديدة.
يبدو أن التصعيد الأخير للحوثيين منح الحكومة، بالتنسيق مع العميد طارق صالح الذي يقود قوة على الساحل الغربي، قضية ذات مصداقية للإعلان رسمياً عن انهيار اتفاق استوكهولم، وبالتالي إعادة تنشيط جبهة الحديدة ووضع الحوثيين في موقف دفاعي.
تتحمل الحكومة مسؤولية حماية النازحين داخلياً في مأرب ووقف تدهور الوضع الإنساني، وهذا سيتطلب منها اتخاذ خيارات عملية صعبة تتناسب مع تحديات اليوم. فيجب عليها حل التوترات داخل معسكرها في الوقت المناسب، وتحسين العلاقات مع نظرائها، وإزالة المسؤولين الذي يشتبه بعلاقاتهم بالحوثيين من صفوفها.
ما الذي يمكن فعله لمنع أزمة نازحين أخرى؟
يمكن القيام بعدة أشياء للحد من مخاطر حدوث أزمة جديدة للنازحين داخليًا. أولاً، يمكن لوكالات الأمم المتحدة، مثل برنامج الغذاء العالمي واليونيسف، وتحالف المنظمات غير الحكومية التي مارست الضغط لوقف الهجوم على الحديدة، زيادة الضغط الدولي على الحوثيين بشكل عاجل لإنهاء حملتهم ضد مأرب.
يجب على المجتمع الدولي أن ينقل تركيزه من التحالف والحكومة اليمنية إلى أنشطة الاطراف المسلحة من اللا دولة التي تعرض عملية السلام للخطر بشكل كبير، وكذا مئات الآلاف من المدنيين. فالنازحون في مأرب ليس بوسعهم الانتظار.
ثانياً، يمكن للولايات المتحدة ـ إدراكاً منها لخلل التوازن المحلي المقلق للسلطة وآثاره على عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة ـ دعم الهجوم المضاد للحكومة اليمنية لتأمين مأرب من خلال تنسيق استخدام القوة الجوية مع شركائها الخليجيين. حيث سيؤدي ذلك إلى قطع خطوط إمداد الحوثيين من صنعاء، والحد من تعزيزاتهم العسكرية، وتوفير غطاء للعمليات البرية.
إن تأمين مأرب هو السبيل الوحيد لحماية النازحين، والطريقة المثلى لتأمين مأرب هي دفع الحوثيين المدعومين من إيران إلى العودة من المنطقة، إما بالوسائل السلمية أو العسكرية.
ثالثًا، يمكن لوزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إدانة التصعيد الحوثي بشكل قاطع ومطالبة الحوثيين بالانسحاب من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها مؤخرًا. حيث في ضوء العدد الكبير من الأشخاص النازحين داخلياً في مأرب واستغلال الحوثيين لخفض التصعيد الأخير، يجب أن يكون التركيز على تجنب أزمة نزوح أخرى من خلال منع انهيار الحكومة باستخدام جميع الوسائل المتاحة.
من غير المرجح أن يمنح ميزان القوى الحالي الذي يصب في صالح الجماعات المتمردة، اليمنيين ذلك النوع من السلام الذي يستحقونه فعلاً، لا سيما عندما يُترجم الوضع الراهن إلى أوراق مساومة في أي محادثات سلام مقبلة.
وفي ظل استمرار المعارك في الجوف والضالع وصرواح حتى وقت كتابة هذا التقرير، فإن الاكتفاء بالدعوات إلى "إسكات المدافع" في ظل الظروف الحالية لن تجدي نفعاً سوى تعريض النازحين في مأرب لخطر شديد.