توتر بعدن

بعد التحشيد العسكري المتبادل في اليمن.. هل تنزلق عدن إلى حرب جديدة؟!

بعد أن تحول اتفاق الرياض الذي تم توقيعه نهاية العام 2019 إلى مجرد بنود على ورق، والذي جاء في أعقاب أحداث دامية في العاصمة عدن بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي في شهر أغسطس/آب من نفس العام، تعيش اليوم العاصمة الجنوبية حالة من الترقب بعد التحشيد العسكري من جانب كل الأطراف، وسط تحذيرات شديدة اللهجة تنادي بضبط النفس خوفا من الانزلاق إلى الحرب.

ويرى مراقبون أن الأوضاع المعيشية وحالة الفوضى وغياب الأمن وحالات القتل خارج إطار القانون قد تؤدي إلى الكارثة إن لم تسيطر السعودية والتحالف وتحتوي التوترات فسوف ينزلق الجنوب إلى حرب لا يعرف أحد متى ستنتهي.

وعبر فؤاد راشد رئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي في حديث لـ"سبوتنيك"، عن مخاوفه من انزلاق الجنوب اليمني إلى الحرب الداخلية مع الشرعية، في ظل الأوضاع المتردية في عدن.

وقال راشد، إن الأوضاع الأمنية المتردية في عدن تثير الكثير من القلق، بعد التحشيد العسكري المتبادل في عدن وأبين، بما ينذر بأن الأوضاع تسير نحو الانزلاق إلى معركة عسكرية عبثية جديدة سيكتوي بنارها الجميع، ويكون وقودها شباب الجنوب، مهما حاول هذا الطرف أو ذاك اصباغ مبررات دينية أو وطنية أو سياسية لمثل تلك الأعمال العسكرية المرفوضة.

وأكد رئيس الحراك الثوري على أن الأوضاع الأمنية المنفلتة في عدن قد بلغت أقصى درجاتها، والتي كان آخرها المعركة التي اقضت مضاجع المواطنين بمدينة كريتر الخميس 19 مارس/آذار الجاري والتي استمرت حتى الساعات الأولى من فجر الجمعة واستخدمت فيها الأطقم العسكرية شبه الرسمية، واتضح بعدها أن الأمر يتعلق بشأن عائلي، وسبق تلك الواقعة عملية اغتيال الجندي أبو ناصر الحدي وتصفية الشابين أحمد فؤاد ومحمد طارق اللذين تم اختطافهما في وضح النهار ثم اعيدا جثتين هامدتين بعد إلحاق التعذيب بهما، فضلا عما جرى صباح الجمعة الماضية من تبادل لاطلاق النار بالاسلحة الخفيفة والمتوسطة في أنحاء متفرقة من العاصمة عدن.

وأشار راشد إلى أن هذه الأوضاع الأمنية المنفلتة في العاصمة عدن تعود اساسا إلى التركيبة غير السوية للوحدات العسكرية المستحدثة مابعد تحرير عدن عام 2015، وساهم التحالف العربي والشرعية بقسط أوفر في العبث بها حيث جرى إنشاء تشكيلات عسكرية مناطقية بحتة، بعيدا عن أي معايير عسكرية تؤسس لجيش وأمن وطني جنوبي، ولكن ما تم تأسيسه واضح للعيان بأنه يضع بذور للصراع الجنوبي الجنوبي مستقبلا.

وطالب راشد التحالف بالمساعدة في تصحيح الوضع الأمني بعيدا عن استغلال الجانب السياسي للقضية الجنوبية كغطاء شكلي لأهداف اخرى، لكن ظل صوت العقل في معمعة مصالح الآخرين وغوغائية من تقدم المشهد قليل التأثير، وهو ما يجعل تنامي الفشل الأمني متزايد متصاعد في ظل مايبدو واضحا أن هناك من يعمل على تشجيعه للاستمرار على هذا النحو حتى لا تستقر عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة لها، بل وتضعف القضية الجنوبية وأهدافها العادلة والمشروعة.

وأوضح رئيس الحراك، في ظل استمرار الانفلات الأمني في العاصمة عدن نخشى أن يكون هذا الانفلات بداية دورة عنف جديدة استئنافا لدورات العنف التي تمت خلال العامين السابقين، وربما ستأخذ هذه الدورة شعارات جديدة ومختلفة عن شعارات دورات العنف السابقة، مشيرا إلى أن القضية الجنوبية محصنة بشعب الجنوب الحر ولا يمكن لها أن تغيب أو تسقط لنزق هذا التيار أو ذاك، وستظل قضية الجنوب وآليات نضالها كما حددها الحراك الجنوبي منذ انطلاقته الاولى وسنظل متمسكين بها حتى تحقيق كامل أهدافها.

ودعا راشد الشرعية والانتقالي إلى التوقف عن التصريحات العسكرية المتبادلة بين الشرعية والانتقالي والعودة لتنفيذ اتفاق الرياض بشقيه العسكري والأمني بصورة فورية، وطالب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بالضغط على طرفي الاتفاق وحثهم على تنفيذ بنوده، وكذلك البدء فيما طالبنا به منذُ العام 2016م وهو توحيد غرفة العمليات العسكرية والأمنية، وتعزيز المؤسسات الأمنية بالكوادر انطلاقاً من مبدأ الكفاءة والانضباط العسكري والإخلاص الوطني.

من جانبه قال الدكتور عبد الستار الشميري الكاتب والمحلل السياسي اليمني لـ"سبوتنيك"، لا اعتقد أن الأمور ستذهب بعيدا لأن الشرعية والانتقالي يعلمون أن أي اشتباك قادم في عدن سوف يحيلها إلى محرقة في ظل توازن القوى لدى الطرفين ووجود سلاح ثقيل لدى الطرفين.

وأشار الشميري، أعتقد أن الأمور لن تتعدى اشتباكات بسيطة أو مهاترات في الجانب الإعلامي والسياسي، وقريبا سيتم دعوة الطرفين إلى وضع النقاط على الحروف ومحاولة لملمة ما تعثر من اتفاق الرياض، لا سيما وأن التحالف أيضا ليس على موقف واحد فيما يتعلق بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وهناك تباينات وكذلك الأمر داخل صفوف الانتقالي وقيادته.

وكانت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقعا، برعاية سعودية، في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اتفاق الرياض لإنهاء التوتر والتصعيد العسكري بينهما على خلفية سيطرة قوات المجلس على العاصمة المؤقتة عدن في العاشر من آب/أغسطس الماضي، عقب مواجهات دامية مع الجيش اليمني استمرت أربعة أيام وأسفرت عن سقوط 40 قتيلاً و260 جريحاً، بحسب الأمم المتحدة.

وينص الاتفاق على "مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء انقلاب جماعة أنصار الله "الحوثيين" على الشرعية اليمنية.

ويحدد الاتفاق، في ترتيباته السياسية، تشكيل حكومة كفاءات لا تتعدى 24 وزيرا بالمناصفة بين المحافظات الجنوبيةوالشمالية، يعينهم الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية خلال 30 يوما من توقيع الاتفاق على أن يؤدي أعضاؤها القسم أمام الرئيس في اليوم التالي بعدن، وهي المهلة التي انتهت بالفعل دون تنفيذ ذلك.

كما ينص على عودة جميع القوات التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية آب/أغسطس الماضي- إلى مواقعها السابقة، وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة خلال 15 يوما.