كورونا

كيف حرمت الإجراءات الاحترازية من "كورونا" يمنيين من مصدر عيشهم

تقرير: عبدالكريم نصر

قبل صعودي إلى باص الأجرة، باغتني سائقه بالسؤال: “أين الركاب اليوم؟”، مستدركاً باستغراب: “من الصباح وأنا أبحث عن الركاب، ولم أجدهم”. أخبرته أن الدراسة الجامعية توقفت خوفاً من فيروس كورونا. التفت إليَّ وهو يهمهم: يا الله وين نروح، 90% من زبائننا طلاب. فين نروح يا رب؟ من أين جاءت لنا هذه البلوى؟”.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحاً من يوم 14 مارس الجاري، وهي من أهم أوقات الذروة للسائقين، الذين تكتظ باصاتهم بالطلاب، قبل هذا اليوم.
لكن الشوارع حينها بدت شبه فارغة في العاصمة صنعاء، كأن السكان يعيشون اللحظات الأولى للحرب التي بدأت في مثل هذا الشهر من العام 2015، وما تلاها من أزمات اقتصادية وصحية ألقت بظلالها على ملايين اليمنيين.

“كورونا” يعيد لحظات الحرب الأولى

تعود الذاكرة إلى تلك الأيام التي قضاها السكان في منازلهم خوفاً من قصف طيران التحالف العربي بقيادة السعودية، الذي هاجم صنعاء حينها، وأوقف كل أعمال الناس، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وصولاً إلى ذروة الجوع الذي يعاني منه ملايين اليمنيين.
وفي اللحظات التي بدأت فيها الحياة تعود إلى بعض اليمنيين الذين أوجدوا لهم بدائل للرزق تقيهم من جوع الحرب، باغت فيروس كورونا العالم، ووضع اليمنيين مجدداً في مواجهة مع الظروف الاقتصادية الصعبة.
وبدأت هذه الظروف الصعبة تطل برأسها مع اتخاذ إجراءات وقائية، حتى لا يجد اليمنيون أنفسهم أمام جائحة وبائية جديدة. “هي إجراءات صحيحة 100%،. لكن ما ذنبنا نُحرم من الدخل اليومي الذي كنا نوفره لأبنائنا”، يقول سائق باص الأجرة أحمد النعماني.
النعماني الذي يعول أسرة مكونة من 8 أشخاص، لم يعد يستطيع توفير 2000 ريال يمني يومياً، بعد توقف الدراسة الجامعية، رغم أنه كان يحصل على 10 آلاف ريال كمتوسط يومي من عمله في نقل الركاب.
لم يتأثر سائقو باصات الأجرة فقط، جراء الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومتا صنعاء وعدن، مطلع الأسبوع الماضي، بل تأثر أصحاب بوفيات ومطاعم في المدارس والجامعات اليمنية، وأصحاب الحدائق العامة والعاملون فيها أيضاً.
ويقول العشريني سليم غانم، أحد العاملين في حديقة الثورة العامة بصنعاء: “أغلقت الحديقة وتوقفنا عن العمل، وصرنا بدون دخل مادي بسبب الخوف من كورونا”.
باسم كغيره وجد عملاً في هذه الحديقة بعد بحث عن فرصة لأكثر من عام، لكي ينفق على أسرته المكونة من 4 أشخاص، أمه وإخوانه الثلاثة، حسب قوله، مضيفاً أنهم لم يتسلموا رواتب خلال فترة توقفهم عن العمل، ولا يدري متى ستعود الحياة إلى طبيعتها ويعودون لعملهم.

تفاقم أزمة اليمنيين

تتكرر المأساة مع كثيرين غير سليم، وكأن تداعيات الحرب لم تكن كافية، حتى يدخل اليمنيون أزمة جديدة لا تقل شراسة عن يوميات الحرب المستمرة.

 

رغم الأوبئة التي تناوبت على اليمنيين، خلال سنوات الحرب، وأخذت في طريقها الآلاف منهم، إلا أن تأثير “كورونا” الذي لم يصل إلى اليمن، بدا أشد فتكاً مما سبقه من أوبئة وفيروسات، إذ إنه أثر على معيشة الآلاف من الناس الذين يقبعون في منازلهم بعد إجراءات إغلاق الكثير من أماكن تجمعاتهم. 


ورغم الأوبئة التي تناوبت على اليمنيين، خلال سنوات الحرب، وأخذت في طريقها الآلاف منهم، إلا أن تأثير “كورونا” الذي لم يصل إلى اليمن، بدا أشد فتكاً مما سبقه من أوبئة وفيروسات، إذ إنه أثر على معيشة الآلاف من الناس الذين يقبعون في منازلهم بعد إجراءات إغلاق الكثير من أماكن تجمعاتهم.
ويخشى العاطلون عن العمل من استمرار هذا الوضع مع انتشار فيروس كورونا عالمياً، والخوف من انتقاله إلى اليمن، منهم صالح القطواني (47 عاماً) الذي بات بدون عمل بعد إغلاق محل الإنترنت، حيث يعمل.
وقال القطواني إنه يخاف من استمرار بقائه في المنزل دون عمل، متسائلاً: “من أين أوفر الطعام لأبنائي الخمسة؟”.
سؤال يتردد في الكثير من منازل اليمنيين، بعد الإجراءات المتخذة، والتي يعتبرها الكثيرون صحيحة، حتى لا يقع الكثير من اليمنيين ضحية وباء لا يتورع في حصد البشر.
ومنذ العام 2019 تلقت منظمة الصحة العالمية 78 ألف بلاغ عن أمراض في اليمن، أبرزها الكوليرا وحمى الضنك، وفق موقعها الرسمي.
وحصدت الكوليرا أكثر من 2000 يمني، وأصابت نصف مليون في نهاية العام 2017 فقط، وفق موقع المنظمة.
وانتشر فيروس إنفلونزا الخنازير، العام الماضي، مخلفاً أكثر من 650 حالة، توفي منها 125 حالة، في عموم المدن اليمنية، وفق تصريحات رسمية لمسؤولين في وزارة الصحة بصنعاء.
ويعاني القطاع الصحي، من تدهور جراء الحرب المستمرة، الأمر الذي فاقم من تفشي الأوبئة والأمراض، وتسبب في إغلاق بعض المرافق الصحية.
وفي ظل هذا الوضع المتردي للقطاع الصحي، يخشى اليمنيون من وصول فيروس كورونا الذي يبدو أكثر فتكاً مما سبقه من أوبئة حلت في اليمن.