الوضع الإنساني في اليمن

في اليمن.. مؤجر يدفع مواطن لتوزيع أطفاله على منازل الجيران

حسان محمد

ضاقت الدنيا في عيني عبدالله الجماعي، عندما أمهله مالك منزل في العاصمة صنعاء، لمدة 3 أشهر، ريثما يجد له منزلاً آخر، لأسرته المكونة من 5 أشخاص. لكن مدة المؤجر انقضت دون أن يجد الجماعي منزلاً يواري فيه حزنه.
وبعد انقضاء المدة، طرده المالك دون أن يكترث لتوسلاته بإمهاله وقتاً أطول، فوجد الجماعي نفسه وعائلته في الشارع مع أثاثهم المتواضع.
وعجز الجماعي، كغيره من المستأجرين، عن الالتزام بدفع الإيجار شهرياً منذ اندلاع الحرب في نهاية مارس 2015، وما تلاها من انقطاع المرتبات.
وبادر جاره في الشقة المجاورة باستضافته في شقته المكونة من غرفتين، وهو ما كان، إذ سكن الجماعي مع زوجته فيها، ووزع أطفاله على منازل جيران آخرين، وعندما علم مالك العمارة رفض استضافة جاره له، مهدداً الأسرتين بالطرد.
ويقول الجماعي بمرارة في حديثه لـ” المشاهد” : لا يوجد أقسى من عجزك أمام تشتت أسرتك، والخروج من منزلك إلى الشارع مطروداً، وتوزيع أطفالك في بيوت الآخرين.
وبعد رحلة طويلة من الشتات، حصلت الأسرة على دكان صغير لا يوجد فيه حمام ولا مطبخ، وبالكاد تكور الرجل وزوجته في ركن ضيق منه، لأن الأثاث شغل الجزء الأكبر من مساحة الدكان، كما يقول الجماعي.
ويفتقر الدكان لأي مظهر من مظاهر الحياة، عدا البؤس الذي لم الزوجين في ركنهما الضيق، بعيداً عن أطفالهما الذين مايزالون يعيشون حياة التشرد في بيوت الجيران.
“نعيش حياة صعبة في هذا الدكان الذي لا يتوفر فيه حمام”، مضيفاً أنهم ينتقلون أثناء ساعات النهار إلى حارتهم القديمة لاستخدام حمامات جيرانهم السابقين.
ويرى الجماعي الذي ينتسب إلى المؤسسة العسكرية، أن الموت أرحم من حياة الذل والتشرد، خصوصاً بعد فشل كل محاولاته في الحصول على فرصة عمل جديدة تخرجه من أزماته التي أثقلت كاهله. وبصوت حزين يقول: “صرت عالقاً في صنعاء التي عشت فيها معظم عمري، ولا أستطيع العودة إلى بلدتي النائية في وصاب السافل التابعة لمحافظة ذمار (وسط اليمن)، لعدم امتلاكي المال الكافي الذي يمكنني من العودة، فضلاً عن عدم وجود عمل هناك أستطيع من خلاله الحصول على مصدر رزق”.
وعلى الرغم من اليأس الذي يعيشه الجماعي، إلا أنه مايزال لديه أمل بالحصول على مسكن آخر، ولو دكان أوسع، لكن ارتفاع الأسعار يحول في كل مرة دون أمله.

مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي : إيجار العقارات ارتفعت بنسبة 100% في محافظتي صنعاء وإب، و50% في محافظتي تعز وعدن، فيما تجاوزت أسعار العقار 213% بمحافظة حضرموت، و650% في مأرب .


وبحسب تقرير “مؤشرات الاقتصاد في اليمن لعام 2018″، الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، فإن أسعار العقارات وإيجار العقارات ارتفعت بنسبة 100% في محافظتي صنعاء وإب، و50% في محافظتي تعز وعدن، فيما تجاوزت أسعار العقار 213% بمحافظة حضرموت، و650% في مأرب (شرق اليمن).
وتطرق التقرير إلى مجموعة من العوامل التي أسهمت في ارتفاع أسعار العقارات، أبرزها تحويلات المغتربين، وغسيل الأموال لنافذين في الحكومة، وزيادة إقبال النافذين من جماعة الحوثي على شراء العقارات، مشيراً إلى أن إجمالي ما يتم تداوله من أموال في سوق العقارات في المحافظات الـ6، يتجاوز ملياري دولار سنوياً.
ونشرت وزارة الداخلية التابعة لجماعة الحوثي، مؤخراً، تعميماً على أقسام الشرطة، بعدم رفع أسعار الإيجارات، وإجبار ملاك المنازل على التقيد بالإيجارات السابقة، لكن التعميم لم ينفذ، ولم يحل مشكلة المستأجرين المطالَبين بإيجارات الشهور المتراكمة، أو المجبرين على إخلاء المنازل.
وماتزال نزاعات الإيجار من أبرز القضايا المعروضة على المحاكم منذ انقطاع المرتبات، ولا يوجد أي قانون يحمي المستأجر في الأوضاع الطارئة، كالتي تعيشها البلاد حالياً، بحسب المحامي فاروق حيدر.
ويقول حيدر لـ”المشاهد”: “أغلب القضايا تنتهي بطرد المستأجر من دون النظر لظروفه أو ماذا سيكون مصيره وأسرته!”، مضيفاً أنه يجب وضع قوانين منصفة تحافظ على كرامة المستأجر، وتحافظ على الأسر من التشرد.
ويتفق معه القاضي عبدالله الفلاحي، بأن المحكمة تحكم بالقانون النافذ حالياً، ولا يمكن للقاضي أن يمنع مالك العين المؤجرة من التصرف بمنزله، خصوصاً أن أغلب القضايا لا يوجد بين الطرفين عقد إيجار.
ويقول الفلاحي لـ”المشاهد” إن “الحوار بين الطرفين أفضل الطرق لحل قضايا النزاع، وعادة ما يلجأ القاضي إلى حل وسط، لكن تعنت الطرفين يجعله يعود إلى المسار القانوني، ويكون المستأجر هو الضحية”.