جبال الكسارات

من هنا تنطلق الصواريخ.. كل ما تريد معرفته عن "جبال الكسارات" القاعدة العسكرية الأهم للحوثيين شمال صنعاء (خرائط)

لا تزال مواقع إطلاق ميليشيا الحوثي للصواريخ الباليستية باتجاه أهداف داخل اليمن أو في السعودية أمراً غامضاً لم تكشف الكثير من تفاصيله رغم مرور عدة سنوات على الحرب التي وسعت جماعة الحوثي نطاقها عقب اجتياحها العاصمة صنعاء، أواخر العام 2014م.

وعلى الرغم من امتلاك التحالف الذي يساند الحكومة بقيادة المملكة العربية السعودية تقنيات مراقبة حديثة، تتخذ الجماعة الحوثية احتياطات كبيرة لإخفاء هذه المواقع، ما يجعل من الصعوبة بمكان رصد هذه المنصات ومواقع الإطلاق.

"المصدر أونلاين" يتحدث في هذا التقرير عن واحد من أهم المواقع التي تستخدمها الميليشيا لإطلاق الصواريخ وإخفاء المنصات، ويعتقد أنه أكثر موقع أطلقت منه الصواريخ الحوثية نحو مختلف الأهداف منذ بدأت الحرب.

في الأطراف الشمالية للعاصمة صنعاء وبالقرب من دار الحجر، أحد أبرز التحف المعمارية في اليمن، تقع سلسلة "جبال الكسارات"، ممتدة من منطقة ضلاع همدان، وصولاً إلى "وادي ظَهْر" و"بيت نَعَم" شمالاً، على امتداد يزيد عن 3 كم "جوية".

تتسم هذه المنطقة بتضاريس تُعدّ مثالية لتنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، حيث يوجد بها العديد من الكهوف والشعاب والوديان، كما يوجد في الجبال العديد من الكسارات، وتسهم كثافة شاحنات نقل إنتاج الكسارات كبيرة الحجم في التغطية على منصات الإطلاق ذات الحجم المشابه تقريباً.

إضافة إلى طبيعته الجغرافية، فالموقع المذكور يقع بين ثلاثة معسكرات أحدها استحدثته الميليشيا للتدريب، يقع في طرف السلسلة الجبلية "شمال غرب" بالقرب من منطقة "بيت نَعم"، ويسمى "أنجر" إضافة إلى معسكر اللواء 140 دفاع جوي أو ما يعرف بمعسكر "الغوش" "جنوب شرق"، وأيضاً معسكر اللواء الثالث مشاه جبلي، والمعروف بمعسكر الاستقبال "جنوب غرب".

كما يعد الموقع مثالياً أيضاً لكونه مُحَاط بعدد من المناطق التي تعد حاضنة للميليشيا منذ بداية حروب صعدة الأولى ويوجد فيها الكثير من المؤيدين، فمن الجهة الغربية تقع منطقة "بيت نعم" والتي تعد أحد أهم مناطق تواجد الميليشيا في محافظة صنعاء، وتعتبر منطقة عسكرية خالصة ما جعل العديد من المصادر المحلية التي تحدثت لـ"المصدر أونلاين"، تؤكد وجود شخصيات رفيعة في قيادة الجماعة تتخذ من هذه المنطقة مقراً لها.

من الجهة الجنوبية تقع منطقة "ضلاع همدان" التي يتمتع الحوثيون فيها بحاضنة شعبية جيدة، ومن الجهة الشمالية الشرقية تقع منطقة "وادي ظهر" حيث يوجد الكثير من الموالين للجماعة.

ما يؤكد أهمية هذا المثلث الجغرافي بالنسبة لجماعة الحوثي، أنها اتخذت منه منطلقاً لاجتياح العاصمة صنعاء في العام 2014، وجمعت كل قواتها من صعدة وعمران إلى المنطقة وأدارت من هناك عملياتها العسكرية لاجتياح العاصمة منتصف سبتمبر 2014.

خلال السنوات الماضية استهدفت المقاتلات التابعة للتحالف العربي السلسلة الجبلية والمعسكرات المحيطة بعدة غارات أصاب بعضها أهدافاً ومخازن سلاح وأيضاً عناصر ممن جندتهم الميليشيا في المعسكر المستحدث، لكن كل ذلك لم يمنع الميليشيا من استمرار التدريب وإطلاق الصواريخ نظراً للمزايا المتوافرة في المكان.

ومنذ العام 2015 نشر "المصدر أونلاين" أخباراً، عن العشرات من عمليات إطلاق الصواريخ من هذه المنطقة، والتي كثفت الميليشيا مؤخراً من إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة منها نحو مختلف الوجهات سواءً داخلياً أو خارجياً.

وخلال الفترة من 29 من ديسمبر الماضي، وحتى الـ 4 من مارس الجاري، أطلقت الميليشيا من الموقع المذكور 12 صاروخاً، أطلق أحدها بالتزامن مع الانفجار الذي استهدف معسكر الاستقبال في محافظة مارب في الـ18 من يناير، وراح ضحيته أكثر من 100 مجند وفقاً لوزارة الدفاع اليمنية.

ورصد "المصدر أونلاين" عبر عدد من المصادر إطلاق صواريخ في "29 ديسمبر، و18،21،26،28،29، يناير و4،5،21،29 فبراير، و2،4 مارس" من المواقع المذكورة، كان النصيب الأكبر منها لمارب ثم الجوف فالسعودية.

الصاروخ الذي أطلق بتاريخ الـ21 من فبراير اتجه شمالاً وفقاً لشهود عيان، أعقبه إعلان المتحدث باسم قوات التحالف تركي المالكي، اعتراض الدفاعات السعودية صواريخ في سماء ينبع، شرق المملكة.



 

معسكر الغوش

يتميز معسكر "الغوش" اللواء 140 دفاع جوي سابقاً والواقع في منطقة ضلاع بوجود مخازن ضخمة، جعلته مكاناً مهماً لتخزين الصواريخ، وفي عام 2015، شنت مقاتلات التحالف غارات على "الهناجر" الموجودة في المعسكر، لكن مخازن الصواريخ وفقاً لمعلومات أدلى بها مصدر عسكري يعرف المعسكر لم يستهدفها الطيران.

ووفقا للمصدر ذاته، فإنه بعد استهداف الطيران للهناجر جلبت الميليشيا جرافات وجرفت كميات كبيرة من التربة لتعزيز أسطح هذه المخازن في مواجهة أي غارات أخرى.

لكن الطيران لم يشن أي غارات بعد ذلك، يتوقع المصدر أن أحد الأسباب التي تفسر عدم الاستهداف هو وجود المعسكر بالقرب من منطقة سكنية ومنازل المواطنين من سكان منطقة شملان لصيقة بسور المعسكر، ما يجعل حياة المواطنين في خطر في حال تم استهداف هذه المخازن.

وأشار المصدر إلى أن صواريخ كانت موجودة في أحد الهناجر التي استهدفها الطيران عام 2015، كادت أن تسبب كارثة، حيث تطايرت شظايا الصواريخ باتجاه المناطق السكنية ما أثار الرعب في قلوب الأهالي في الأحياء المجاورة آنذاك.

صواريخ إضافية

رغم مخزون الصواريخ في المعسكر ووجود الخبراء والمطورين الأجانب واليمنيين إلا أن الميليشيا لا تكتفي بها، حيث تنقل اليه الصواريخ التي غالبا ما تأتي قطعها من الحديدة عبر الطريق القادم إلى مديرية بني مطر، ثم يلتف نحو همدان، مروراً بمناطق ريعان ولؤلؤة وبيت مجحز فبيت نعم وضلاع، وصولاً الى المعسكر.

بينما تأتي صواريخ أخرى من اتجاه "قاعدة الديلمي الجوية" المجاورة لمطار صنعاء الدولي، يقول شاهد عيان من سكان المنطقة للمصدر أونلاين: شاهدت عدة مرات قاطرات لنقل العتاد العسكري الثقيل تأتي إلى المنطقة من اتجاه مديرية بني الحارث عبر "قرية القابل" ووادي ظهر وصولا إلى مواقع التخزين في معسكر "الغوش".

ويضيف: تابعت عدة مرات مسار هذه القاطرات التي تأتي وسط حراسة مشددة من أطقم عسكرية تابعة للميليشيا، لأجدها تخرج من اتجاه قاعدة الديلمي وتسلك طريق بني الحارث وصولاً الى منطقة جدر، ومنه إلى قرية القابل ووادي ظهر، ثم عبر طريق داخل الكسارات إلى المعسكر أو إلى موقع الإطلاق.

وخلال السنوات الماضية مارست الميليشيا تعسفاً متكررا تجاه الكسارات العاملة بالمنطقة، وكانت بين الفينة والأخرى تختلق ذريعة جديدة لإيقافها عن العمل، حتى تقوم بعمليات نقل آمنة لمعداتها وفقا لمصدر مطلع، مؤكداً أن التعسفات الحوثية اضطرت بعض مالكي الكسارات لبيعها أو الرحيل من المنطقة.

عملية الإطلاق

داخل مخازن معسكر "الغوش" تتم عملية تجميع الصواريخ التي يشرف عليها خبراء أجانب وفقا لمصادر عديدة، وبعد تجهيز الصاروخ تتحرك عربة الإطلاق "المنصة" في طريق استحدثه الحوثيون بعيداً من الطريق الإسفلتي الرسمي، يتجه شمالاً باتجاه الكسارات ثم غرباً باتجاه موقع وجبل "قيرة" وصولاً إلى معسكر الإستقبال.

على جنبات هذا الطريق المستحدث توجد العديد من المواقع المناسبة لإطلاق الصواريخ، والتي تتنوع بين شعاب وتباب ووديان صغيرة وكسارات، وفي كل مرة يتم الإطلاق من موقع مختلف أو يبعد قليلاً عن المواقع التي أطلق منها في أوقات سابقة.

بعد أن تنفذ عملية إطلاق الصاروخ تختفي المنصة لوقت قصير في الكهوف أو الوديان والصخور، قبل أن تعود أدراجها إلى المخازن المذكورة.

من يتولى عملية الإطلاق؟

وفقاً للعديد من المصادر المحلية التي تحدث اليها محرر "المصدر أونلاين" خلال الفترة الماضية وبعضها موالية للميليشيا فإن من يتولى مهمة إطلاق الصواريخ أشخاص غير معروفين، ومعظمهم يأتي من خارج المنطقة، بينما يتولى أشخاص من أبناء المناطق خدمتهم وتأمين المنطقة لهم وتأمين تحركاتهم. 

يستند الحوثيون كذلك الى التغطية بمشائخ المنطقة القلبيين، وأبرزهم الشيخ عاطف بن عاطف المصلي، وهو امين عام المجلس المحلي بمديرية همدان ومؤخرا عينه الحوثيون وكيلا لمحافظة صنعاء، وهو شخصية نافذة في منطقة ضلاع همدان، ويعتمد عليه الحوثيون في المنطقة.

مصادر متعددة أكدت في حديثها للمصدر أونلاين وجود خبراء أجانب يتنقلون في منطقتي "بيت نعم" و"ضلاع همدان" هم من يديرون هذه العمليات، بالإضافة إلى قيادات كبيرة في الميليشيا، ويظهر ذلك واضحاً مع كثافة الحركة الأمنية في هذه المناطق والطرقات المؤدية إليها.

وعقب سيطرتها على المنطقة في سبتمبر 2014م شنت ميليشيا الحوثيين حملات اختطافات ومداهمات واقتحامات لمنازل وتنكيل بالخصوم، ما مكنها من إخضاع من لا تزال الجماعة ترى فيهم خطراً محتملاً لتهيئة المنطقة وجعلها آمنة بشكل كامل لعملياتها.

يقول أحد المصادر للمصدر أونلاين، شاهدت عدة مرات باصات نقل متوسطة الحجم "هايس" تنقل شخصيات من وإلى هذه المنطقة، وتمر في الغالب عبر طرقات فرعية غير مزدحمة.

كما أن أشخاصاً من أبناء هذه المناطق تلقوا تدريبات في المعسكرات القريبة من قبل خبراء أجانب سواءً في عمليات الطائرات المسيرة أو إطلاق الصواريخ.

وفي التاسع من فبراير الماضي، هز انفجار ضخم قرية القابل المجاورة، ونشر حينها "المصدر أونلاين" نقلاً عن مصدر محلي أن الانفجار الذي أدى إلى تدمير منزل "محمد حميد الدين" القيادي في الميليشيا، ناتج عن حدوث خطأ أثناء تفخيخ طائرة مسيرة.

ووفقاً للمصدر، فالقيادي الحوثي كان قد حول منزله إلى معمل لتفخيخ الطائرات بإشراف خبراء أجانب، أسفر الانفجار عن سقوط قتلى وجرحى في أوساطهم.

وأشار سكان إلى أن المسلحين الحوثيين وعقب الانفجار حاصروا المنطقة التي يقع فيها المنزل، وقاموا بتجميع أشلاء تطايرت في الأنحاء.

الصواريخ وسكان المنطقة

تقع معظم مواقع إطلاق الصواريخ بالقرب من أحياء سكنية، ما يجعل هذه العمليات مبعث خوف ورعب لدى أطفال ونساء هذه المناطق، نتيجة للانفجار، ثم خوفاً من غارات للطيران على الموقع.

كما أن الصاروخ الذي يطلقه الحوثيون يشكل خطراً على أهالي المناطق المجاورة، فهو أيضا يسبب قلقاً لسكان المناطق الآهلة بالسكان على مدى انطلاق الصاروخ، فوفقاً لمصادر متطابقة، الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون بتاريخ 4 مارس 2020 من المنطقة المذكورة باتجاه الحزم مركز محافظة الجوف، بالتزامن مع الاستعدادات لاقتحامها، سقط في منطقة "مدام" بمديرية همدان، في موقع بالقرب من مقبرة القرية، ولم يخلف أي أضرار.

كما سبق ورصد "المصدر أونلاين" عشرات الصواريخ التي تطلقها الميليشيا وتسقط في مناطق سكنية أو في أرض خالية في مناطق متفرقة بالبلاد.