سارعت السعودية قبل 5 سنوات إلى التدخل في الحرب الأهلية باليمن بقوة، وكان ذلك على ما يبدو دون النظر في عواقب هذه الخطوة.
وبعد 5 سنوات، يبدو أن السعودية تحاول تخليص نفسها من اليمن، مما يثير مخاوف من فشلها في التفكير في عواقب انسحابها أكبر من فشلها في التفكير في عواقب تدخلها.
انخرط السعوديون منذ الخريف الماضي، في محادثات مباشرة مع جماعة "أنصار الله" الحوثية التي دفع تقدمها المقلق في معظم أنحاء اليمن خلال أوائل عام 2015 إلى تدخل تحالف عسكري عربي قادته الرياض.
وفي الوقت الذي أسفرت فيه المحادثات عن انخفاض العنف في أواخر عام 2019، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة عودة مقلقة للحرب مع تقدم القوات الحوثية البرية في مناطق شمال اليمن، والتي كانت تعتبر في السابق بعيدة المنال.
وتضيف هذه التطورات مصداقية إلى الرأي القائل بأن "الحوثيين" قد انتصروا بالفعل في الحرب.
وسيكون "الحوثيون" في مثل هذه الظروف أقل ميلًا لتقديم تنازلات، مما يعقد جهود الرياض للقيام بانسحاب يحفظ ماء الوجه.
وحسب المحللة اليمنية "ندوى الدوسري"، فإن "التحرك العسكري الأخير للحوثيين استراتيجي"، فضلا عن أن الهجمات الجارية في جنوب وغرب اليمن، قد تمكّن الجماعة من توسيع سيطرتها في جميع أنحاء البلاد مرة أخرى.
ويواصل المفاوضون السعوديون جهودهم للتوصل إلى صيغة مع "الحوثيين" لتأمين الحدود الجنوبية للمملكة، في الوقت الذي تهدد فيه الحرب بابتلاع مناطق اليمن التي كانت حتى الآن هادئة نسبيًا، ويعد هذا التأمين أمر أساسي لقدرة الرياض على إنهاء تدخلها العسكري في اليمن.
وفشلت الرياض في تحقيق أهدافها والتي شملت استعادة حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي"، وتقليص دور إيران.
ويُنظر إلى الرئيس "هادي" على نطاق واسع على أنه "غير قادر على حكم اليمن".
ويعتبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (عام 2015) هو الذي مكَّن "هادي" من الحفاظ على منصبه، حيث إنه يعترف صراحةً بشرعية الرئيس اليمني، بينما دعم مطالب محددة لصالح الحوثيين.
ومن المرجح أن يجد "الحوثيون"، الذين تحفزوا من خلال النجاحات الأخيرة في ساحة المعركة، هذه المطالب أقل إغراء مما كانت عليه قبل 5 سنوات.
وقد يعتمد السعوديون على استنتاج أن "الحوثيين" سيرون الرياض في وضع أفضل لتقديم ما يحتاجون إليه على المدى الطويل من إيران المتعثرة والضعيفة اقتصاديًا.
وكما لاحظ المحلل اليمني "عبد الغني الأرياني"، فإن سكان صعدة، القاعدة الرئيسية التقليدية لـ"الحوثيين" في شمال غرب اليمن، كانوا على الدوام مرتبطين بالسعودية.
وكانت صعدة على مدى أجيال جزءًا من الاقتصاد السعودي حيث كان التزاوج والروابط العائلية عبر الحدود منتشرا.
لذا، فإن الوضع الحالي، الذي هم فيه الآن أعداء للسعودية، هو حالة استثنائية ".
إلى جانب ذلك، يمكن للرياض توفير المساعدة الاقتصادية اللازمة لإعادة بناء صعدة وتنشيط اقتصادها.
ويمكن للرياض أيضًا ضمان حصول "الحوثيين" على مستوى من التمثيل في أي حكومة وحدة وطنية مستقبلية تتناسب مع السيطرة التي يمارسونها حاليًا على البلاد.
ويكمن التحدي الذي تواجهه السعودية في الخروج من اليمن دون إرساء الأساس لحل سياسي مستدام.
وقد ترى الحل في عقد صفقة مع "الحوثيين" تؤمن حدودها فقط، وسيقضي ذلك فعليًا على آفاق أي مفاوضات وطنية أوسع، ويدعو عناصر "الحوثيين" الأكثر تطرفًا للاستفادة من مكاسبهم الأخيرة على الأرض والسعي لإنهاء الحرب عسكريًا.
يبدو أن مثل هذا السيناريو بدأ في التبلور، حيث يظهر أن قوات "الحوثيين" على استعداد لشن هجوم بري على محافظة مأرب آخر معقل لحكومة "هادي" في شمال اليمن.
ومنذ بداية العام، سيطرت قوات الحوثي على أراض في المنطقة، وبحسب ما ورد تحرص المليشيا على التحرك نحو مدينة مأرب، عاصمة المحافظة.
وستتسبب معركة السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط كابوسًا لنحو 800 ألف يمني مهجر داخليًا فروا إلى مأرب خلال الحرب.
كما يمكن أن توفر فرصة لـ"الحوثيين" لمحاولة استعادة الأراضي في جنوب اليمن التي احتلوها في المراحل الأولى من الحرب، لكنهم تخلوا عنها لاحقا.
قد يميل "الحوثيون" إلى عقد صفقة مع "المجلس الانتقالي الجنوبي" المتمركز في عدن.
فقد برزت المنظمة ذات العقلية الانفصالية كقوة لا يستهان بها، وذلك بفضل الإمارات التي دربت مقاتلي "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وقدمت الدعم السياسي الأساسي الذي سمح له بتأمين موقعه في عدن، وهو تطور عارضته حكومة "هادي" بشكل قاطع.
وتم تعزيز نفوذ "المجلس الانتقالي الجنوبي" بشكل أكبر في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بتوقيع اتفاقية الرياض، التي أعطت الجنوب تمثيلًا متساويًا في حكومة وطنية مقرها عدن.
كما ضمنت لهم وللمرة الأولى مكانًا في أي مفاوضات مستقبلية حول شكل اليمن ما بعد الصراع.
في نهاية المطاف، فإن أي صفقة من هذا القبيل قد يبرمها "الحوثيون" مع الميليشيات الجنوبية وقوات الأمن المتحالفة معها سابقًا تهدد بتقسيم اليمن بشكل أشد.
وفي مثل هذه الحالة، سيكون الجزء الوحيد من اليمن الذي قد يشبه الدولة هو الأراضي التي يسيطر عليها "الحوثيون" في الشمال، بينما تنحدر بقية البلاد إلى الفوضى، حيث تتقاتل الجماعات المسلحة.
لمنع هذا السيناريو، ولمنع المزيد من التدهور في الوضع الإنساني السيئ بالفعل في اليمن، قد تحتاج السعودية إلى مواصلة مشاركتها السياسية، ومن المحتمل أن تقنعها الولايات المتحدة بذلك.
سيكون الوقت مناسبا الآن للاستفادة من الوضع الحالي قبل أن يتحول الزخم بشكل حاسم إلى ساحة المعركة مرة أخرى، مما يؤدي إلى استمرار الحرب والمعاناة الفادحة التي أصابت السكان المدنيين في اليمن.
المصدر | ستيفن سيش/ معهد دول الخليج بواشنطن- ترجمة وتحرير الخليج الجديد