أثارت مبادرة جماعة الحوثي، إجراء عملية تبادل بين ضباط سعوديين أسرى لدى الجماعة باليمن، بمجموعة من المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين المقربين من حماس في سجون السعودية، العديد من التفسيرات والتساؤلات وردود الفعل .
وفي الوقت الذي شكرت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس المبادرة، مع ما يمكن اعتباره رفضا أدبيا لها، ذهب محللون يمنيون لتحليل الخطوة الحوثية وأبعادها وتوقيتها.
ففي الوقت الذي اعتبر فيه مؤيدون لجماعة الحوثي في الخطوة "ترجمة حقيقية لدعم "الحوثيين" للقضية الفلسطينية"، رأى فيها آخرون " دعاية لتحسين صورة الجماعة وأفعالها باليمن ".
وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في خطاب له الخميس، "نعلن استعدادنا الإفراج عن أحد الطيارين السعوديين وأربعة من ضباط وجنود النظام السعودي، مقابل الإفراج عن المعتقلين المظلومين من أعضاء حركة حماس في السعودية".
وأضاف: "نؤكد جاهزيتنا التامة لإنجاز عملية تبادل الأسرى التي دأب العدوان على التنصل منها".
والسعوديون هم عسكريون وقعوا في الأسر لدى جماعة الحوثي، في أوقات سابقة، فيما لا يعرف إجمالي عدد الأسرى السعوديين لدى الجماعة.
ولم يصدر على الفور تعليق من قبل الجانب السعودي حول العرض، فيما أعربت حركة "حماس" عن شكرها لمبادرة الحوثي، وجددت دعوتها للرياض إلى الإفراج عن الفلسطينيين المعتقلين لديها.
وكانت "حماس" قد أعلنت في أوقات سابقة، أن الرياض تحاكم عددًا من المقربين منها بدعوى "الانتماء لتنظيم إرهابي، وجمع الأموال".
وفي أول رد فعل رسمي يمني اعتبر وزير الإعلام معمر الإرياني، ترحيب حركة حماس بالمبادرة، "استفزازا لمشاعر اليمنيين".
جاء ذلك في سلسلة تغريدات نشرها الوزير، السبت، عبر حسابه في موقع "تويتر"، مضيفا :"إعلان زعيم الحوثيين عن صفقة لتبادل الأسرى متاجرة ومزايدة رخيصة".
وأضاف أن "ترحيب حركة حماس بالمبادرة، استفزاز لمشاعر اليمنيين، وتأكيدا على انخراطها في العمل كأداة للمشروع الإيراني".
ووصف الوزير اليمني، المشروع الإيراني بأنه "يستخدم القضية الفلسطينية كشعار لتمرير مخططاته التوسعية في المنطقة".
وتابع: "عرض الحوثي متاجرة تدحضها ممارسات مليشياته الإرهابية على الأرض، من قتل لآلاف اليمنيين، واختطاف وتعذيب لعشرات الآلاف، وتدمير للمنازل والمساجد، وإغلاق جمعية الأقصى (يمنية معنية بدعم القضية الفلسطينية)".
توظيف سياسي
الصحفي اليمني يوسف عجلان، قال للأناضول، إن "الحوثيين لن يكونوا في يوم من الأيام مناصرين للقضية الفلسطينية، فهم أغلقوا مكاتب حركة حماس في العاصمة صنعاء، واستولوا على الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية، واعتقلوا موظفيها".
ويضيف عجلان، أن "ما يقوم به الحوثي مجرد خطوة تحمل أبعادا سياسية ودعائية مفضوحة (..) الحوثيون يحاولون إيهام اليمنيين أنهم يدعمون القضية الفلسطينية، للحصول على مكاسب توظف للدفع بمزيد من المقاتلين إلى الجبهات بحجة مقاتلة من يسميهم بالعدوان المدعوم أمريكيا وإسرائيليا (التحالف العربي)".
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد الأحمدي، في حديثه للأناضول، أنه "منذ إعلان الحوثيين عن أنفسهم مطلع الألفية الجديدة، فقد عمدت الجماعة لتسويق أفكارها عبر المتاجرة بالقضايا الأساسية والعادلة لليمنيين، من بينها القضية الفلسطينية".
ويعتقد الأحمدي، أن "المبادرة الحوثية دليل آخر على فشل الجماعة في إثبات جديتها لتحقيق السلام في البلاد ووضع حد للمأساة اليمنية، وتكشف أن اليمنيين وحياتهم وحقوقهم هو آخر ما تفكر فيه الجماعة".
دعم القضية الفلسطينية
في المقابل، يقول المحلل السياسي طالب الحسني، في حديثه للأناضول، إن "دعوة الحوثي إلى الإفراج عن أعضاء حماس المعتقلين في السعودية، ترجمة حقيقية لدعم الشعب الفلسطيني في نضالاته، وخطوة ذكية للبحث عن تحالفات جديدة في الإقليم".
ويضيف الحسني: "السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل عدو مشترك للطرفين، اللذين وجدا نفسيهما بالضرورة في صف واحد".
ويرى أن "المبادرة الحوثية سببت إحراجاً كبيراً للنظام السعودي، الذي ما يزال يحتجز أعضاء من حركة حماس بسبب تهم غير معقولة".
ومضى يقول: "أثبتت جماعة أنصار الله بأن رفعها شعار العداء لإسرائيل لم يكن مجرد مزايدة أو توظيفاً سياسياً، بل تحول إلى واقع يُفرض من منطق القوة".
وحول رفض الجماعة الإفراج عن الأسرى اليمنيين في سجونها، قال إن "أنصار الله سبق وأن أعلنت أنها ستفرج عن الكل مقابل الكل، لكن الطرف الآخر (الحكومة اليمنية) لم يضمن تطبيق تلك الخطوة".
تقدير فلسطيني
وبعيدا عن وجهات النظر اليمنية المختلفة، فقد لاقت مبادرة الحوثي تقديرا من حركة "حماس" التي تربطها علاقات وثيقة مع إيران، الحليف الرئيسي للجماعة اليمنية.
وقالت الحركة الفلسطينية، في بيان لها، إنها تقدر وتشكر مبادرة زعيم الحوثيين، وتجدد مطالبتها السلطات السعودية بالإفراج العاجل عن كل المعتقلين الفلسطينيين في سجونها.
وأضافت: "إزاء هذه المبادرة الذاتية، نقدر عاليا روح التآخي والتعاطف مع الشعب الفلسطيني ودعم صموده ومقاومته، ونعبر عن شكرنا على هذا الاهتمام والمبادرة".
وكان عضو مكتب العلاقات الدولية في "حماس" باسم نعيم، قد كشف قبل أيام، في تصريحات للأناضول، عن أن الحركة تجري اتصالات مباشرة، وعبر وسطاء، مع السعودية لإطلاق سراح المعتقلين المذكورين.
وفي 9 أيلول/ سبتمبر 2019، أعلنت "حماس" عن اعتقال السعودية للفلسطيني محمد الخضري ونجله، وقالت إنه كان مسؤولا عن إدارة "العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما أنه تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة".
وأضافت أن اعتقاله يأتي "ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية"، دون مزيد من الإيضاحات.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، في بيان أصدره يوم 6 أيلول/ سبتمبر 2019، إن السعودية تخفي قسريا 60 فلسطينيا؛ من بينهم الخضري ونجله.
ولم تصدر الرياض، منذ بدء الحديث عن قضية المعتقلين الفلسطينيين في السعودية، أي تعقيب أو إيضاحات.