جدل واسع داخل الشارع اليمني ثار عقب إعلان عبدالملك الحوثي، زعيم جماعة "أنصار الله"، مبادرة لإطلاق سراح خمسة أسرى سعوديين، مقابل إفراج المملكة عن معتقلين فلسطينيين لديها يتبعون حركة "حماس".
ففي حين يرى مؤيدون للجماعة أن المبادرة ترجمة حقيقية لدعم "الحوثيين" للقضية الفلسطينية التي تعد قضية مركزية لدى الشعب اليمني، يعتقد آخرون أن الهدف من الطرح تجميل صورة الجماعة أمام اليمنيين.
وقال "الحوثي"، في خطاب له الخميس، "نعلن استعدادنا الإفراج عن أحد الطيارين السعوديين وأربعة من ضباط وجنود النظام السعودي، مقابل الإفراج عن المعتقلين المظلومين من أعضاء حركة حماس في السعودية".
وأضاف: "نؤكد جاهزيتنا التامة لإنجاز عملية تبادل الأسرى التي دأب العدوان على التنصل منها".
والسعوديون هم عسكريون وقعوا في الأسر لدى جماعة الحوثي، في أوقات سابقة، فيما لا يعرف إجمالي عدد الأسرى السعوديين لدى الجماعة.
ولم يصدر على الفور تعليق من الجانب السعودي حول العرض، فيما أعربت حركة "حماس" عن شكرها لمبادرة الحوثي، وجددت دعوتها للرياض للإفراج عن الفلسطينيين المعتقلين لديها.
وكانت "حماس" قد أعلنت في أوقات سابقة، أن الرياض تحاكم عددًا من أعضائها، بدعوى "الانتماء لتنظيم إرهابي، وجمع الأموال".
توظيف سياسي
الصحفي اليمني "يوسف عجلان"، يقول للأناضول، إن "الحوثيين لن يكونوا في يوم من الأيام مناصرين للقضية الفلسطينية، فهم أغلقوا مكاتب حركة حماس في العاصمة صنعاء، واستولوا على الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية، واعتقلوا موظفيها".
ويضيف "عجلان"، أن "ما يقوم به الحوثي مجرد خطوة تحمل أبعادا سياسية ودعائية مفضوحة (..) الحوثيون يحاولون إيهام اليمنيين أنهم يدعمون القضية الفلسطينية، للحصول على مكاسب توظف للدفع بمزيد من المقاتلين إلى الجبهات بحجة مقاتلة من يسميهم بالعدوان المدعوم أمريكيا وإسرائيليا (التحالف العربي)".
من جانبه، يرى المحلل السياسي "محمد الأحمدي"، في حديثه للأناضول، أنه "منذ إعلان الحوثيين عن أنفسهم مطلع الألفية الجديدة، عمدت الجماعة لتسويق أفكارها عبر المتاجرة بالقضايا الأساسية والعادلة لليمنيين، من بينها القضية الفلسطينية".
ويعتقد "الأحمدي"، أن "المبادرة الحوثية دليل آخر على فشل الجماعة في إثبات جديتها لتحقيق السلام في البلاد ووضع حد للمأساة اليمنية، وتكشف أن اليمنيين وحياتهم وحقوقهم هو آخر ما تفكر فيه الجماعة".
دعم للقضية الفلسطينية
في المقابل، يقول المحلل السياسي "طالب الحسني"، في حديثه للأناضول، إن "دعوة الحوثي إلى الإفراج عن أعضاء حماس المعتقلين في السعودية، ترجمة حقيقية لدعم الشعب الفلسطيني في نضالاته، وخطوة ذكية للبحث عن تحالفات جديدة في الإقليم".
ويضيف "الحسني": "السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل عدو مشترك للطرفين، اللذين وجدا نفسيهما بالضرورة في صف واحد".
ويرى أن "المبادرة الحوثية سببت إحراجاً كبيراً للنظام السعودي، الذي ما يزال يحتجز أعضاء من حركة حماس بسبب تهم غير معقولة".
ومضى يقول: "أثبتت جماعة أنصار الله بأن رفعها شعار العداء لإسرائيل لم يكن مجرد مزايدة أو توظيفاً سياسياً، بل تحول إلى واقع يُفرض من منطق القوة".
وحول رفض الجماعة الإفراج عن الأسرى اليمنيين في سجونها، قال إن "أنصار الله سبق وأن أعلنت أنها ستفرج عن الكل مقابل الكل، لكن الطرف الآخر (الحكومة اليمنية) لم يضمن تطبيق تلك الخطوة".
تقدير فلسطيني
وبعيدا عن وجهات النظر اليمنية المختلفة، لاقت مبادرة الحوثي تقديرا من حركة "حماس" التي تربطها علاقات وثيقة مع إيران، الحليف الرئيسي للجماعة اليمنية.
وقالت الحركة الفلسطينية، في بيان لها، إنها تقدر وتشكر مبادرة زعيم الحوثيين، وتجدد مطالبتها السلطات السعودية بالإفراج العاجل عن كل المعتقلين الفلسطينيين في سجونها.
وأضافت: "إزاء هذه المبادرة الذاتية، نقدر عاليا روح التآخي والتعاطف مع الشعب الفلسطيني ودعم صموده ومقاومته، ونعبر عن شكرنا على هذا الاهتمام والمبادرة".
وكان عضو مكتب العلاقات الدولية في "حماس" "باسم نعيم"، قد كشف قبل أيام، في تصريحات للأناضول، أن الحركة تجري اتصالات مباشرة، وعبر وسطاء، مع السعودية لإطلاق سراح المعتقلين المذكورين.
وفي 9 سبتمبر/ أيلول 2019، أعلنت "حماس" اعتقال السعودية للفلسطيني "محمد الخضري" ونجله، وقالت إنه كان مسؤولا عن إدارة "العلاقة مع المملكة على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة".
وأضافت أن اعتقاله يأتي "ضمن حملة طالت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية"، دون مزيد من الإيضاحات.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، في بيان أصدره يوم 6 سبتمبر/ أيلول 2019، إن السعودية تخفي قسريا 60 فلسطينيا؛ من بينهم "الخضري" ونجله.
ولم تصدر الرياض، منذ بدء الحديث عن قضية المعتقلين الفلسطينيين في السعودية، أي تعقيب أو إيضاحات.
ويعاني اليمن للعام السادس، من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، من جهة، وبين الحوثيين، المدعومين من إيران، من جهة أخرى، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ عام 2014.