في 26 مارس/آذار 2015، أعلن السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، "عادل الجبير"، عن بدء حملة عسكرية بقيادة السعودية في اليمن للحد من نفوذ إيران في البلاد، وإعادة نظام الرئيس "عبدربه منصور هادي" في صنعاء، وردع ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
والآن، بعد مرور 5 أعوام، ما زالت أهداف عملية "عاصفة الحزم" بعيدة عن التحقيق، والوضع على الأرض متقلب كما كان دائما.
وكثفت إيران من مشاركتها في الفناء الخلفي الجنوبي للسعودية، وزادت قوة المتمردين الحوثيين، واستمرت تكلفة الحرب في الارتفاع بالنسبة للمملكة.
وبعيدا عن العودة إلى صنعاء، لا يزال الرئيس "هادي" مقيما خارج البلاد في الرياض، ولم يعد يعتبر الحوثيين التهديد الوحيد.
وعلى نفس القدر من الأهمية، فقد التحالف العربي، الذي كان يضم في البداية 10 دول إسلامية سنية بدعم استراتيجي من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الكثير من الحجم والقوة.
وتوضح المشاركة الرمزية لمصر، التي لا تظهر إلا في وجودها البحري في البحر الأحمر، إلى جانب تردد باكستان في نشر القوات البرية بسبب المعارضة البرلمانية والمخاوف بشأن العلاقات مع إيران، أن مشاركة بعض أعضاء التحالف رمزية فقط.
ومن المثير للاهتمام أن كلا من الكويت والأردن قد انسحبا بهدوء من أدوارهما العسكرية المحدودة، حيث وضعا نفسيهما في دور الوسيط في محادثات السلام والمحادثات الإنسانية بين الحكومة والمتمردين الحوثيين.
وفي يونيو/حزيران 2017، شكل إنهاء مشاركة قطر في الائتلاف بداية انخفاض القوة الناعمة للتحالف، أي قدرته على تشكيل الخطاب العالمي حول الحرب في اليمن.
وإلى جانب الانسحاب الماليزي والمغربي في 2018 و2019، على التوالي، قلصت استراتيجية الإمارات للانسحاب التدريجي، والانسحاب العسكري السوداني اللاحق، قوة التحالف وشرعيته الدولية بشكل كبير.
وتشير مثل هذه التغييرات الهيكلية إلى أن التحالف سيستمر على الأرجح في التلاشي، ولن يتمكن أبدا من تحقيق أهدافه المعلنة.
خلافات داخل التحالف
وفي هذه الحرب التي طال أمدها، ظهرت العديد من المفارقات، ما يشير إلى فقدان الاتجاه الاستراتيجي داخل التحالف نفسه.
أولا: لم يفشل التحالف في هدفه الأولي المتمثل في استعادة صنعاء فحسب، ولكنه يكافح النظام اليمني الآن لإعادة سلطته في العاصمة المؤقتة عدن.
ثانيا: بدلا من ممارسة الضغط العسكري الكافي على الحوثيين للتفاوض على اتفاقية سلام، فقد مارس التحالف ضغطا كبيرا على الحكومة لإبرام اتفاقيتي "ستوكهولم" و"الرياض" الفاشلتين.
ثالثا: يبدو الآن أن المعركة يتم خوضها في إطار ما يسمى تحالف استعادة الشرعية في اليمن، وليس مواجهة الحوثيين أو إيران.
وعلى الصعيد المحلي، توترت العلاقة بين الحركة الانفصالية الجنوبية والحكومة اليمنية، بعد أن تعاونا من أجل طرد الحوثيين بنجاح من عدة مناطق، ما أجبر الحكومة على الخروج من عدن في أغسطس/آب 2019 وعودة محافظة الجوف بشكل غير مباشر إلى سيطرة الحوثيين في وقت سابق في مارس/آذار.
ومنذ العام الثاني من الحرب، دعمت الإمارات المقاومة الجنوبية وأدارتها تحت عدة كيانات تعمل خارج هياكل القيادة والسيطرة اليمنية.
وفي حين أدى ذلك إلى تنشيط الحركة الجنوبية على نطاق أوسع، فقد قوض سلطة الحكومة الشرعية في الأراضي المحررة، وفقا لتقرير فريق خبراء الأمم المتحدة لعام 2018.
وشهدت التوترات حالات مثل حصار المجلس الانتقالي الجنوبي لقصر "المعاشيق" الرئاسي في عدن في يناير/كانون الثاني 2018، وسقوط الحكم في عدن لصالح قوات "الحزام الأمني"، ومحاولة قوات النخبة في شبوة السيطرة على "عتق" في يونيو/حزيران 2019.
وفي معظم هذه الحالات، كان التصعيد المستمر في العديد من المحافظات الجنوبية جزءا من جهود المجلس الانتقالي الجنوبي لتولي دور العراب في الشؤون الجنوبية.
وإزاء هذه الخلفية، دفعت التهديدات الأمنية المتزايدة الحكومة والموالين لها، بما في ذلك حزب "الإصلاح" القريب من "الإخوان المسلمون"، إلى الحفاظ على وجود عسكري قوي في محافظتي "أبين" و"شبوة" لإعاقة توسع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الشرق، ما يجعل مناطق القتال عرضة لخطر هجمات الحوثيين.
وحول المجلس الجنوبي تركيز الحكومة بعيدا عن الحوثيين في الشمال، حيث تخشى من مزيد من تآكل شرعيتها في المحافظات الجنوبية والشرقية.
على سبيل المثال، حتى بعد تقدم الحوثيين الأخير من "نهم"، شرق صنعاء، إلى "الجوف" في الشمال، أرسلت الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي تعزيزات عسكرية إلى أبين في الجنوب، مع تصعيد خطابهما السياسي إلى الحد الذي أصبحت فيه الاشتباكات المسلحة تلوح في الأفق الآن، بعد 5 أشهر من إبرام صفقة بوساطة سعودية.
وبغض النظر عن سبب تعثر الاتفاق الذي توسطت فيه السعودية، فإن الصورة الكبيرة واضحة، وهي أن التقاتل بين القوات المدعومة من التحالف يسهل أعمال الحوثيين غير المكتملة، ويمنحهم الفرصة للاستيلاء على المزيد من الموارد والأراضي.
الحوثيون أقوى الآن
وعلى النقيض من افتقار التحالف للاستراتيجية، زادت إيران بشكل استراتيجي من دعمها العسكري والسياسي العلني والسري للحوثيين، ما رفع تكلفة الحرب على المملكة عن طريق جلب المعركة إلى الأراضي السعودية.
وبين عامي 2017 و2018، بالتعاون مع التقنيين المرتبطين بطهران، والاعتماد على المعدات العسكرية الإيرانية المهربة، قام الحوثيون بتجميع وتعديل الصواريخ الباليستية والقوارب المتفجرة التي يتم التحكم فيها عن بعد والطائرات بدون طيار.
ومكن هذا التعقيد التكنولوجي الحوثيين من مهاجمة البنية التحتية السعودية الحيوية، بما في ذلك المنشآت النفطية مثل موقع "أرامكو" في ينبع، والمطارات في أبها وجازان ونجران.
ومن جانبها، اعترضت الرياض أكثر من 232 صاروخا حوثيا، وتعرضت لأكثر من 258 هجوم بطائرة بدون طيار، بحسب المتحدث باسم التحالف العقيد "تركي المالكي".
وفي المجال السياسي، أعلن المرشد الإيراني "علي خامنئي" علنا دعمه للحوثيين في أغسطس/آب 2019، حيث رفعت طهران مستوى تعاونها من خلال الترحيب بـ "إبراهيم الديلمي" كممثل للحوثيين في إيران.
وفي غضون ذلك، دعم الحوثيون أجندة إيران المزعزعة للاستقرار في منطقة الخليج، بينما أظهروا قدرتهم على تهديد الأمن البحري في البحر الأحمر.
وتشمل الأمثلة على ذلك الهجمات على ناقلات النفط السعودية وسفن أخرى في 2018، وإعلان المسؤولية عن هجوم في سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت "أرامكو" النفطية في بقيق وخريص، والاستيلاء على سفن كورية جنوبية في البحر الأحمر في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والهجمات على عدة أهداف سعودية حساسة في فبراير/شباط 2020.
ومن الواضح بشكل متزايد أن تدخل التحالف يساعد فقط في توسيع نفوذ طهران في اليمن، وكذلك نطاق ومدى تهديد الحوثيين لجوارهم المباشر.
ومن العلامات الواضحة على انحراف استراتيجية السعودية أن الرياض وصلت إلى حد أنها تطالب الآن الحوثيين بتفكيك برنامجهم الصاروخي وبرنامج الطائرات بدون طيار.
هل تستمر الحرب لعام آخر؟
وبعد 5 أعوام من الحرب المدمرة، تظل أهداف التحالف المعلنة غير محققة، وأعاق الافتقار إلى التفكير الاستراتيجي والتخطيط والإدارة أي إمكانية لإجبار الحوثيين على التفاوض على السلام وإعادة حكومة فاعلة في المناطق المحررة.
ومع بقاء احتمالات إنهاء الصراع العسكري قاتمة، وسط تفاقم التوترات داخل التحالف، تزداد أهمية أي تسوية سياسية يتم التفاوض حولها.
علاوة على ذلك، لا يجب الاستهانة بوجود الحوثيين في منطقة مأرب، ما يهدد وقف إطلاق النار الأخير للأمم المتحدة الذي وافقت عليه الحكومة والحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي لمنع انتشار فيروس "كورونا" الجديد "كوفيد-19".
ولا يفضي ميزان القوى الحالي إلى مفاوضات جادة، فيما يحرص الحوثيون على توسيع سيطرتهم الإقليمية لزيادة نفوذهم في أي مفاوضات مستقبلية.
ولإشراك الحوثيين في محادثات سلام جادة وذات مصداقية، يجب على التحالف مضاعفة جهوده السياسية وفرض ضغط عسكري استراتيجي لتحسين موقف الحكومة وتقليل انتصار الحوثيين، وإلا فقد يمهد الطريق إلى عام سابع من النزاع.
المصدر | إبراهيم جلال | معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحليل الخليج الجديد