الحل بيد اليمنيين لن تجدي كل المحاولات الراهنة لأنها ليست جادة.
متى يترفع اليمنيون جميعا عن المصالح الذاتية أفرادا وأحزابا وجماعات دينية؟
ينبغي أن تكون مصلحة اليمن فوق كل اعتبار وأن ندرك أن يمنا موحدا خيرا من يمن مفكك تتناهشه المصالح من الداخل والخارج.
لن تنصركم الدول المحيطة بكم بل سيستنزفونكم حتى تهنوا وتضعفوا ثم يتقاسمونكم بذريعة محاربة الإرهاب وأي إرهاب يقصدون؟!
(1)
ثمانية وخمسون عاما مضت منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 واليمن لم يهدأ، انقلاب عسكري يتبعه انقلاب عسكري اخر، ضحايا تسقط لا شأن لهم بهذا الانقلاب أو ذاك. فجر قيام ثورة الشعب اليمني المجيدة بقيادة السلال ورفاقه اشعل الجوار اليمني حربا ضروسا على اليمن دامت اكثر من خمس سنين عجاف لم يبن مدرسة ولا مستشفى ولم تعبد طريق.
حرب سعودية مصرية على صعيد اليمن الاول يريد عودة الإمامة ومكوناتها والآخر يريد تثبيت قواعد الثورة والانتقال باليمن من ربقة التخلف والجهل والأمية الى معراج التقدم والازدهار.
انتصر الفريق الثاني وبقي النظام الجمهوري، لكنه لم يهدأ، مؤامرات تلو اخرى لإرباك اليمن وجعله يدور حول نفسه، انقلاب على السلال قادته النخبة (حركة 5 نوفمبر) والرئيس في زيارة رسمية خارج اليمن.
ثم جاء القاضي عبد الرحمن الارياني من خارج دائرة العسكر وبقي يحكم سبع سنين لم يهدأ اليمن ثم زهد في الحكم واستقال، أتى بعده رجل اليمن النزيه الوطني ابراهيم الحمدي وكان رجلا يحمل مشروع أمة لكنه اغتيل.
وجاء احمد الغشمي ليكمل المسيرة لكنه ايضا اغتيل قبل ان يتم عامه الاول في السلطة. وجاء علي عبد الله صالح الى سدة الحكم وهو يسير في بحر من الدماء وبقي يحكم اكثر من ثلاثين عاما والحق ان علي عبد الله صالح لو استخدم عبقريته لصالح اليمن لبنى يمنا سعيدا لكنه بنى لنفسه ثروة وجاها لا يستحقه وما برح اليمن يترنح.
(2)
في جنوب اليمن كانت ثورة اكتوبر 1967م المجيدة على الانجليز واخرجت تلك الثورة بريطانيا من جنوب اليمن بعد ما يقارب 150 عاما من الاحتلال والهيمنة.
كان احد ابرز قادة تلك الثورة قحطان الشعبي وبقي يحكم حتى 1969م ثم عزل من قبل الرفاق ووضع تحت الاقامة الجبرية حتى وفاته 1981م. خلفه سالم ربيع علي وحكم من ( 1969ــ1978 )، ولصراع على السلطة تم اعدامه من قبل زملائه في سدة الحكم، وخلفه علي ناصر محمد (1978 ــ 1986 ).
وتفجرت الاوضاع في الجنوب وسالت الدماء بين الرفاق وانقلبوا على رفيقهم وتم إبعاد الرئيس علي ناصر الى خارج البلاد.وجاء عبد الفتاح اسماعيل ليحكم (1978ــ 1986) وأخيرا اعدم من قبل الرفاق.
ثم أتى علي سالم البيض حكم ( 1986 ــ 1990 ) وأعلنت الوحدة بين الشطرين الشمال والجنوب وعين البيض نائبا لرئيس الجمهورية ولكن لم يناسبه الحال فتمرد على الوحدة حقا او باطلا وانتهى به المطاف في المنفى.
(3)
يلاحظ القارئ الكريم أن اليمن لم يهدأ، ويعود عدم سيادة الهدوء في اليمن الى اسباب كثيرة ومتعددة نورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر. في الشمال لم ترحب الدولة السعودية في عهدي الملك سعود ومن اتى بعده من اخوانه الملوك بقيام نظام جمهوري على حدودهم الجنوبية.
فتصدوا لها عسكريا مستعينين في ذلك بقيادات امامية لكنهم فشلوا لأن الشعب اليمني عانى من نظام الامامة قرونا من الزمن فالإمامة في كل مراحلها كما يعتقد اهل اليمن انها "مزيج من العنصرية والطائفية والفاشية والجهل والامية والتخلف والقتل والتدمير" ولن يقبل بها الشعب اليمني بأي حال.
راحت السعودية تؤلب النعرات القبلية على النظام الجمهوري مستخدمة الدين والمال والتخويف من المستقبل وبقيت تمارس تلك الطريقة الجاهلية حتى تاريخنا المعاصر.
لقد انفقت مليارات الدولارات لتسييد طرف على اخر ولكنها فشلت إلا في حالة واحدة وهي بقاء الرجل اليمني في حاجة لا يملك غير "ميزر وخنجر ونعال مصنوع من بقايا عجل ( تاير) السيارات البالية وزمزمية ماء وحزمة قات وبندقية وذخيرة ويذهب ليقاتل في جانب من يدفع.
(4)
في هذه الأجواء الموحشة انطلق الحوثيون من صعدة شمالا قاصدين الاستيلاء على السلطة في صنعاء وحققوا هدفهم في اغسطس 2014 وتفككت الدولة اليمنية، وجاء الداعي لإنقاذ الشرعية (عبد ربه منصور هادي ) فكانت عاصفة الحزم بقيادة السعودية في مارس 2015 اندفعت لاسترداد الشرعية لاصحابها واستبشر الناس خيرا.
لكن كما يقول المثل " يا فرحة ما تمت " فالحوثيون يتوسعون في كل ارجاء اليمن وعاصفة الحزم كأنها لم تكن! يقول خبير في الشأن الاستراتيجي إن السعودية استلهمت تكتيك عاصفة الصحراء الامريكية لتحرير الكويت عام 1991. فأمريكا استغلت الفرصة لتحطيم العراق وتدميره وكانت قادرة على انهاء الازمة مع العراق بعد ما تمكنت من اخراج اخر جندي عراقي من الكويت.
لكنها مارست على العراق كل انواع العدوان سياسيا وعسكريا واعلاميا ونفسيا وشنت عليه غارات على مدى اثني عشر عاما تحت ذرائع متعددة وعندما ايقنت ان العراق لم يعد قادرا على الصمود والتصدي انقضت عليه فأسقطت الحكومة الشرعية وأعلنت ان العراق دولة محتلة ومن بعدها نصبت عملاءها على العراق.
وهذا العراق ما انفك يترنح بين ايران وامريكا والقوى في الداخل. يقول ذلك الخبير في الشأن اليمني ان السعودية لا ترغب ولن تسمح بإلحاق الهزيمة بالحوثيين وفي نفس الوقت لن تسمح لقوى الشرعية بالانتصار واستعادة هيبة الدولة على اليمن الموحد.
ما هو الحل إذا ؟
ان الحل بيد اليمنيين لن تجدي كل المحاولات الراهنة لأنها ليست جادة. على اليمنيين ان يترفعوا جميعا عن السعي لتحقيق المصلحة الذاتية سواء الافراد او الاحزاب أو منظمات دينية، عليهم ان يجعلوا مصلحة بلادهم فوق كل اعتبار يجب ان يدركوا بأن يمنا موحدا خيرا من يمن مفكك تتناهشه المصالح من الداخل والخارج لن تنصركم الدول المحيطة بكم وانما سيستنزفونكم حتى تهنوا وتضعفوا ثم يتقاسمونكم بذريعة محاربة الإرهاب وأي إرهاب يعنون ؟!
* د. محمد صالح المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر.
المصدر | الشرق القطرية