يعكس سعي السعودية لوقف إطلاق النار من جانب واحد في اليمن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الرهيبة التي سببها وباء "كورونا" وانخفاض أسعار النفط.
وليس من الواضح ما إذا كان الحوثيون سيقبلون وقف إطلاق النار، لكن من المؤكد أن اليمن، أفقر دولة في العالم، غير مستعد تماما لتفشي الفيروس.
والأسبوع الماضي، أعلن السعوديون وقف إطلاق النار من جانب واحد، بعد أشهر من فشل المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة والاتصالات المباشرة بين الطرفين في التوصل إلى هدنة دائمة وتسوية سياسية.
ويريد الحوثيون رفع الحصار عن اليمن بالكامل. وهم على حق في التمسك بذلك؛ فالبلد بحاجة ماسة لاستيراد الغذاء والدواء. ويعتمد ما يقرب من 80% من السكان، أي 24 مليون شخص، على المساعدات الإنسانية، ويعاني 2 من كل 3 منهم من سوء التغذية، والأطفال هم الأكثر عرضة للخطر.
وأفادت دراسة بريطانية حديثة بأن الغارات الجوية السعودية في اليمن استهدفت مستشفيات ومواقع مدنية أخرى لمدة 5 أعوام. وأصاب ثلث الضربات الجوية أهدافا مدنية، بما في ذلك مستشفيات ومدارس. وتعمل الآن فقط نصف المستشفيات والمنشآت الطبية في البلاد بسبب القصف والحصار.
ولا نقول إن الحوثيين ملائكة. فلقد فرضوا ضرائب على المساعدات الإنسانية من الخارج، وقمعوا الصحفيين، وأطلقوا صواريخ على أهداف مدنية في السعودية.
لكن الرد لا يكون بتخفيض المساعدات، كما تفعل إدارة "دونالد ترامب"، لكن بإنهاء الحصار وفتح البلاد أمام المساعدات الخارجية ووسائل الإعلام. ويجب على الولايات المتحدة التعامل مباشرة مع الحوثيين.
وتواجه السعودية أزمتها الإنسانية الخاصة الآن بسبب الوباء. إذ تم إغلاق البلاد فعليا إلى أجل غير مسمى، مع حظر تجوال في الرياض ومدن أخرى. وتم منع شعيرة العمرة في مكة وزيارة المدينة، ومن المتوقع تعليق فريضة الحج هذا العام.
وتعد السياحة الدينية مصدرا رئيسيا للدخل في البلاد، خاصة منطقة الحجاز. ويعاني السعوديون من أسوأ حالة للفيروس في دول الخليج الـ6. وأُصيب الكثيرون من أفراد العائلة المالكة بالفيروس، ودخل حاكم الرياض المستشفى مصابا.
وأدى الانكماش الكبير في النشاط الاقتصادي العالمي إلى انخفاض غير مسبوق في الطلب على النفط والطاقة. ويحتاج السعوديون إلى أسعار نفط عند 85 دولارا للبرميل لمعادلة الميزانية. لكن السعر الحالي يصل بالكاد إلى ربع هذا الرقم.
وفي الأسبوع الماضي، وافق السعوديون على مضض مع روسيا والمنتجين الآخرين على تخفيض الإمدادات، لكن من غير المرجح أن تتعافى أسعار النفط.
وليس لدى السعوديين خيار سوى السحب من الاحتياطيات النقدية، التي انخفضت بالفعل بشكل كبير منذ أن اعتلى الملك "سلمان بن عبدالعزيز" العرش وبدأ الحرب المتهورة في اليمن.
وأضحت "رؤية 2030" التي طرحها ولي العهد "محمد بن سلمان" لتنويع اقتصاد المملكة مجرد سراب الآن.
وينتج عن المزيج الغريب من تفشي الفيروس وانهيار أسعار النفط أسوأ أزمة اقتصادية في المملكة منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وهي بحاجة ماسة لوقف نزيف الموارد في المستنقع اليمني.
وتعاني إيران، منافسة السعودية، من الفيروس أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة، وأساءت إدارة الأزمة. ولها مصلحة في استمرار الحرب في اليمن واستنزاف موارد السعوديين.
وأبلغ اليمن مؤخرا عن أول حالة إصابة بالفيروس في محافظة حضرموت الشرقية. وتنقسم السيطرة في تلك المنطقة بين السعوديين وتنظيم القاعدة والميليشيات المحلية الأخرى.
وقالت لجنة الإنقاذ الدولية إن تفشي الفيروس في اليمن سيكون "كابوسا". ويمكن أن يكون عدد الضحايا كارثيا في دولة تعاني بالفعل من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويبحث السعوديون الآن عن السلام. وليس لديهم بديل واقعي لترك معظم اليمن للحوثيين، الذين يرون فيهم شبح وكيل إيراني جديد على حدودهم الجنوبية.
المصدر | بروس ريدل/بروكينجز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد