مع انتشار جائحة كورونا وقيام معظم الدول بإطلاق سراح آلاف السجناء ضمن إجراءات احترازية للحيلولة دون تفشي الوباء، تسلل في أوساط عائلات الصحافيين المعتقلين الشعور بأمل خافت في أن أبناءهم قد يرون نور الشمس بعد خمس سنوات في غياهب السجون.
لكن هذا الأمل سرعان ما تحول إلى هلع بعدما أصدرت محكمة تخضع لسيطرة جماعة الحوثيين في صنعاء حكماً بإعدام اربعة صحافيين. وسجن ستة آخرين لخمس سنوات.
منذ العام 2014 بدت جماعة الحوثيين التي سيطرت على قرابة نصف محافظات الجمهورية، كمفترس يكبر خارج القفص، وسرعان ما وسعت من نطاق هيمنتها بدءً من معقلها في صعدة، حين خاضت حرباً مع السلفيين انتهت بتهجير أهالي دماج، ثم انطلقت إلى محافظة عمران ودارت معارك كبيرة تحت ذريعة تغيير المحافظ، واقالة قائد معسكر 310 وانتهى المطاف ببسط سيطرتها على المحافظة.
مطلع سبتمبر 2014 كانت عيون المقاتلين الحوثيين، تراقب صنعاء الغارقة في توجسها، وفي 21 سبتمبر سيطرت على المدينة، تحت ذريعة إصلاحات اقتصادية، ومحاربة الفساد الأمر الذي أجبر الرئيس هادي المعترف به دولياً على الفرار مطلع العام 2015 ناحية جنوب البلاد.
تلا ذلك أحداث دراماتيكية، حيث شكلت السعودية والإمارات ائتلافاً مكوّناً من عدة دول عربية باسم "التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن"، في 25 مارس 2015 وبدأ تنفيذ غارات جوية على مناطق واسعة في اليمن قالت السعودية إن الغرض منه محاربة الحوثيين، واستعادة الشرعية، ودخلت البلاد، في حرب شاملة.
احكم الحوثيون قبضتهم الأمنية والرقابية على مختلف نواحي الحياة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ما أجبر عدداً كبيراً من المناوئين لهم على الفرار، إلى خارج البلد أو إلى مناطق خاضعة لنفوذ الحكومة بينما بقي البعض في مناطق الجماعة.
وبالنسبة للحوثيين الذين يعيشون نشوة السيطرة على جغرافيا يسودها الفقر والمرض، بدت غير قابلة للسماح لبقاء أي صوت معارض، وبدأت حملة اعتقالات طالت المئات بينهم عشرة صحفيين تحت ذريعة "التعاون مع العدوان" وهي تهمة باتت سيفاً مسلطاً على رقاب كل من يجرؤ على التعبير عن رأى مناوئ لهيمنة الجماعة المسلحة.
كان الحوثيون قد اغلقوا الصحف المعارضة وحجبوا المواقع الإخبارية على شبمة الإنترنت، وأدى القصف الجوي والحرب البرية إلى تدمير شبكة الكهرباء ودخلت البلاد في ظلام دامس.
وبالنسبة للصحفيين فقد كانت الفنادق هي الوسيلة المتاحة التي تقدم خدمة الانترنت والكهرباء في صنعاء التي عاشت حالة من الذعر والانغلاق إلا من سيارات المقاتلين التي تجوب الشوارع وطائرات التحالف التي لا تتوقف عن قصف المدينة.
في فجر الثلاثاء 9 يونيو 2015، اعتقلت جماعة الحوثيين تسعة صحفيين من "فندق قصر الأحلام" بشارع الستين، في صنعاء، حيث كانوا يتخذون من إحدى غرفه مقراً مؤقتاً لعملهم، وخلال أقل من شهر اعتقلت الجماعة صلاح القاعدي ووجهت له نفس التهة التي وجهتها لزملائه.
تم اقتياد البعض منهم إلى مركزي شرطة الأحمر وقسم شرطة الحصبة وبعد يومين، نقل بعضهم إلى دائرة مكافحة الإرهاب "المباحث الجنائية"، حيث احتجزوا لمدة شهر.
وما بين منتصف يوليو ومنتصف سبتمبر، 2015 احتجزوا جميعًا بمعزل عن العالم الخارجي.
وخلال سنوات حجزهم تم نقلهم ما بين سجن احتياطي الثورة، وسجن البحث الجنائي، وسجن احتياطي هبره ثم استقر بهم الأمر في سجن الأمن السياسي (جهاز المخابرات).
وذكرت "منظمة العفو الدولية " أن الصحفيين تعرضوا للتعذيب وإساءة المعاملة في البحث الجنائي بما في ذلك الضرب والصفع على الوجه أثناء التحقيقات."
ويعمل بعض الصحفيين لدى وسائل إعلامية إخبارية تناهض جماعة "الحوثيين" المسلحة، بينما يعمل آخرون مع منافذ إعلامية على شبكة الإنترنت تؤيد حزب "الإصلاح" الذي تعتبره الجماعة خصمها الرئيسي.
وخلال الأعوام الماضية ظهرت مؤشرات تقول إن الأمور اقتربت من اتفاق إطلاق سراحهم، لكن سرعان ما كانت تنتهي هذه الأمور بالفشل.
بعد حوالي أربع سنوات من الاختطاف والسجن بدأت جماعة الحوثيين محاكمتهم، ووجهت لهم تهماً بينها "أذاعه أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة ومغرضة." وظلت أسر المعتقلين تتشبث بأي أمل حتى ولو كان ضئيلاً في إطلاق سراحهم.
كانت الأمهات والزوجات يطرقن أبواب المنظمات، ومراكز الشخصيات المقربة من الحوثيين من أجل ابنائهن، وفي خضم كل هذا كان هناك المزيد من الوعود، لكن الواضح أن خمس سنوات من الركض والبكاء والمناشدة والتنديد فشلت في إعادتهم.
في 14 ابريل 2020 أصدر الحوثيون حكماً بإعدام أربعة من الصحافيين، وسجن ستة آخرين لثلاث سنوات إضافية.. الأمر الذي هز الرأي العام المحلي، وتوالت الإدانات من مؤسسات صحفية مرموقة إقليمية ودولية.
وقال محامي الصحفيين عبد المجيد صبره "تمت إجراءات المحاكمة في أربع جلسات فقط الجلسة الأولى في 9ديسمبر 2019 وفيها تم مواجهتهم بقرار الاتهام بدون وجود محاميهم أو أسرهم.
وبحسب "صبرة" فقد عقدت الجلسة في المحكمة الإبتدائية الجزائية المتخصصة بدون أن يعلم بذلك. وحين بدأت المحاكمة رفض الصحفيون الحديث مالم يكن المحامي موجوداً فكلف القاضي أحد الجنود للبحث عنه، بعدها واجهتهم المحكمة بقرار الاتهام وأنكروه، ثم واجهتهم بقائمة الأدلة فأحالوا الاجابة على المحامي، وأثناء محاولة القاضي وإلحاحه على الصحفيين للرد على قائمة الأدلة، قال لهم بغضب "أنتم أعداء الشعب".
وفي 27 يناير 2020 كانت الجلسة الثانية ولم يتم فيها أي إجراء، حيث تم طرد المحامين الثلاثة من قاعة الجلسة من قبل القاضي محمد مفلح وإصدار قرار بمنعهم من الترافع أمامه بسبب تقديمهم طلب تنحي القاضي بحسب المحامي.
وقال المحامي صبرة لـ"المصدر أونلاين": كان هناك حضور أمني كثيف على غير المعتاد، بدأت الجلسة صباحاً وطلب المحامي أن يسير القضية بإجراءات عادلة، فغضب القاضي وقال: "إجراءاتنا عادلة" وقرر القاضي إخراجهم من قاعة الجلسة ومنعه رفقة اثنين من زملائه من الترافع أمامه.
أما الجلسة الثالثة في 9مارس 2020 فقد عقدت بدون دفاع متمثل في المحامين كونهم ممنوعين من الترافع أمام القاضي. لأن المحكمة كانت قد اسقطت عنهم مهمة الترافع لأن القاضي محمد مفلح سبق وأن أصدر قراراً بمنعهم من الترافع أمامه في الجلسة الثانية وهو قرار مخالف للقانون، حسب قول المحامي.
وفي الجلسة الرابعة والتي كانت بتاريخ 11ابريل 2020 تم النطق بالحكم الذي قضى بإعدام أربعة وسجن ستة صحفيين. وعلى الرغم من خطورة الحكم الصادر بحق الصحافيين وحاجتهم لوجود محامي إلا أن المحكمة لم تبلغ بخصوص انعقاد جلسة المحاكمة كما يقول محاميهم.
وواصل: "كان القاضي لايزال متمسكاً بقراره بمنعنا من الحضور، ولم أعرف بخصوص هذه الجلسة بشكل رسمي، لكن بطريقة ما عرفت بهذه الجلسة، أثناء وجودي في مبنى المحكمة، ترددت في دخول القاعة لمعرفتي أن القاضي قد يأمر بإخراجي من ثم قررت الدخول على أساس أني مستمع لما يتم من إجراءات وليس كمحامي عنهم ودخلت وقال القاضي اجلس كمستمع وجلست في أحد الكراسي وكان القاضي عند دخولي يقرأ منطوق الحكم".
يضيف صبرة "وهكذا مرت إجراءات القضية رغم تقدمنا بطلب رد وتنحي القاضي عن نظر القضية كما لم يسمح للصحفيين بحضور أي محامي للدفاع عنهم ولم يتمكنوا من تصوير ملف القضية كما لم يسمح لهم حتى بتعيين محامٍ آخر للدفاع عنهم".
وكانت المحكمة قد قالت في قرار الاتهام الذي بموجبه حكمت بإعدام أربعة صحفيين وسجن ستة آخرين إنهم "الصحفيين" أذاعوا أخباراً وبياناتٍ وإشاعاتٍ كاذبةً ومغرضةً ودعاياتٍ مثيرة كما أنشأوا وأداروا عدة مواقع وصفحات على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وأذاعوا فيها الأخبار والبيانات والإشاعات الكاذبة والمغرضة، حسب ما تضمنه قرار الإتهام.
وخلال رحلة محاكمتهم حُرم الصحفيون من حق الدفاع المكفول قانونياً، ومُنع محاموهم من الحصول على ملف القضية.
توالت الإدانات عقب حكم الإعدام من مؤسسات صحفية محلية وإقليمية، فضلاً عن السخط الذي انتاب الصحفيين المحليين الذين أدانوا تارة هذا الحكم وسخروا منه تارة أخرى، وذهب الكثيرون إلى اعتباره قراراً سياسياً صادر عن محكمة مخطوفة لدى مليشيا بسطت سيطرتها على عاصمة البلاد وصادرت كل مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسة القضاء.
وقالت نقابة الصحافيين اليمنيين في بيان نشر في 11 ابريل من العام الجاري: إن ما حدث لم يسبق له مثيل، هذا حكم جائر من محكمة غير مختصة نرفض هذا القرار وندعو لإسقاطه".
وأضاف بيان النقابة: "إننا نعتبر هذا استمراراً لمسلسل التنكيل والجرائم التي ارتكبت بحق زملائنا الصحفيين ابتداءً بالخطف والإخفاء مروراً بالتعذيب وظروف الاعتقال القاسية والتعامل معهم خارج ضمانات ونصوص القانون وحرمانهم من حق التطبيب والزيارة مروراً بالإيذاء النفسي لهم ولأسرهم والتوحش المتخذ تجاه مهنة الصحافة والعاملين فيها".
بدوره قال الاتحاد الدولي للصحفيين إنه يضم صوته إلى صوت نقابة الصحفيين اليمنيين في التعبير عن رفضه وصدمته من الحكم الجائر الذي أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة (أمن الدولة) في صنعاء، والخاضعة لجماعة الحوثي، بإعدام أربعة صحفيين.
وأضاف الاتحاد الدولي للصحفيين في بيان لع عقب صدور حكم الحوثيين ضد الصحفيين: "أن قتلة الصحفيين سينالون جزاءهم أمام المحكمة الجنائية الدولية".
وأدان الاتحاد العام للصحفيين العرب، بكل قوة، الحكم الذي أصدرته محكمة تابعة لسلطات الحوثيين في صنعاء على أربعة صحفيين يمنيين، بتهمة التجسس وقال "إن هذه التهم لا أساس لها من الصحة وعارية تماما عن الحقيقة".
من جهته قال "مارتن جريفيث" مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن لموقع يمن فيوتشر: إن وقع خبر احكام الإعدام كان صادما ويجب التوقف عن تسيس الملف الإنساني، نعمل على تضمين الصحفيين المحكومين في قائمة لإطلاق سراح المحتجزين قريبا.
وأضاف: "وقع خبر احكام الإعدام بحق الصحفيين كان صادما"، المشاورات لازالت مستمرة للموافقة على اضافة اسمائهم الى قائمة المشمولين بإطلاق سراحهم قريبا، وذلك ضمن إجراءات التبادل، التي يتم التفاوض عليها منذ اخر اجتماع بين الجانبين في فبراير الماضي.
أما أسر الصحفيين فقد شكرت في بيان نشر على الانترنت مناصري حرية الرأي والتعبير والصحافة وحقوق الانسان في العالم على تضامنهم.
وأضافت: منذ خمس سنوات ونحن نتجرع الألم، ونشارك أبناءنا الوجع والتعذيب، والحرمان في ظروف لاإنسانية.
وفي بيان تفيض منه لغة الشعور بالخذلان قالت عائلات الصحفيين "أننا نمر بلحظة قاسية للغاية، ونشعر بالألم أضعافاً مضاعفة، ولم نعد نحتفي بالبيانات ولا بالتصريحات، ونعيش صراعاً في دواخلنا، نبحث عن سؤال: لماذا أهمل الجميع قضية أبنائنا؟ ما الذي يجعل المجرم يمارس كل وحشيته ضد صحفي أعزل كان يسند ظهره إلى الآلاف من الزملاء في العالم ممن آمنوا بمبادئ الصحافة وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وتعاهدوا على وضع حد لكل منتهكي الصحافة، وملاحقتهم في المحاكم الدولية".
واختتم البيان: يجب أن تدركوا أننا نرقب تحرككم العاجل لأنفاذ أبنائنا، وأننا نبالغ في الأمل الذي نعلقه عليكم أن يمر علينا التاسع من يونيو" يوم الصحافة اليمني" المقبل ونحن نحتفل مع أبنائنا في بيوتهم وبين أسرهم، فلن تخيبوا آمالنا، لن تفعلوا نثق بكم."