الانتقالي الجنوبي

بلطجة مغلفة بتصريحات ناعمة.. الإمارات تكيل المديح للسعودية وتوعز لحلفائها جنوب اليمن بالمضي قدماً

منذ بدأت الإمارات تشق طريقها الخاص في اليمن بعيداُ عن الغاية التي دخل التحالف من أجلها الحرب بطلب من الرئيس عبدربه منصور هادي لمواجهة الانقلاب الحوثي، وإعادة الرئيس الشرعي؛ كانت تستهل خطواتها وتختتمها بكيل المديح للسعودية.. الأخ الأكبر، الحكيم وصاحب الحنكة، وهكذا حتى تهدأ الأمور قليلاً ثم تتخذ الخطوة التالية بنفس الطريقة.

بمجرد تحرير محافظة عدن بدأت الإمارات بتنفيذ أجندتها الخاصة، إقالة مسؤولين لا ترغب بهم وفرض من ترغب، السيطرة على مطار ومنع الرئيس هادي والحكومة من العودة إلى عدن، إنشاء كيانات ووحدات عسكرية تدين لها بالولاء بعيداً عن الحكومة اليمنية، وصولاً إلى تنفيذ انقلاب في اغسطس الماضي وخوض حرب رسمية ضد القوات الحكومية انتهت بسيطرة الانتقالي على مدينة عدن.

مطلع الاسبوع الجاري، فجر المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات أزمة جديدة، بإعلان ما أسماه "الإدارة الذاتية لجنوب" اليمن، وهو ما اعتبرته الحكومة اليمنية انقلاباً على اتفاق الرياض، واستمرارا للتمرد المسلح الذي شهدته عدن ومناطق جنوب اليمن في أغسطس 2019م واتهمت الحكومة -حينها- الإمارات بدعم المتمردين عسكرياً وإعلامياً ومالياً.

وصف التحالف إعلان الانتقالي، بـ"المستغرب" وطالب بعودة الأوضاع إلى سابق وضعها في عدن، مشدداً في بيان صدر باسم التحالف وفي مقدمته السعودية والإمارات، على ضرورة إلغاء أي خطوة تخالف اتفاق الرياض والعمل على التعجيل بتنفيذه.. ووقف أي نشاطات أو تحركات تصعيدية.

سارع مسؤولو الإمارات – كالعادة- إلى كيل المدائح والتغزل في السعودية وحرصها على اليمن، وقال الدكتور أنور قرقاش وزير الشؤون الخارجية الإماراتية على حسابه بتويتر "لن نجد أحرص من المملكة العربية السعودية الشقيقة علي اليمن ومن خلال قيادتها للتحالف سياسيا وعسكريا ندرك روح المسؤولية التي تضطلع بها في هذا الشأن".

وأضاف قرقاش في تغريدته ذاتها، أن بلاده الإمارات "لن تجد شقيقاً وجاراً وحليفاً بأصالة ومصداقية وحمية الرياض"، مؤكداً أن علاقة الإمارات والسعودية "علاقتنا راسخة ورؤيتنا لأمن واستقرار المنطقة واحدة".

مدائح وغزل الإماراتيين بصداقة السعودية وخيانتها في نفس الوقت، اعتبرها الكاتب والمحلل السعودي سليمان العقيلي ابتلاء من الله لـ"السعودية بحلفاء (لم نر لهم شبيهاً)"، مشيراً إلى الإمارات ضمنياً "يفيدون من قوتها فيمدحونها ويتباهون بصداقتها ويتغزلون بأمجادها نهاراً، ثم يتحولون ليلاً (وفي نفس الوقت احياناً) الى النيل منها والانقضاض على مواقفها".

واعتبر سلمان الأنصاري ما قام به الانتقالي "نقض تعهدات اتفاق الرياض" ورفع للسلاح في وجه القوات السعودية التي تسلمت مؤخراً إدارة عمليات التحالف العربي في عدن والساحل الغربي، "وخيانة العهد والوعد، ونشر الفوضى، والطعن في الظهر، واستقطاب الذمم الرخيصة".

وأضاف الأنصاري، وهو رئيس "سابراك" التي توصف بـ"اللوبي السعودي" في العاصمة الأمريكية واشنطن في تغريدة على حسابه بتويتر، أن "الأكاذيب المركبة، والاستغفال المكشوف" الذي قام به الانتقالي "ليست مسؤولية قيادات ميليشيا التمرد الانتقالي؛ بل مسؤولية داعميه" في إِشارة ضمنية للإمارات.

وأطلق نشطاء وساسة سعوديون هشتاج على تويتر تحت وسم "#سود_الله_وجه_الخيانة ، وغرد تحته عدد كبير من السعوديين الذين أكدوا أن استمرار الانتقالي في تمرده على الشرعية اليمنية واتفاق الرياض، دليل واضح على دعم الإمارات لخطوات المليشيات ومباركتها لكل الاجراءات التي تقوم بها في خيانة واضحة للسعودية وقوات التحالف في اليمن.

ورغم صدور بيان من الانتقالي يرحب ببيان التحالف، وذلك بعد خمسة أيام من صدور بيان التحالف، إلا أن المجلس بإيعاز ودعم إماراتي، مُصرّ، كما يبدو، على موقفه وإعلانه، ‏يظهر ذلك بوضوح من خلال مواقف وتصريحات قياداته ومواقف القيادات والساسة الإماراتيين المقربين من ولي عهد أبوظبي.

ولم يكتف الانتقالي بالتصريحات التي تشير إلى مضيه في تنفيذ خطته، بل أقدم على تفجير حرب في سقطرى بغرض السيطرة عسكريا على المحافظة.

ولاحقاً صَعّدت قيادات في الانتقالي من لهجتها ضد التحالف الذي بات مؤخراً يعني السعودية، وكتب هاني بن بريك على تويتر قائلاً إن "الطائرات لا تحسم معركة"، وإنه "لولا القوات الجنوبية لما استطاع التحالف أن يحرر شبراً من الأرض"، وكتب لاحقاً يقول "لم نقلل من شأن التحالف أبداً ولكن عندما يهدم بعض السعوديين محبة الجنوبيين للسعودية مستخفا بالجنوبيين فهنا لا".

ويتزامن تصعيد الانتقالي في خطابه ضد السعودية مع تحركات عسكرية على الأرض، فالقوات التابعة للمجلس تواصل انتشارها بشكل كبير في معظم مديريات عدن وزنجبار في ابين، ولحج، وبدأت تفرض سياستها المالية على الصرافين والمؤسسات الإرادية.

كما تزامن مع خطابات كراهية وتهديد ضد القوات السعودية واستهداف قائد قوات التحالف في عدن مجاهد العتيبي، عبر فيديوهات لمسلحين في الأحزمة الامنية، تبرأ منهم المجلس الانتقالي لاحقاً واتهم الموالين للشرعية بفبركة تلك المشاهد.

في المقابل، يظهر الدعم الإماراتي غير المحدود لإعلان الانتقالي وإجراءاته التصعيدية في عدن، رغم الموقف المعلن رسمياً عبر بيان التحالف العربي.

فالدكتور عبدالخالق عبدالله، المقرب من السلطات هناك انتقد في تغريدة له، موقف وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مايك بومبيو، الذي عبر فيه عن قلق بلاده من إعلان المجلس الانتقالي.

قال عبدالله "وزير خارجية أمريكا يقول إنه "قلق" من اعلان المجلس الإنتقالي الجنوبي إدارة الجنوب العربي إدارة ذاتية. يا ترى ماذا سيقول معاليه لو أن المجلس أعلن عن قيام دولة الجنوب العربي المستقلة وعاصمتها عدن".

وذهب العميد والمحلل العسكري الإماراتي، خلفان الكعبي، أبعد من ذلك في كشف موقف بلاده الحقيقي من تصعيد الانتقالي منتقداً بيان التحالف ذاته، وقال الكعبي في تغريدة له "كنت أرجو ان يشير التحالف للذين يتعاملون مع أعداء التحالف من الشرعية لإفشال الاتفاق".

وتناولت وسائل إعلام الإمارات الرسمية وشبه الرسمية، بشكل واسع خطوات الانتقالي وما اتخذه من إجراءات بعد إعلان "الإدارة الذاتية".