مدارس اليمن

كيف أتت جائحة "كورونا" على رزق معلمي المدارس الخاصة في اليمن؟!

يكاد المعلم أن يفقد عقله في زمن فيروس كورونا، واستمرار الحرب لأكثر من 5 أعوام، وتفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية والصحية في البلاد، من هول ما واجه من صعوبات كبقية الشعب، بعد أن أصبح راتبه الشهري والمعيل الوحيد له أشبه بحلم بعيد المنال.ويعيش آلاف المعلمين اليمنيين أوضاعاً مأساوية بسبب انقطاع رواتبهم للعام الخامس على التوالي، دون أن يلتفت لهم أحد للتخفيف من المأساة.وأدى تفشي فيروس كورونا في العالم، إلى توقف المدارس الخاصة في اليمن عن التدريس، الأمر الذي قضى على ما تبقى من أمل لدى المعلمين الذين يعملون في تلك المدارس، إذ انقطعت رواتبهم بمجرد توقفها نهاية مارس الماضي.وفيروس كورونا من فصيلة الفيروسات واسعة الانتشار، تعرف بأنها تسبب أمراضاً تتراوح من نزلات برد عادية إلى أمراض أشدّ حدة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (SARS)، وفيروس كورونا المستجد (nCoV).


الحرب وكورونا


6 أعوام من الفوضى في البلاد، آخرها “كورونا”، سببت للمعلم نائل، الكثير من المعاناة، رغم عمله الدؤوب من أجل التدريس في إحدى مدارس الطالبات.ومازالت إحدى طالباته تتذكر أسلوبه الشيق في الصف، فقد كان صارماً للغاية وذا شخصيةٍ قوية، ينصت الجميع لكل ما يقوله.وتقول: “لا أنسى نصائحه التي قدمها لنا ذات يوم، في أن نطالب بحقوقنا، عندما أصدرت إدارة المدرسة بعض القوانين المتعجرفة. لم أنسَ أيضاً ما قاله لنا قبل أن ننهي عامنا الدراسي بأيام: (إياكن أيتها الطالبات أن تكنَّ مجرد زائدات في هذه الحياة. إياكن ثم إياكن أن تصبحن بلا شخصيات قوية، أن تصبحن مُسيرات بلا إرادة. لا تجعلن أحداً يقتل أحلامكن، أو يقلل من شأنكن. حاربن من أجل مستقبل أفضل)”.وتضيف: “قبل أيام التقيت به في الحي الذي أسكنه، لقد تغير كثيراً، إنه يحدث نفسه وهو يمشي في الطريق، يحمل مطرقة صغيرة يضعها في حزام بنطاله. استوقفته للحظة، وسألته عن حاله، وهل هو بخير، رد عليّ بتمتمات لم أفهمها، ولكني فهمت أنه ليس على ما يرام، عيناه اللتان كانتا تشعان بالإصرار والثقة، صارتا مليئتين بالخيبة والانكسار. جسده النحيل ورعشة يديه وهو يتحدث إليّ، تخبر عن مأساته. شعرت بالغصة وأنا أنظر إليه، وكيف صار حاله، أخبرته بأنني فخورة أني كنت من طالباته، وواصلت المشي، ومازالت صورته عالقة في ذهني؛ ترى ما الذي حدث، هل نالت منه الحرب كما نالت من الكثير؟”.صحيح أن الجميع في اليمن يعيشون أسوأ حالاتهم على الإطلاق، لكن للمعلمين النصيب الأكبر من ذلك، خصوصاً الذين يقطنون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، إذ تصل نسبتهم إلى 72% من المعلمين في اليمن، بعكس المعلمين الذين يقطنون في الأماكن التي تسيطر عليها حكومة هادي، ونسبتهم 28%، فهم يستلمون رواتبهم من البنك المركزي بعدن، منهم 13% يستلمون رواتبهم بشكل متقطع، وهم المعلمون الذين يقطنون في محافظتي تعز والجوف.وفي مارس العام الماضي، قال خيرت كابالاري، المدير الإقليمي لليونيسف، إن المنظمة قامت بصرف حوافز لأكثر من 136 ألف معلم، بمبلغ يقدر بـ50 دولاىاً شهرياً، إلا أن المعاناة مستمرة، فالمعلمون المتضررون من الحرب تجاوز عددهم 196 ألفاً، و12 ألف معلم تركوا وظائفهم، و10.170 طالبوا بالتقاعد المبكر من بين 243 ألف معلم ومعلمة، حسب تصريحات لوزارة التربية والتعليم.


نقابات غير فاعلة


تضامن المعلمون العرب مع المعلمين اليمنيين في الأول من ديسمبر من العام الماضي، بعد تعرض الكثير من المعلمين للانتهاكات والاستهدافات المتواصلة والتعسفية، وأهمها المعاملة القاسية واللاإنسانية التي طالت الكثير من المعلمين.وناشدت نقابة المعلمين اليمنيين، كافة المنظمات الدولية والمحلية، التضامن مع المعلمين، إلا أن عمل النقابة تراجع في الثاني من أكتوبر عام 2018، إذ أصبح في إطار مناطقي ضيق.وتحولت النقابة إلى عدة نقابات متفرقة، فمعلمو تعز طالبوا بحقوقهم عن طريق نقابة معلمي تعز، وتم تسليم الرواتب في مديريات معينة، كما صرح أمين عام النقابة عبدالرحمن المقطري، وكذلك أبناء المناطق الجنوبية طالبوا بالحوافز والعلاوات المتأخرة منذ عام 2013، عن طريق نقابة المعلمين الجنوبيين.وهذا مغاير للحال الذي وصل إليه المعلمون اليمنيون في بعض المناطق الأخرى، وذلك بسبب ترويعهم وتخويفهم وتعرضهم للإساءة، منها شطب وإسقاط أسمائهم، كمعلمين في التربية، فأعرضوا عن المطالبة بأبسط حقوقهم، مع علمهم اليقين بأن الحقوق لا توهب، ولكنها تنتزع، كما هو شعارهم.وتقول المعلمة إيمان إبراهيم: “يفتقد المعلم أبسط الحقوق في الأمان، كوني أصبحت معلمة في مدرسة خاصة، لا أستلم راتباً إلا في أشهر الدراسة، لذا كنت ألجأ للاستدانة طيلة أيام العطلة الصيفية، وعندما تعود الدراسة أحاول أن أقضي الدين الذي أخذته. وهكذا تستمر الحياة بالنسبة لي. أما بعد تعليق الدراسة لأجل غير معلوم، فلا أدري كيف سأعيش هذه الفترة. نسأل الله الفرج، فهو وحده العالم بحالنا”.ويعيش المعلم اليمني في حالة قلق من انتشار فيروس كورونا الذي كتم آخر نفس له، بعد أن أجبر الكثيرين منهم على المكوث في المنازل.

المصدر: المشاهد