تفاوتت أشكال وسياسات الدول التي اتخذتها الحكومات لمواجهة انتشار فيروس كورونا، ومن بين ما اشتهر وجرى تداوله من تلك الأشكال "مناعة القطيع"، أو مناعة المجتمع، وهي شكلٌ من أشكال الحماية غير المُباشرة من مرضٍ معدٍ، وتحدث عندما تكتسبُ نسبةٌ كبيرةٌ من المجتمع مناعةً لعدوًى معينة، إما بسبب الإصابة بها سابقًا أو التلقيح، مما يُوفر حمايةً للأفراد الذين ليس لديهم مناعةٌ للمرض.
ويبدو أن الحوثيون انتهجوا طريقة جديدة للتعامل ي تعاملهم مع أزمة كورونا وهي "خِداع القطيع"، أو "الدّجل على القطيع"، وذلك بالكذب على الناس والإصرار على إخفاء أعداد حالات الإصابة والوفاة في مناطق سيطرتهم، وهو ما يعرض الناس للخطر.
أمس عقد وزير الصحة في سلطتهم بصنعاء، طه المتوكل، مؤتمراً صحفياً بدى من خلاله أنهم قرروا المضي في سياسة التعتيم وعدم الشفافية في إدارة هذا الملف الخطير.
ومع التأكيدات بوجود عشرات الإصابات والوفيات بكورونا على الأقل وذلك من مصادر طبية ومنظمات ذي صلة فضلاً عن ما ينشره المواطنون يومياً حول وفاة أقاربهم، والمناشدات المحلية والدولية للحوثيين بانتهاج سياسة الشفافية وعدم التكتم، كان الناس ينتظرون أن سلطات الحوثي ستغير من نهجها وتعلن عن الحالات الحقيقية في هذا المؤتمر الصحفي.
لكن الحوثيون ضربوا بكل ذلك عرض الحائط، وأعلن المتوكل عن حالتي إصابة فقط في أمانة العاصمة إحداهما، كما قال، لرجل 48 عاما والأخرى لامرأة 38 عاما، وليس هذا فحسب بل أكد أن الحالتين تماثلتا للشفاء تماماً سريريا ومخبريا.
والملاحظة اللافتة هنا: إذا كانت الحالتين تماثلتا للشفاء تماماً؛ فهذا يعني أن إصابتهما كانت منذ فترة، فمتى أصيبتا؟ ولماذا لم تعلن إصابتهما من قبل؟ ألا يفضح هذا الإعلان سياسة الحوثيين ويؤكد عدم شفافيتهم؟
كان الحوثيون قد أعلنوا عن إصابتين من قبل إحداهما توفت، وهذا يعني، بحسب ادعاءاتهم، أنه لم يتبق سوى حالة إصابة واحدة فقط في مناطق سيطرتهم!
ودعا وزير صحة الحوثيين يدعو إلى عدم القلق ويقول إن الخوف والهلع المسيطر على الناس هو بسبب الإرهاب الإعلامي وهذا الخوف والقلق هو بحد ذاته مرض أشد فتكاً من كورونا.
ودعا المتوكل الجميع إلى " عدم الخوف والهلع المسيطر بسبب الإرهاب الإعلامي العالمي لأننا لاحظنا أن الخوف والقلق هو في حد ذاته مرض أشد فتكا بالناس من كوفيد 19 ".
وأضاف" لا نريد أن يصل الناس إلى حالة اطمئنان بالمطلق يجب أن نخفف من حالة الرعب وفي المقابل رفع وتيرة الاحترازات، لأن البعض يظن أن فيروس كورونا معناه الوفاة، هناك إصابات بفيروس كورونا في العالم ونسبة الشفاء كبيرة".
وأكد على ضرورة التركيز على نسبة الشفاء وعدم خلق حالة الهلع لدى المواطنين بالإصابات فقط.
وحذر مما سماه "الشائعات حول هذا الفيروس .. مؤكدا أن مصدر المعلومات هي وزارة الصحة المعنية بهذا الجانب".
الجدير بالذكر أن هذه التصريحات الحوثية جاءت بالتزامن مع وفاة قيادي حوثي بمحافظة إب، هو جميل الكحلاني، الذي يدعى "أبو خليل" ويشغل رئيس لجنة الحشد ونائب المشرف العام بمديرية السياني، وفي حين اكدت مصادر محلية إصابة أسرته ايضاً، تحدثت عن إصابات أخرى في أوساط قيادات حوثية خالطها الكحلاني وتخضع حالياً للحجر الصحي.
كما تأتي بعد تأكيدات محلية ودولية حول وجود إصابات كثيرة، وكانت إحصائيات ومعلومات جمعها "المصدر أونلاين من مصادر متعددة ومن عدة مستشفيات أكدت إصابة ما لا يقل عن 100 شخص بينهم 61 رجلا ونحو 40 من النساء والأطفال مصابون بالوباء ويخضع بعظهم للحجر الصحي السري لدى سلطات صنعاء، ووفاة نحو 20 شخصاً.
ولاحقاً أكد تقرير أكدت رويترز، ما نشره المصدر أونلاين، وقالت إن ما لا يقل عن 50 مريضاً في مستشفى الكويت و أكثر من 30 في مستشفى الشيخ زايد بصنعاء، أثبتت نتائج الاختبارات إصابتهم بكورونا. ولم تبلغ السلطات الحوثية الأطباء ومنظمة الصحة بتلك النتائج.
وكانت دعوات محلية ودولية قد وجهت للحوثيين لاتباع سياسة الشفافية وامس وجه 65 طبيباً في مناطق سيطرة الحوثيين رسالة للوزير الحوثي في نفس السياق.
وآخر دعوة كانت من منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، التي أكدت أن التعتيم على وباء كورونا الذي بدأ بالتفشي في اليمن بصورة سريعة، يؤثر على تقييم خطورة الوضع وضرورة تقديم المساعدات.
وحسب وكالة سبا أشادت منسقة الأمم المتحدة، في اجتماع لها مع رئيس الحكومة، بالشفافية التي تعاملت بها الحكومة اليمنية مع الوباء وإعلانها للحالات المصابة "مما يساعد على اتخاذ التدابير اللازمة".
وأشارت ليزا غراندي إلى مخاطر التعتيم والتكتم وعدم إعلان حالات الإصابة، وقالت إن "التعتيم او غياب المعلومات الصحيحة يؤثر على تقييم المجتمع الدولي لخطورة الوضع وضرورة تقديم مساعدات عاجلة، وبالتالي يؤثر على المساعدات المقدمة لليمن".
ويشكك المجتمع الدولي والأمم المتحدة والحكومة اليمنية، في مزاعم الحوثيين، والتي تتزامن مع حملات رش للشوارع وحظر للتجوال في بعضها وإغلاق المساجد والاسواق وإجبار المواطنين والسكان على تحمل تكلفة التعقيم.
وتقول الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن فيروس كورونا ينتشر بنشاط على مستوى المجتمع اليمني في عموم البلاد، وهو ما يجعل من السابق لأوانه معرفة حجم انتشاره وعدد الإصابات المؤكدة، في ظل الوضع الصحي الكارثي، وعدم توفر الامكانيات الازمة لإجراء الفحوصات وتتبع الحالات غير المعروفة.
وترفض المنظمات الصحية في صنعاء التعليق أو الإدلاء بأرقام وتقول انها ملتزمة بسياسات السلطات المحلية ولا تنشر من جانبها أي معلومات.