بعد ثلاثة أسابيع على إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، والمدعوم إماراتياً، ما يسمى بـ"الإدارة الذاتية" لمدن جنوب اليمن، لجأت الرياض، التي يبدو أنها عجزت عن إخضاع المجلس سياسياً وإرغامه على إلغاء خطواته الانقلابية، إلى خطوةٍ متقدمة، تتمثل بمحاولة جرّ الانفصاليين إلى مواجهة المجتمع الدولي. وفتح الهجوم المسلح من قبل قراصنة، والذي تعرضت له سفينةٌ تجاريةٌ قبالة ساحل مدينة المكلا (في خليج عدن)، أول من أمس الأحد، الباب أمام صدامٍ مباشرٍ بين السعودية، و"الانتقالي الجنوبي"، الساعي إلى توسيع تمرده في أكثر من محافظة يمنية، وتفجير حروب جديدة ضد الشرعية، جنوبي البلاد.
ووفقاً لمصادر "العربي الجديد"، يحتجز المجلس الانفصالي عدداً من الزوارق البحرية الحديثة في منطقة التواهي بعدن، ورفض خلال اليومين الماضيين، التعاون مع قائد القوات السعودية في عدن، مجاهد العتيبي، بتسليمها لقائد خفر السواحل اليمنية، اللواء خالد القمّلي. وفي مشهدٍ يدل على تخبط غير مسبوق، قدمت وسائل إعلام تابعة لـ"الانتقالي" مبررات مختلفة لعملية احتجاز الزوارق، بالقول إن اللواء القمّلي من القيادات الإخوانية داخل الشرعية، وأنها تتخوف من استخدام تلك الزوارق في معركة محافظة أبين، وقصف قواتهم بالقرب من مدينة شقرة.
وخلافاً لسواحل عدن، لا تزال سواحل مدينة المكلا وسواحل جزيرة سقطرى خاضعةً لسيطرة قوات موالية لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، فيما تخضع سواحل بلحاف في شبوة، لسيطرة قوات إماراتية.
ورداً على ذلك، اتهم التحالف السعودي، على لسان مصدر مسؤول، لم يسمه، المجلس الانتقالي الجنوبي، بعرقلة عمل قوات خفر السواحل اليمنية ومنعها من أداء مهامها في حماية خطوط الملاحة البحرية من أي هجمات إرهابية، كما حدث في المكلا. وفي تصريحاته التي سرّبها عبر قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية ووسائل إعلامٍ تابعة له، ولم تعرف طريقها إلى وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" كما هو معتاد، أشار "التحالف"، إلى أن "التهديد البحري لا يزال قائماً".
من جهته، حاول "المجلس الانتقالي الجنوبي" إنكار التهمة الموجهة إليه من التحالف السعودي واتهام مُروجيها بـ"الأخونة"، كما دأب على فعله في مناسبات مختلفة، لكنه أقر بعد ذلك، باحتجاز زوارق بحرية تابعة لخفر السواحل اليمنية في عدن، والامتناع عن تسليمها إلى قوات الشرعية، على الرغم من الطلب السعودي.
وظهر القيادي الانفصالي السلفي، هاني بن بريك، من مقر إقامته في أبوظبي مرتبكاً. ففي حين أعلن صراحة أنهم لن يسلموا سواحلهم لمن وصفهم بـ"أمراء الجماعات الإرهابية في الحكومة الشرعية"، قال في تغريدات تالية على موقع "تويتر"، إن سواحل المكلا التي شهدت الهجوم المسلح على السفينة، تحت قبضة خفر السواحل التابعة للحكومة اليمنية. وكما لو أن الزوارق البحرية قد أصبحت رهينة لدى "الانتقالي"، طالب بن بريك، التحالف، بالضغط بشكل جدي على الشرعية لتنفيذ اتفاق الرياض، وتكوين حكومة اتفاق مع "الانتقالي"، وحينها "يبشر بكل خير"، بحسب تعبيره.
وفي مسعىً منهم للحفاظ على شعرة الحوار مع الرياض، حاول قادة "المجلس الانتقالي" حرف مسار المواجهة مع القيادة السعودية، بالهجوم على قناتي "العربية" و"الحدث" الإخباريتين، حيث اتهمهما القيادي الانفصالي سالم ثابت العولقي، بـ"الترويج لأخبار باسم التحالف العربي"، على الرغم من أن "الإخبارية" السعودية الرسمية نقلت التصريحات من جانبها. وقال العولقي، عبر "تويتر"، إنه "يبدو أن قناتي الحدث والعربية أصابتهما عدوى المصادر المجهولة وترويج أخبار وتصريحات باسم التحالف العربي وإسنادها إلى مصدر مسؤول في التحالف، مع أن القاصي والداني يعلم أنه لا يخول بالحديث عن مواقف التحالف العربي سوى متحدثه الرسمي تركي المالكي".
ويبدو أن السعودية ستستغل تواجد الانفصاليين في المنافذ البحرية الحسّاسة، لتوريطهم في تُهمٍ أكبر من تهديد السفن وممرات الملاحة الدولية، حيث ألمح وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، المقرب من الرياض، إلى أن "المجلس" الانفصالي يعرقل جهود الشرعية في القيام بواجباتها تجاه وقف عملية تهريب الأسلحة الإيرانية لمليشيا الحوثي. وقال الوزير اليمني، في بيانٍ نشرته وكالة "سبأ" الرسمية، إن "الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له (الأحد) السفن في السواحل الجنوبية لليمن، يؤكد استمرار الأنشطة الإرهابية التي تستهدف خطوط الملاحة الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر، وتفاقم التهديدات التي تواجه حركة التجارة العالمية". وفيما لم يشر بشكل صريح إلى الجهة التي نفذت ذلك "الهجوم الإرهابي"، حمّل الإرياني "المجلس الانتقالي المسؤولية الكاملة عن عرقلة جهود الحكومة الشرعية في تثبيت الأمن والاستقرار بمحافظة عدن والسواحل الجنوبية، ومنع قوات خفر السواحل اليمنية من القيام بواجباتها في حماية السفن التجارية وإحباط الأنشطة الإرهابية". كما طالب الوزير اليمني، "المجتمع الدولي والأمم المتحدة بدعم جهود الحكومة الشرعية لتثبيت الأمن والاستقرار في المناطق المحررة وتمكين قوات خفر السواحل اليمنية من أداء مهامها في مكافحة الأنشطة الإرهابية وتهريب الأسلحة الإيرانية وتأمين حركة السفن التجارية حفاظاً على الأمن والسلم الإقليمي والدولي".
ولا يُعرف ما إذا كان "الانتقالي الجنوبي" سيقوم باستثمار الواقعة لمصلحته واستخدام ممرات الملاحة البحرية الدولية كورقةٍ تفاوضية أمام السعودية، كما يفعل الحوثيون في السواحل الغربية لليمن وممرات الملاحة في مضيق باب المندب أم لا، لكن خبراء رأوا أن الاتهام السعودي سيقود إلى مزيد من التعقيد بالمسار السياسي.
وفي هذا الإطار، اعتبر الباحث والمحلل السياسي اليمني، مصطفى ناجي، أن الاتهام السعودي، ربما يكون خطوة لتجريد "المجلس الانتقالي" من السند الإقليمي وجعله في مواجهة مع المجتمع الدولي. وقال ناجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يبدو أن السعودية لا تملك أوراق ضغط حقيقية على المجلس الانتقالي بسبب الحامي الإقليمي للمجلس (في إشارة إلى الإمارات)، لهذا تلجأ، ومن خلفها حكومة عبد ربه منصور هادي، للإشارة الى المخاطر الأمنية التي يمثلها المجلس الانتقالي بتصرفاته على الملاحة الدولية".
وفيما وصفه بـ"الخطير" ويمنح تصوراً بأن المعارك التي تخوضها القوات الحكومية في أبين، تحظى بضوءٍ أخضر من المملكة، أعرب الباحث اليمني عن اعتقاده بأن الاتهام السعودي يعني رفع الغطاء السياسي عن "الانتقالي". وقال في هذا الصدد، إن "اتهاماً كهذا تجاه جماعة متهورة لا تملك حسّاً تفاوضياً بنوايا حسنة، ولا تراعي الظرف الدولي والإقليمي الحالي، قد يعود بنتائج عكسية على المسار السياسي لحل الإشكال مع الانتقالي عبر اتفاق الرياض".