بغض النظر عن الموقف من أمريكا، في رحلة تمزيقها للوطن العربي، غير أن نظام حكمها الفيدرالي جدير بالتتبع والاستلهام أيضاً. كيف تستطيع استثمار مساحة شاسعة وسكان بالملايين، وتصنع وطن جدير بالاحترام! هكذا فعل الأمريكيون، فبدلا من أن تكون المساحة والسكان عبئا عليها، صارت عامل إبداع، وفي ظرف قياسي باتت أهم دولة في العالم.
وبغض النظر عن الفصام الذي تتعامل به الولايات المتحدة خارج أراضيها، بالإمكان استنساخ هذا النموذج الرهيب، خصوصا في اليمن الممزق. تجريب النموذج الفيدرالي في اليمن، بما يلائم العوامل الاجتماعية والجغرافيا أيضا، من المفترض أن يحل مشاكل كثيرة، والأهم هو حضور قوي للدولة المركزية.
الولايات المُتحدة الأمريكية قائمة على نظام فيدرالي مبني على التنافُس. الحكومة الفيدرالية لا تتدخل بالولايات إلا في شؤون محدودة من ضمنها الصحة والدفاع؛ في حين تتمتع الولاية بحكم محلي وبكامل الصلاحيات وكل ولاية تصنع اقتصادها بنفسها. لكل ولاية ميزتها الخاصة عن الولايات الأخرى؛ كلّ ولاية أجمل من أخواتها؛ كل ولاية أغنى من البقية.
في القرن الثامن عشر، إبان الاستقلال، كان عدد الولايات 13 غير أنها اليوم 51 ولاية، لكل واحدة حكايتها المُميّزة. فكليفورنيا، مثلا، مدينة المشاهير وصناعة الأفلام، فيها هوليوود المشاهير، وفيها بيفري هلز أصغر أجمل مدينة، وفيها جسر البوابة الذهبية في مدينة سانفرانسسيسكو. كذلك مشهورة بحرائق الغابات السنوية، أي أنها تتمتع بمناخات متعددة.
نيويورك المُكتظة بالسكان، من جميع أنحاء العالم، فيها الأحياء العربية، والصينية والأوروبية. فيها ناطحات سحاب مانهاتن وتمثال الحريّة، وكلّ العجائب؛ فيها شلّّالات نياجرا الأكثر شهرة في العالم. في نيفادا، كذلك، يأتي أكثر من 30 مليون سائح سنوياً للعب القمار والرقص وممارسة الألعاب البهلوانية، ولاية سياحية بامتياز، خصوصاً مدينة الأضواء لاسفيجاس الجميلة.
في فلوريدا، أكبر الأحواض المائية والتماسيح العملاقة، فيها شواطئ الاستجمام والراحة، ميامي بيتش، فيها الحضارة والتمدّن وفيها الغابات والبحيرات والمتنزهات الجميلة. في ولاية ماساتشوسيتس أو إنجلترا الجديدة كما يسمونها، تقع مدينة بوسطن من أغنى المدن الأمريكية القائمة على البحوث العلمية والتعليمية. في بوسطن تقع جامعة هارفارد الأقدم والأشهر على الإطلاق، كما فيها معهد ماساتشوسيتس للتقنية الشهير.
وتعتبر ولاية مينيسوتا من أكبر مناطق تصنيع أجهزة الكمبيوتر العملاقة خاصة في منطقة توين سيتيز الكبيرة؛ فيما تُعد ولاية ميتشيجن مُحاطة بأكبر شواطئ مياه عذبة في العالم، وفيها مدينة دترويت أو كما يسمونها "مدينة المُحركات"، حيث تُعد عاصمة صناعة السيارات عالميا ومن دعائم الاقتصاد الأمريكي.
ولاية بنسيلفينيا فيها أول بئر نفطي تم حفره في الولايات المتحدة، وتُعتبر الأولى في تصنيع الحديد الخام؛ فيما تشتهر ولاية جورجيا الصغيرة، الولاية الثالثة عشرة عند الاستقلال، بوجود مصنع (كوكاكولا) ومُتحف الرمز (مارتن لوثر كنج) الأمر الذي جعلها قبلةً للسياحة المحلية والأجنبية.
باختصار لكل ولاية طريقتها الخاصة في صناعة اقتصادها، مما يجعلها مُميّزة بجمال من نوع خاص عن شقيقاتها الأخرى. بغير الفيدرالية، لم تكن هذه الولايات للتتوحّد، وما كانت لتصبح أعظم قوة على الأرض. يُدينُ الأمريكيون لجورج واشنطن بهذه الثورة التي دحرت بريطانيا العظمى وصنعت مجد الولايات المُتحدة قبل أكثر من ثلاثة قرون من الزمن!
ماذا لو أحببنا وطننا. ماذا لو كنا تتبعنا وثيقة الحوار الوطني، كيفما كانت، ومضينا في الأقلمة. سيصدر إقليم آزال الرمان والعنب، وسيجذب كذلك آلاف السياح، فضلا عن العاصمة المركزية للدولة الفيدرالية. سيقفز إقليم عدن إلى واجهة المنطقة، وسينافس أكبر موانئ العالم. وربما صارت مدينتي الحديدة وحجة قبلة للسياحة والاستجمام. أما مأرب فنفط الدولة وغازه، أضف إليه سياحة من نوع خاص. في الجند، سيبرع أبناء الإقليم في الصناعة، الزراعة، وكل شيء، مستندين إلى ثقلهم السكاني، ونسبة المغتربين الكبيرة. أما الحضارم، فسيكون إقليمهم قطعة من الخليج، وهم كبار التجار هناك، جزء كبير من رأس المال التجاري. ماذا لوو؟! لكن ينقصنا حب الوطن، ليصير كل هذا أجمل. الكثير للأسف يعتبرون هذا الوضع، الذي نعيشه الآن، مثالياً جدا..