الدراما اليمنية

الدراما اليمنية… تطور فني، ولكن تدهور موضوعي (تقرير)

“يا رب مغلطش بيوم، وأفتح على مسلسل يمني؛ عشان محسش بالقهر من عباطة الممثلين حقنا”؛ قالت بيان عمر، على صفحتها في “فيسبوك”.
وصلت بيان إلى مرحلة النفور تجاه الأعمال اليمنية، وفقدانها الرغبة في العودة لمتابعتها كالسابق. فمنذ فترة وجيزة، انصرف عن مشاهدة الأعمال المحلية، واستعاضتها بأعمال أخرى خارجية، بعد أن وجدت فيها قصصاً وقضايا تشابه ما تمر به كشابة، وبأسلوب درامي صادق، إضافة لأمور أخرى عجزت عن وجودها في معظم المسلسلات اليمنية، على الرغم من كونها موسمية الإنتاج، وتعتمد على قضايا واقعها المعاش.
وأضافت: “لم أجد في أغلب المسلسلات اليمنية التي تابعتها مسبقاً، أي مضمون شدني إليها، وإن وجد المضمون، أشعر بها تعجز عن الوصول إليّ كمتلقٍّ؛ فالممثلون لا يجيدون غير الصياح، ودائماً ما يظهرون الشخصية اليمنية على أنها ساذجة وغير مثقفة، والحوار غير مقنع ولا مؤثر”.

أداء تمثيلي مشوه

وعبر آخرون، على صفحات التواصل الاجتماعي، عن مدى شعورهم بالاستياء والغضب تجاه المسلسلات اليمنية لهذا العام؛ إذ وجدوا أنها تكرر سيناريو العبث والتهريج ككل الأعوام السابقة، وهو ما يسيء لعقلية المشاهد اليمني، ويسخر منه.
ويشير نشوان صادق، وهو مخرج أفلام قصيرة في تعز، إلى أن المشكلة ليست في يد طرف واحد فقط؛ فالكاتب والمنتج والمخرج والممثل، كلهم مسؤولون عن ضعف الدراما المحلية، وانصراف الناس عنها.
ولاتزال معظم المسلسلات اليمنية تقدم مسرحاً مصوراً ومشوهاً من حيث الأداء التمثيلي، بحسب صادق، كرفع الصوت، والمبالغة في تعابير الوجه، والحركة بشكل عام، ويأتي تجسيد النص من قبل ممثلين غير مؤهلين؛ ألفوا المسرح، ووجدوا أنفسهم فجأة أبطالاً لمسلسل ما.
ويضيف: “أشاهد الكثير من الأعمال الأجنبية، بعضها تغطي حياة عادية جداً، لكني لا أشعر لوهلة أن الناس فيها يُمثلون، كأن الشاشة التي أمامي تنقل حياة حقيقية لا يعرف أصحابها أن هناك من يشاهدهم، بعكس أعمالنا؛ إذ يخبرنا الممثل من أول ظهور له بأنه أمام كاميرا، وتجده ينافس زملاءه على جذب المشاهدين بالتهريج، فيصبح مهرجاً في تمثيله لا كوميدياً، وحين يمثل التراجيديا يفشل فشلاً ذريعاً”.

نفسية المشاهد

وتعد دراسة الحالة الاجتماعية والنفسية للجمهور المتابع، واحداً من أبرز عوامل نجاح العمل الدرامي، ففي الدرجة الأولى، إرضاء المشاهد هو الهدف الأعلى والأهم للدراما الجيدة، ويكون ذلك بتكثيف الرسائل والقضايا التي تمس حياته ووجدانه، ووضع محتوى يحترمه ويقدمه بالصورة التي تليق؛ حتى يكون جزءاً من صناعة الرأي العام الإيجابي، وعلى الدراما أن تؤثر على المشاهد تأثيراً عميقاً ووجدانياً، وأن تسهم في إحداث نقلة ثقافية وإبداعية في المجتمع؛ لترتقي تدريجياً بمشاهديها.
ويقول لـ” المشاهد” مدير مكتب الثقافة بمحافظة تعز، عبدالخالق سيف، وهو أحد كتاب سيناريو مسلسل “غربة البن 1”: “ينبغي على صناع الدراما اليمنية أن يستوعبوا جيداً نفسية المشاهد اليمني؛ فهو ليس مغيباً عن الواقع، وليس جاهلاً بما يحدث حوله ومعه، بل هو شخصية بسيطة، تحمل آمالاً وآلاماً وانتكاسات عديدة، سواء على مستواه الشخصي، أو مستوى وطنه بشكل عام”. ويضيف: “يرتبط المشاهد اليمني داخلاً وخارجاً بما يعبر عنه؛ كالغربة وغلاء الأسعار والحروب، وقد يضحك، ما إن يمنحه العمل الدرامي التهريج فقط، لكنها ضحكة مؤقتة، تنتهي مع تغييره القناة، وهو دليل واضح على الفشل الذريع للعمل، وأنه مجرد تحصيل حاصل”.
ويؤكد صادق أن أغلب صناع الدراما اليمنية لا ينظرون للمشاهد اليمني كهدف ينبغي رفع ذائقته الفنية ووعيه، وتقديم قضاياه المهمة بأسلوب ممتع ومؤثر، بل كمستهلك غبي، من المرجح أن يقبل أي شيء، ولو كان مشهداً درامياً يقدّم إعلاناً مباشراً لراعي المسلسل وحسب.

القنوات والشركات اليمنية المنتجة ركزت مؤخراً على تطوير أعمالها من الناحية الفنية والتقنية؛ كالتصوير والإضاءة ومعالجة الألوان، إلا أن السيناريو جاء هشاً للغاية؛ لذا اجتهد المخرجون لوضع معالجات درامية لهذه السيناريوهات، كما اجتهد بعض الممثلين على نحو أدى للمبالغة في التمثيل، وهو ما تسبب بضعف المحتوى الفني للدراما اليمنية، وعدم تماسكه.

تطور فني وتدهور موضوعي

ويذكر الفنان أحمد الحكيمي، أن القنوات والشركات اليمنية المنتجة ركزت مؤخراً على تطوير أعمالها من الناحية الفنية والتقنية؛ كالتصوير والإضاءة ومعالجة الألوان، إلا أن السيناريو جاء هشاً للغاية؛ لذا اجتهد المخرجون لوضع معالجات درامية لهذه السيناريوهات، كما اجتهد بعض الممثلين على نحو أدى للمبالغة في التمثيل، وهو ما تسبب بضعف المحتوى الفني للدراما اليمنية، وعدم تماسكه.
ويرجع الحكيمي في حديثه لـ” المشاهد” سبب ذلك إلى كون أغلب مسلسلات هذا الموسم قد بنيت على عالم مفتوح، وقام طاقمها بالسفر إلى خارج اليمن لإنتاج أعمال أكثر تقدماً، لكن الظروف جاءت معاكسة، فقد أثرت جائحة كورونا على إنتاج الدراما اليمنية بشكل سلبي، وكانت سبباً في وصول المنتج اليمني إلى أسوأ من ذي قبل، وعرقلة صناع الدراما عن تلبية طموحات الجمهور، ورغبته في رؤية عمل درامي نظيف وراقٍ.
ويقول سيف: “كثير من الأعمال الدرامية التي كنا ننتظرها بشغف؛ كمسلسل ليالي الحلمية، ومسلسل آخر بدوي، قد أوقفت بسبب جائحة كورونا؛ لذا توجه صناع الدراما اليمنية لطباخة البديل، وقرروا إنتاج مسلسل “جمهورية كورونا” داخل عمارة في الأردن؛ كنتيجة لفرض الحجر الصحي، وقد اعتمد طاقمه على الارتجال في حديثهم، ووفق نصوص وحوارات صنعت في زمن قليل، كما كان من المرجح أن تصور بعض مشاهد “غربة البن 2″ في الهند، لولا الوباء أيضاً”.
ويفيد الفنان عبدالكريم مهدي، أحد نجوم مسلسل جمهورية كورونا، أن الوضع في الأردن كان أكثر تعقيداً؛ فالإجراءات مشددة، ما منعهم من الخروج لتكملة التصوير؛ لذا جاءت فكرة “جمهورية كورونا”، كعمل يتناول قضايا ومعاناة كل من تأزم بسبب الوباء، وبإمكانيات إنتاج ضئيلة جداً، موضحاً بالقول: “حتى إننا استغللنا ملابسنا اليومية كأزياء للعمل”.

الدراما اليمنية في ظل كورونا

وتسببت جائحة كورونا، أيضاً، باستبدال بعض أوجه مسلسل “غربة البن”، بعد أن ألفها الناس واعتادوها، وشهد المسلسل غياب نجوم كبار، كانوا قد شكلوا وسيلة جذب كبيرة، العام الماضي، وعلى رأسهم النجمة سالي حمادة؛ مما اضطر الطاقم لمعالجة الأمر بتغيير بعض مسارات القصة، فجاءت رغد المالكي لتؤدي دور الزوجة الثانية لعبدالوكيل (صلاح الوافي)، ونتيجة لذلك، تعرضت لتنمر إلكتروني عنيف على صفحات التواصل الاجتماعي.
يقول عبدالله لـ” المشاهد “ : “لعل انتقادات الناس جاءت بسبب تكلفها في التمثيل، وثقل دمها، شاهدت لها مقطعاً وهي تقول: “حجي وحجوجي”، وأدركت ذلك، الغريب أنها بدت عفوية وذات شخصية جميلة في برنامج “غازي في ورطة”، وليتها تمثل بنفس تلك البساطة! أياً يكن، ليس هناك من داعٍ لتلك التعليقات المسيئة، لكن الناس نفسياتها مشحونة، وتنتظر أي شيء لتعلق عليه وتضخمه، والذوق أصبح ينعدم يوماً عن يوم”.
وينوه سيف إلى أن الجمهور المتابع لا يبحث في الدرجة الأولى إلا عن عمل مؤثر ومتماسك، وليس عن الكوميديا كما يعتقد صناع الدراما اليمنية، ويعتقده الممثلون، مستشهداً بمسلسل “سد الغريب” كنموذج؛ فقد تمكن من أن يحظى بمشاهدة وتقدير جمهور كبير، على الرغم من كونه ليس بعمل كوميدي؛ فهو مسلسل اجتماعي جميل جداً، فيه دراما الثأر والحرب والحب والشعر، وتدور أحداثه حول قبيلتين تتقاتلان على سد ماء، وعلى العكس تماماً؛ فقد تناقص جمهور ومتابعي “غربة البن 2″، مقارنة بالعام الفائت؛ نتيجة لانصرافه إلى التهريج.
ويختم حديثه بالقول: “حافظت بعض المسلسلات اليمنية على نقطة اتزان جميلة رغم الوضع الحاصل، كمسلسل “دار ما دار”، الذي قدم الأسرة اليمنية وصراعها بطريقة مختلفة وكوميدية دون إسفاف، وإن كان واضحاً فيه نقص الإمكانيات. وفي المجمل، لم تتمكن الأعمال اليمنية لهذا العام، إلا أن تتمسك بموضع قدمها وحسب، فلم نجد فيها أي تقدم إلى الأمام. ورغم التقصير الواضح والأخطاء الحاصلة، يظل هذا الممكن هو سيد الموقف في ظل كورونا، على أن ندرك جيداً، مهما بلغت الأسباب والمبررات، من حق الجمهور ألا يتوقف عن الانتقاد والهجوم حتى يجد عملاً ينصفه”.