يثور الجدل حول تهديد بيئي محتمل، في حال وقوع تسرب نفطي كبير من ناقلة النفط اليمنية "صافر"؛ نتيجة لتآكل أجزاء من بدنها، وبقاء شحنة من النفط فيها منذ عام 2015. وفي مقابل ذلك، تتصاعد دعوات أطراف الصراع في اليمن، وجهات دولية ذات صلة، إلى إيجاد حل للمشكلة، غير أنه لم تتخذ أي خطوات عملية لتقييم الخطر، أو بيع شحنة النفط تلك، والحؤول دون وقوع ما لا يحمد عقباه.
خلفية عن الناقلة صافر (ميناء رأس عيسى)
وفقا للبيانات التي كشفت عنها مصادر عديدة، من أبرزها المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز، فإن الناقلة صافر، تمثل ميناء رأس عيسى اليمني، على البحر الأحمر. فهي عبارة عن خزان عائم، وزنه الساكن 409 ألف طن متري، ويستخدم لتصدير النفط الخفيف المستخرج من حقول صافر بمحافظة مارب.
ترسو الناقلة صافر، على بعد 4.8 أميال بحرية (الميل البحري= 1852متر)، من شاطئ رأس عيسى، الواقع شمالي مدينة (ميناء) الحديدة، بنحو 60 كلم، وذلك في إطار مناطق السيطرة الجغرافية لجماعة الحوثيين. وكان تشغيل وإدارة الميناء، قبل اندلاع الحرب عام 2015، يخضع لشركة صافر اليمنية للنفط، الواقعة- حاليا- تحت نفوذ الحكومة الشرعية.
أما الطاقة التخزينية الكلية للناقلة، فتقدر بنحو 3 مليون برميل، موزعة على 34 خزانا، وبأحجام متفاوتة، وتقدر كمية شحنة النفط فيها 1.1 مليون برميل.
تشكل الناقلة، في الوقت الراهن، تهديدا على البيئة البحرية، بكل مكوناتها، والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع البحري، محليا ودوليا؛ وذلك نتيجة لتعرض أجزاء من بدن الناقلة للتآكل، وتوقف عمليات الصيانة الدورية لها منذ مطلع العام 2015، مع ما يشكله تقادم عمرها من تأثير في صلاحيتها للعمل؛ حيث إنها دخلت الخدمة عام 1988.
أنظر الشكل (1): عينات من الأعطاب في بدن الناقلة صافر
الموقف اليمني والدولي
أفادت الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، أن جماعة الحوثي منعت فريق خبراء الأمم المتحدة، المعني باليمن، من تقييم حالة الناقلة، التي ترسو ضمن مناطق سيطرة الجماعة، وذلك ما حال دون تقديم التوصيات اللازمة بشأنها، تفاديا لوقوع تسرب نفطي يدمر الحياة البحرية ويعطل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المتصلة بها، ويقضي على أصل ثمين للدولة اليمنية، والمتثمل هنا بالناقلة ذاتها التي يقدر ثمنها بملايين الدولارات.
وعلى الطرف الآخر، جددت جماعة الحوثي الدعوة إلى الأمم المتحدة للعمل على إيجاد آلية لبيع النفط المخزون في الناقلة، لكنها تشترط استخدام قيمته، التي تقدر بنحو 80 مليون دولار، لمواجهة رواتب الموظفين المتعثرة منذ ثلاث سنوات؛ إلا أن هنالك من يشكك في جدية الجماعة في ذلك؛ كونها تنوي استغلال هذا المبلغ لدعم مجهودها الحربي.
على المستوى الدولي، وفي منتصف يونيو/ حزيران 2019، سبق أن كشف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، عن حصوله، مبدئيا، على موافقة خطية من سلطة الحوثي بإجراء التقييم الفني للناقلة، مع مشاركة جماعة الحوثي في تسهيل ما يتصل بالعملية. غير أنه، بعد أقل من شهر، أفاد بأن الجماعة تعطل تنفيذ ذلك.
وقد دفع التهديد المتوقع من عملية التسرب النفطي، وتملص جماعة الحوثي من التزاماتهم بتسهيل عملية التقييم، عددا من الدول الكبرى، مثل: الولايات المتحدة والصين، إلى التحذير من عواقب التهاون إزاء الأعطاب التي تهدد سلامة الناقلة، وحث طرفي الصراع على الإسراع في مواجهة ذلك بالتعاون مع المنظمة البحرية الدولية International Maritime Organization (IMO)؛ لأن التهديد المتوقع لن يلحق الضرر باليمن فحسب، بل ومصالح المجتمع الدولي في منطقة البحر الأحمر.
التداعيات المتوقعة للتسرب النفطي
قبل تحديد التداعيات المتوقعة من تسرب النفط، ينبغي علينا الإشارة إلى أن ثمة عوامل كثيرة تلعب دوراً في تحديد حجم هذه التداعيات، ومن أبرزها: أن الأعطاب الموجودة في الناقلة، كما يبدو، ليست في مناطق حساسة، ولا في كافة خزاناتها؛ بل في البعض منها. وبذلك لن يتسرب النفط المخزن كله؛ حيث أن الناقلة مقسمة إلى خزانات منفصلة.
ولعل جماعة الحوثي أجرت- على نحو منفرد- دراسة لتقييم الخطر فوجدت أن هنالك متسعا من الوقت للمناورة في هذه المسألة، لفرض شروطها في استغلال قيمة شحنة النفط، مع محاولتها الواضحة في التهويل من حجم التهديد بغية تحقيق هذا الهدف. فضلا عن التلويح بها كورقة ضغط عسكرية في حال تعرضت مدينة الحديدة لعملية عسكرية تقوم بها القوات الحكومية المناوئة للجماعة.
وتشير تقارير الهيئات الدولية إلى أن التسرب، المتوقع من الناقلة، سيكون أكثر من أربعة أضعاف كمية النفط التي تسربت أثناء حادثة ناقلة النفط "إكسون فالديز"Exxon Valdez في 24 مارس/ آذار 1989، بالقرب من ساحل ألاسكا، التي تسرب منها، بفعل غرقها، 40 ألف طن من النفط الخام وانتشاره على طول 1700 كلم على سطح البحر. لكن هذا أمر مبالغ فيه، اعتمادا على ما أشير إليه سلفا بخصوص تقسيم خزانات الناقلة والحالة الراهنة لها، ومناورة الحوثيين في ذلك، فضلا عن ان الناقلة "إكسون فالديز" كانت قد تعرضت للغرق.
وقياسا على حادثة أخرى، هي ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج Limburg، التي استهدفت بعمل إرهابي عام 2002، قبالة ساحل ضبَّة بالمكلا، فإن كمية النفط المفقود خلالها، تسربا واحتراقا، بلغ 90 ألف برميل، بينما كان طول مناطق التلوث من الشاطئ- حتى اليوم العاشر من الحادثة- نحو 70- 90 كلم..
ولو أخذنا بالتقارير الحكومية التي بالغت في ذلك، فإن كمية الزيت المتسرب بلغت نحو 150 ألف برميل، وغطى مساحة 500كيلو متر مربع من سطح البحر؛ وكانت المسافة التي قطعتها بقعة الزيت نحو 130 كلم، بدأت من نقطة الانسكاب، قبالة ميناء الضبة، والإتجاه غربا"1".
أنظر الشكل (2): مظاهر للتلوث بالزيت المتسرب من ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج قبالة ساحل ضبة بالمكلا عام 2002
ينبغي أن نضع في الحسبان، أن حادثة ليمبورج Limburg، صاحبها احتراق للنفط؛ نتيجة للتفجير، وفي الوقت ذاته وجود مواد سمية في العبوات المتفجرة المستخدمة في العملية؛ ما ترتب عليها تأثيرات سامة على الأحياء البحرية، والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع البحري بالمنطقة. وهذا قد لا يكون واردا في التسريب المتوقع لناقلة صافر، مع مراعاة اختلاف عوامل كثيرة مثل: تعاريج الشاطئ، والتيارات البحرية، وحرارة الجو، واتجاه الرياح وسرعتها، والمد والجزر، خلال حدوث تسرب النفط من الناقلة.
ما من شك أن التأثيرات، الناشئة عن تسرب النفط من الناقلة صافر، سترتبط، كذلك بحجم النفط المتسرب. وهنا تبرز خسارة قيمة النفط المتسرب، والتعويضات اللازمة للمجتمعات البحرية المتضررة، والكلفة المادية لعملية التنظيف، لا سيما إذا وقع التسرب من أكثر من خزان، فضلا عن التأثير الضار على الحياة البحرية، كموائل الأسماك، والسلاحف البحرية، والشعاب المرجانبة، وبيئات المنجروف، والكائنات البحرية الأخرى..؛ إلى جانب إعاقة حركة النقل البحري، وتلوث الجو- في حال اللجوء إلى إحراق بقع الزيت كإجراء للتخلص منها.
أما التأثيرات المتوقعة، التي قد تلحق بالموارد الاقتصادية والاجتماعية في الساحل اليمني، فيمكن تصور بعضا من ذلك في ما يلي:
. الإضرار بمعدات الصيد التقليدية والميكانيكية لمحترفي الصيد التقليدي.
. التوقف المؤقت عن ممارسة الصيد نتيجة للتلوث.
. الإضرار بالقطاع السياحي والصناعي المرتبط نشاطهما بالموارد البحرية.
. ارتفاع أسعار أسماك المناطق الخالية من التلوث.
. عزوف الوسطاء التجاريين عن شراء أسماك المنطقة الملوثة.
الواضح أن جماعة الحوثي لا يزال لديها متسع من الوقت للمناورة والضغط على مختلف الأطراف، بقصد تحقيق عائد مادي من قيمة النفط المخزون في الناقلة، لتوجيهه في دعم المجهود الحربي. ولذلك قد يطول التفاوض بشأن ذلك، خصوصا وأن الحكومة اليمنية تدرك أبعاد هذه المناورة، وتلعب حولها على نحو مماثل..
غير أن الخطر يكمن فيما لو تعرضت الناقلة لعمل تخريبي، يتقاذف أسبابه وتبعاته طرفا الصراع، دون معرفة الطرف الحقيقي الفاعل..!! فيما لو كان هنالك طرف ثالث من مصلحته التدخل من هذه الفجوة!!
لذلك فإن من مصلحة الطرفين التوافق على حل يتجاوز غير ما يطرح الآن من قبلهما، بشأن توظيف عائدات بيع نفط الناقلة بما يحقق مصلحة وطنية مشتركة، مثل مواجهة وباء كورونا (كوفيد-19)، وذلك بنظر منظمة الصحة العالمية، لا سيما أن مؤشرات الوباء تشي بأن مستقبله في اليمن يتخطى قدرات طرفي الصراع.
وإن مقترحنا هذا، يقوم على أساس أنه: سيكون من المفيد مواجهة كارثة الوباء بقيمة نفط الناقلة، لا الانتظار لتحمل أعباء الكارثتين معا، حيث لن يكون هنالك- بالطبع- قدرة على تحمل ذلك أبدا.
---------------------
"1": يمكن الوقوف على تفاصيل أكثر بهذا الشأن، في بحث أعده كاتب هذا التقرير، لنيل درجة الماجستير عام 2009. والبحث مودع في مكتبة الإسكندرية بمكتبة الأكاديمية البحرية بمصر، ومكتبة جامعة صنعاء، والهيئة العامة للبيئة.