كورونا

من جونسون إلى الحوثي: لماذا يجب أن نحارب الوباء بالمعرفة والخوف؟

الخوف من الوباء هو آلية طبيعية تتطلبها مواجهته. الخوف هو عملية منطقية وشعور فطري، بخلاف الفوبيا (الخوف غير المنطقي). علينا أن نخاف؟ نعم. لماذا؟ لأن الخطر حقيقي، ولأننا لا نملك رداً عليه.

وماذا عن الفوبيا، الهلع؟ هذه استجابات مبالغ فيها، نشاهدها لدى مجموعتين بشريتين: المجموعة الأولى هم الناس الأكثر ميلاً للهلع في الحياة بشكل عام، من يعانون من سلسلة هلع ممتدة من الطيران إلى الأماكن المغلقة، ومن المرتفعات إلى الحشرات. المجموعة الثانية، وهي الأهم، هم الناس الذين يفتقرون للمعرفة الكاملة إزاء الحدث.

ما السبيل لعلاج المجموعة الثانية؟ التنوير المستمر، تزويدها بالمعلومة في سياق رياضي حازم، ضرب الأمثلة وتقديم النماذج، شرح التهديد ومدى خطورته، عرض نماذج كفاح مثيرة للإعجاب، وتكرار ما سبق. وأحياناً: الصدمة. علينا أيضاً، من وقت لآخر، أن نقدم العظة والعبرة، ذلك أن الخطر ليس متخيلاً، وأنه سيصل إلى أكثر "الكفار كفراً". وأعني بالكفر التغطية والجحود.

على الناس أن تعرف أن طه المتوكل، وزير الصحة اليمني، أبرز الكافرين، أصيب (وتعافى)، وأن زوجة كافر عملاق، وهو رجل دين من وسط اليمن، وضعت فجر هذا اليوم على جهاز تنفس اصطناعي. العظة تعلم، العبرة تدل على الطريق، الحقيقة إبصار، الأرقام قوة، والكفر ظلام دامس يجلب الهلع وينكب صاحبه.

عندما رأى البريطانيون جونسون في إصابته تيقن المتطرفون من وجود المشكلة وحقيقة التهديد. التنوير ليس إثارة للهلع بل للخوف، أي للاستجابة. إذا لم تشعر بالخوف فأنت لم تفهم شيئاً. إذا فشلت السلطات في تعطيل الحياة، بسبب عجزها أو غيابها، فليفعل الخوف ذلك. على الخوف أن يحمي أولئك الذين لا تحميهم السلطات. قالت ميركل إن الحياة تواجه أكبر تحدٍّ منذ الحرب العالمية الثانية. وقال ماكرون إنها حرب. وقال جونسون استعدوا للموت. وشبه بوتين الوباء بالقبائل التي حاصرت موسكو قبل ألف سنة. وقدم أردوغان تشبيهاً أكثر غرابة عن مدن وقبائل وغزاة، وقال ترامب إنه ذاهب للقتال. 

تحفيز للخوف من أعلى المستويات باستخدام أكثر الدوال اللغوية غموضاً وعنفاً: الموت، الحرب، الهلاك، الحصار، العدم.

احتج كثيرون على ما كتبته في الأسابيع الماضية، وقال أطباء إني أساهم في نشر الذعر، بعضهم قال إنه لن يقرأ لي مرة أخرى.

هذا هراء، المعلومة لا بد أن تفعل فعلها. إذا دفعتك المعلومة إلى تغيير موقفك فقد نجحت في سياقها الطبيعي. إذا أصابتك بالهلع فقد فشلت أنت إزاءها.

الهلع في دولة الحوثي مرده إلى غياب المعلومة وانهيار الحقيقة، لا بسبب التنوير والمعارف. يموت الناس في منازلهم بسبب الأساطير والخرافات، مثل: منذ شهرين يدخل الناس إلى مستشفى الكويت الجامعي بصنعاء ولكن لا أحد يخرج. أين يذهبون؟ هذا السطر البسيط كفيل بزعزعة الاستقرار النفسي في مدينة كاملة.

 

التنوير القائم على الدراسات والـBiostatistics يساعد على تخفيض انفعالاتك من الهلع إلى الخوف، إلى السيطرة على موقفك النفسي والعقلي.

 

عندما أتحدث إلى مرضاي وأشرح لهم ما الذي ننوي فعله من عمليات، وأطلب منهم التوقيع على الأوراق، أطرح عليهم هذا السؤال: هل تشعرين الآن، بعد حديثنا، بالخوف؟

إذا قالت السيدة "لا" أقول لها: يعني هذا أنك لم تفهمي كلامي، أو أنك لم تركزي مع ما قلته. ثم أعود إلى البداية، أرسم القلب على ورقة بيضاء كبيرة، أرسم مسارات الضفائر والشرايين والصمامات، ثم أشخبط بالأزرق..

هل من جديد؟

أمس أعلنت السلطات في تعز عن جملة من الإجراءات في إطار الممكن المعقول. بحسب علمي فهي "المقاطعة" الوحيدة التي اتخذت رسمياً جملة إجراءات يمكن وصفها بالشاملة. 

ما نشهده ليس مرضاً بل وباء. نواجه الوباء بإجراءات اجتماعية، لا معملية. لذلك شاهدنا أبطالاً جدداً في عالم الطب ظهروا للواجهة: علماء الأوبئة وعلماء الفيروسات. هذان فرعان غير مرتبطين بالطب الإكلينيكي. بمعنى أنه لا يمكن لبروفيسور دروستن، نجم الفيروسات في ألمانيا، دخول وحدات العناية المركزة والتعديل على بروتوكول علاج الالتهاب الفيروسي. في الوقت نفسه، لا يمكن لميركل أن تدلي بأي تصريح متعلق بالوباء والإجراءات المتخذة، دون مشاورة دروستن.

ما العلاج؟ لا يوجد علاج. 

ما العمل؟ الابتعاد عن الوباء.

ما نحن واقعون به بحاجة إلى مختصين في الأوبئة في المقام الأول، ثم أطباء المشافي. وبحاجة لسلطات قادرة على قهر الناس وعزلهم، ثم لمعامل تبحث عن اللقاح. من يأتي أولاً، وما يأتي أولاً؟ حرمان الفيروس من ضالته: الحشود.

وما هو العلاج الأفضل؟ أن تبتعد عن كل الناس لوقت معين في حال ظهرت عليك أعراض. الوهم والخرافة جزء من سيرة كل وباء. في موجات الطاعون التي ضربت أوروبا قبل مئات السنين قيل، أكاديمياً، إن السبب هو رذاذ قذر قادم من الشمس. وقيل شعبياً غير ذلك، مثل: بسبب الرجال الذين يحلمون بمضاجعة النساء المسنات. كانت الصلاة والتوبة، كما العزلة والأعشاب، هي عواميد المواجهة. كما يحدث الآن.

الوباء تحدٍّ طبي في المقام الثاني، واجتماعي في المقام الأول. وأفضل الحلول إزاءه هي أن لا يحدث، أما وقد حدث فإن ثاني أفضل حل هو أن لا يصيبك. ثم يأتي الحل من الدرجة الثالثة وهو التفريغ العام والإجباري للحياة "الجماعية".

لا نتحدث عن مرض بل عن كارثة طبيعية. إذا دخلت السيول إلى المدينة فإن السؤال الأهم هو كيف نحولُ دون دخولها إلى المنازل، لا كيف نعلم الناس السباحة. وإذا فاض البحر فعلينا أن نفرغ المدينة من الناس لا أن نعد أمامهم عدد السترات الواقية وأجهزة التنفس الموجودة. الكارثة الطبيعية هي تحد شامل، في بعض جوانبها صحية. ليكن عندك ألف جهاز تنفس صناعي، ما الذي سيفعله هذا العدد ولديك عشرة ملايين نسمة؟!

من الأفضل أن تحولَ دون أن "يقع الفيروس في الرأس"..

لا يمكن إنكار وجود الكوارث. أمامها يحتاج الفرد للوقاية الشخصية، لكن المسألة تتعدى الفرد إلى المجتمع. السلطات وحدها قادرة على فرض استراتيجية احتواء. الناس في حالة الطبيعة، بلا منظومة حكم مركزية، لا يقدرون على تحدي الأوبئة. غياب السلطات هو الوجه الآخر للوباء.

سأقول لك ما الذي تحتاجه وبشكل حاد: أن تخبرك جهة رسمية عن حجم الخطر، مكانه، سرعة انتشاره، وعن توقعاتها للأيام القادمة. الخوف أبرز من الجوع، ويأتي الخوف من غياب المعرفة والمعلومة.

لنفترض أنك الآن وزيراً للصحة في صنعاء. تخرج إلى الناس كل يوم في الـ11 صباحاً في مؤتمر صحفي ومعك قادة الفريق ومستشاروك.

تتحدث هكذا، كل يوم:

فيما يخص العاصمة، سجلنا أمس 233 حالة جديدة، 34% جاءت من المدينة القديمة. ما يعني أنها مركز المشكلة داخل العاصمة وقد فرضنا حظر تجوال شاملاً في ذلك الجزء. تعافى البارحة 23 حالة. أجرينا فحصاً لـ 1200 بالأمس. لدينا منظومة عناية مركزة تشمل كل مشافي العاصمة، لا يزال لدينا 220 جهاز تنفس اصطناعي شاغر، لاحظنا أن الأعداد تتزايد لكن التسارع ينخفض. إذا استمرت عملية الإبطاء على هذا النحو فإن توقعاتنا تذهب إلى أن الموجة ستنخفض خلال 14 يوماً. بعد شهر من الآن سنشاهد هبوطاً واضحاً. نطلب من المواطنين البقاء في منازلهم وسنبلغهم خلال الأيام القادمة بالخطوة الجديدة ولدينا خطة طوارئ متعلقة بالمواد الغذائية سنعلن عنها. على صفحتنا هناك خريطة لعدد الحالات في كل حي، يمكنكم الاطلاع عليها.

يستمع إليك المواطن ويتبدد خوفه. المعرفة تقتل الخوف، الأرقام تدحر الهلع والمجهول. إذا قلت للناس إن هناك عصابة لصوص في المدينة فسوف يصابون بالهلع، لكن إذا قلت لهم إنهم ثلاثة أشخاص مراهقين، وإن السلطات تقتفي أثرهم فلن يكترث لهم أحد بعد ذلك.

نقلا عن "عربي بوست"